أكرم القصاص - علا الشافعي

"النواحة" قصة قصيرة لـ محمد على منصور

الثلاثاء، 02 يناير 2018 11:00 م
"النواحة" قصة قصيرة لـ محمد على منصور محمد على منصور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تزينت وليتنى لم أتزين
 
تهيأت وليتنى لم أتهيئ
 
لم يكن من المفترض أن أذهب فهذا مخالف لقواعد مهنتى 
 
مهمتى فى الحياة أعرفها جيدا لست سوى غراب أسود ينوح لا حق له أن يغير لونه القاتم لا حق له فى معاشرة اليمام الأبيض حتى لو كان الغراب يحمل النور داخل لونه الأسود أو اليمام يحمل الشر فى قلبه، أو ليس من حق الفرد أن يغير جلده المعتاد أن يعيش يوما يفعل ما هو غير المعتاد.
 
أنا النواحة
 
عملى نواحة
 
صاحبة أقوى صوت عويل فى القرية جعلتنى أشهر نواحه فى القرية بل فى مصر أكملها لا أعرف تلك نعمة أم نقمة، لا يموت أحد حتى أطلب للعزاء وقد أطلب من بداية الجنازة ولكن هذا حساب آخر حتى ارتدى الطقم الأسود المكون من العباءة السوداء والطرحة السوداء بل والبرقع الأسود أيضا ويجب أن يكون (على سنجة عشرة)
 
نعم أنا غراب يجدد ريشه فقط لا ينزعه 
 
أبكى فقيد عائلة لم تشهده عينى 
 
لا يهمنى إن كان صالحا أم طالحا
 
لا أكترث أن أعرف إن كان يفعل الخير أم كان ساعيا للشر
 
أبكيه فقط أكثر ما قد تبكيه عائلته،  وكل هذا من أجل أن أعود البيت منهكة الصوت وأنفق ما أملك للأعشاب حتى يعود صوتى 
 
قد أحمل فوق كاهلى مهمة مأتم أو أكثر فى يوم واحد فعملى يجعلنى صديقة للموت حليف رزقى، أودى واجبى بالصدق فلا أترك الفقيد من بيته حتى قبره بدون أن أتوقف فذووه يسعدون بذلك فالبشر خلقوا ليتفاخروا، فى الفرح يتفاخرون، وفى المأتم يتفاخرون بأمثالى. 
 
وكنت دائما أخشى المقابر على الرغم أنها نبراث عملى وخاتمته وكان بعض المتحذلقين يجبروننى بالمال كى أذهب لها ليلا لكى أفرغ صوتى فتصدع جماجم الموتى أسفل قدمى  نعم أنا أخشى المقابر وألعن الموت  كلعنة ملاك تحول لشيطان. 
 
أنا أكره صوتى وأكره النواحة 
 
أنا فقط وريثة فاشلة لعرش النواح، حيث كانت أمى أشهر وأزعج من أنجبت الأرض كانت تشبهنى، كلانا كان صوته رقيق ومع امتهان النواحة التى أصابتنا بلعنتها صار صوتنا يشبه فحيح الأفعى مضروبا بعشرات الأضعاف. 
 
أحببت فى صغرى أن أتشبه بأمى، وكانت تنهرنى بشدة فأخبرها كيف تفعلين هذا بضمير مسترخى وتحرمينى إياه. 
 
كانت تصمت ولا تجيب 
وبعد رحيلها كنت صغيرة لم أفعل سوى إخراج أول صرخة مكتومة بجوفى  لم أعلم أحقا كنت أنوح أمى أم أطلق أول صيحات الفرح. 
 
لم يخالطنى سوى أمى بعد موتها كانت لأول مرة ترتدى اللون الأبيض، لون لم تعتده عينى فلأول مرة تترك أمى اللون الأسود حتى أيقنت أنه لون جسدها ومنذ ذلك الحين وأنا أمقت اللون الأبيض. 
 
أعلم أن لعشقى اللعين للنواحة صرت مصدر رعب واشمئزاز فى القرية، الأولاد يخشون النظر لى والنساء يبتعدن عن مصادقتى، صرت وحيدة، الغربان والنواحة لا يصادقان وليس لهم مكان فى الاجتماعيات. 
 
نفس البشر الذين يهرعون منى فى الطرقات هم أنفسهم من يقبلون نحوى عندما يفقدون أقرانهم، أعشق تلك العلاقة الممنهجة محددة الأغراض، أنا فى معسكر ضيق مفروض عليه الحصار ، سينفتح بابه عندما يحتاجونى فقط، ولكن كل هذا تغير عندما توجهت لمأتم بصدر القرية كان لشيخ الجامع. 
 
تلفحت بالسواد وتزينت بالدموع والبكاء كان الوحيد الذى لم يتأفف من مشاهدتى وكان أرحم أهل القرية، كنت أبكيه من قلبى قبل عينى وكان أصدق صرخة أخرجتها من جوفى فكان أبى الذى لم أشيعه.
 
 توجهت صوب البيت واسمعت القاصى والدانى صوتى، كان أحق أهل القرية بحزنى ولم أنتظر مالا كنت فقط أريد أن أودعه، ولكن على طريقتى الخاصة.
 
 وبمجرد أن وصلت وقف ابن الشيخ بلحيته المنبته يهرعنى بصوته، يطلب منى  الرحيل  وينعتنى بالكفر وأن نواحى على الموت يعذبه ويعذبنى عند الملك يوم البعث. 
 
وقفت أتوسله الدخول ولن يعلو صوتى 
 
لكن نهرنى بشتى الطرق حتى أسقطنى أرضا 
 
لماذا تفعل هذا يا ابن الأكرمين 
 
 - صوتك عورة وعملك عورة وأنت مجرد عورة تسير على الأرض لعنك الله يا أنكر الأصوات
 
- ما كان أبوك طاعنا ولا فاحشا
 
- لقد نصحكِ أبى بالتوقف عن الكفر وأنت قادمة عند موته لتمارس كفرك. 
 
- أنا جائعة لست كافرة والجوع أـلعن من الكفر 
 
 - ارحلى من هنا يا زنديقة  
 
- اجعلنى أودعه فقط
 
- أيها الناس لقد نهرت تلك الكافرة وطلبتها الرحيل ولم ترضخ فسامحونى فيما سأفعل. 
 
وأمسك الشيخ الصغير برأسى وصفعنى والجميع يشاهدون ولا يتحركون ساكنا والبعض الآخر سعيد بحمامة تصرع غرابا و"مرمغنى" فى الوحل وغادر محملا بأكليل النصر لولا الموقف لأطلقت إحدى النساء زغرودة انتصار.
 
أصوتى ونواحى معصية ونهرك وقسوة قلبك ليست معصية ياابن الشيخ. 
 
نفضت ما سقط على جناحى الأسود من تراب الأرض وطرت بعيدا. 
 
الحمام الأبيض أصبح أسود القلب أكثر من لون الغراب.  
 
واليوم يا أمى أقف أمام قبرك أخبرك ما أصابنى أريد أن أعلم كيف تكونين سعيدة وعملك هو نقل البؤس والهلع بقلوب من حولك 
 
أريد أن أحيا بجانبك كالموتى فلا فرق بينى وبينهم 
 
ألم أخبرك سابقا أنى أمقت النواحة بدخلى، الآن أخبرك أننى أعشقها فهى روحى التى لا أحيا بدونها الآن 
 
لن أهب المقابر أو الموت سأضحك ويعلو صوتى لو مات أحدهم الآن وسأطلب أجرا كبيرا 
 
فالبشر لا يخافون الموت هم فقط يخشون أن يفقدوا غرورهم الذى أمنحهم إياه 
 
سأنتظرهم أمام بيتى بلونى الأسود ولن أذهب لهم 
 
سأترك الحمام الأبيض يلهو ويلعب وهو يعتقد أن لونه ناصعا وعندما يبهت بموت أحدهم ويرتدون الأسود سأكون أنا
 
أفضلهم فأنا سيدة السواد والحزن 
 
انا سيدة الأسود 
 
أنا غراب أسود
 
أنا النوااحة 








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة