الزعيم والقديس.. عبد الناصر والبابا كيرلس جمعتهما الصداقة وحب الوطن.. تخلى كل منهما عن البروتوكول وتقابلا فى المنزل كصديقين.. الرئيس أهدى الأقباط كاتدرائية العباسية فودعه البابا برثاء لا ينساه التاريخ

الإثنين، 15 يناير 2018 09:00 م
الزعيم والقديس.. عبد الناصر والبابا كيرلس جمعتهما الصداقة وحب الوطن.. تخلى كل منهما عن البروتوكول وتقابلا فى المنزل كصديقين.. الرئيس أهدى الأقباط كاتدرائية العباسية فودعه البابا برثاء لا ينساه التاريخ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والبابا كيرلس السادس
كتبت سارة علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تحتفل الكنيسة باليوبيل الذهبى لكاتدرائية العباسية، هذا البناء الضخم الذى مر عليه خمسون عاما، ويحتضن بين جنباته التاريخ كما ترتفع فيه الأكف للصلاة.

خمسون عامًا مرت على بناء الكاتدرائية، التى كانت كتب التاريخ تلقبها بكاتدرائية عبد الناصر، حيث تبرع لبنائها سخيا ومرحبًا.

 

وكان الأنبا كيرلس السادس، رجلًا فريدًا يلقبه الأقباط برجل الصلاة، راهبًا يرتدى عباءته السوداء، ويطلق شاله فوق رأسه، دون أى بهرجة تليق ببابا الكنيسة الكبيرة، ولكنه ككل الزهاد كان لا يطلب من الدنيا شيئًا.

ويروى محمد حسنين هيكل فى كتابه «خريف الغضب» قطوفا من العلاقة بين الزعيم والبابا، قائلا: "كانت العلاقات بين جمال عبد الناصر وكيرلس السادس علاقات ممتازة، وكان بينهما إعجاب متبادل، وكان معروفا أن البطريرك يستطيع مقابلة عبدالناصر فى أى وقت يشاء، وكان كيرلس حريصا على تجنب المشاكل، وقد استفاد كثيرا من علاقته الخاصة بعبد الناصر فى حل مشاكل عديدة". 

أما الكاتدرائية، فقد كان مقدرًا لها أن تبنى فى هذا المكان، مهما عطلت إرادة البشر ذلك،، حيث كانت أرض الأنبا رويس بالعباسية مقرًا لمدافن الأقباط، وأرادت الدولة أن تستردها وتبنى فوقها مدرسة ثانوية، رغم أن الكنيسة بنت فوقها بالفعل كنيسة الأنبا رويس الأثرية التى مازالت قائمة حتى اليوم، إلا أن الراهب مكاريوس السريانى رأى مقاولًا بدأ فى وضع مواد بنائه فى الأرض.

تمنى البابا كيرلس أن يبنى كاتدرائية تليق باسم القديس مارمرقس حامل بشارة المسيحية إلى مصر.

وأوضح هيكل فى كتابه الشهير «خريف الغضب»: كانت هناك مشكلة أخرى واجهت البطريرك كيرلس السادس، فقد كان تواقا إلى بناء كاتدرائية جديدة تليق بمكانة الكنيسة القبطية، كان بناء كاتدرائية جديدة مشروعا محببا إلى قلب البطريرك، لكنه لم يكن يريد أن يلجأ إلى موارد من خارج مصر يبنى بها الكاتدرائية الجديدة، وفى نفس الوقت فإن موارد التبرعات المحتملة من داخل مصر كانت قليلة، لأن القرارات الاشتراكية أثرت على أغنياء الأقباط، كما أثرت على أغنياء المسلمين، ممن كانوا فى العادة قادرين على إعانة الكنيسة بتبرعاتهم، إلى جانب أن المهاجرين الأقباط الجدد لم يكونوا بعد فى موقف يسمح لهم بمد يد المساعدة السخية، ثم إن أوقاف الأديرة القبطية أثرت فيها قوانين إلغاء الأوقاف، وهكذا وجد البطريرك نفسه فى مأزق، ولم ير مناسبا أن يفاتح جمال عبدالناصر مباشرة فى مسألة بناء الكاتدرائية، فلقد تصور فى الموضوع أسبابا للحرج.

وأضاف هيكل فى كتابه: "وهكذا فقد تلقيت شخصيا دعوة من البطريرك لزيارته وذهبت فعلاً للقائه بصحبة الأنبا صموئيل الذى كان أسقفا بدار البطريركية، وفى هذا اللقاء حدثنى البطريرك عن المشكلة وأظهر تحرجه من مفاتحة جمال عبد الناصر مباشرة فى الأمر حتى لا يكون سببا فى إثارة أى حساسيات، ثم سألنى ما إذا كنت أستطيع مفاتحة الرئيس فى الموضوع دون حرج للبطريرك ولا حرج على الرئيس نفسه".

يواصل هيكل قصة بناء الكاتدرائية فى كتابه قائلا: "وعندما تحدثت مع الرئيس عبد الناصر فى هذا الموضوع كان تفهمه كاملاً، وكان يرى أهمية حقوق أقباط مصر فى التركيب الإنسانى والاجتماعى لشعبها الواحد، ثم إنه كان يدرك المركز الممتاز للكنيسة القبطية ودورها الأساسى فى التاريخ المصرى، ثم إنه كان واعيا بمحاولات الاستقطاب التى نشط لها مجلس الكنائس العالمى، وهكذا فإنه قرر على الفور أن تساهم الدولة بنصف مليون جنيه فى بناء الكاتدرائية الجديدة، نصفها يدفع نقدا ونصفها الآخر يقدم عينا بواسطة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام والتى يمكن أن يعهد إليها بعملية البناء".

وتابع هيكل: "وطلب الرئيس إبلاغ البطريرك بقراره، وكان الرجل شديد السعادة عندما قمت بإبلاغه إلى درجة أنه طلب إلى اثنين من الأساقفة أحدهما الأنبا صموئيل أن يقيما قداسا فى بيتى، وكان بالغ الرقة حين قال: إن بركات الرب تشمل الكل أقباطا ومسلمين".

أما الراهب أفامينا فيقص رواية أخرى عن تلك الكاتدرائية، ويؤكد أن أبناء عبد الناصر تبرعوا بمدخراتهم للأنبا كيرلس لبناء تلك الكاتدرائية، لأن الرئيس أراد أن يعلمهم ذلك، وقد تلقى البابا تلك التبرعات فى منزل الرئيس بسعادة بالغة.

وأضاف الراهب أفامينا، أنه فى حفل افتتاح الكاتدرائية، كان الرئيس عبد الناصر يشعر بآلام فى ساقه، ولاحظ البابا كيرلس ذلك، فمال على أذن الرئيس وسأله "لماذا لم تطلب منا أن نؤجل حفل الافتتاح؟"، ورد الرئيس جمال عبدالناصر: "لا أنا مسرور هكذا".

وحضر الرئيس جمال عبد الناصر حفل افتتاح الكاتدرائية، ودعا له إمبراطور الحبشة هيلاسيلاسى، حيث كان الرئيس يؤمن بأن امتداد الكنيسة المصرية فى أفريقيا وإشرافها على الكنيسة الإثيوبية يعزز من البعد الأفريقى لمصر الذى تحدث عنه عبد الناصر فى كتابه فلسفة الثورة.

وشارك إمبراطور إثيوبيا البابا والرئيس عبد الناصر فى إزاحة الستار عن اللوح التذكارى لبناء الكاتدرائية.

وذكر البابا شنودة الثالث مواقف عبد الناصر، قائلا: "لا ننسى أن الرئيس جمال عبد الناصر أعطى تصريحا لبناء الكاتدرائية الكبرى، وحضر حفل وضع الأساس فيها، ثم حضر حفل افتتاحها وألقى كلمة طيبة جدا وتبرع بمبلغ 100 ألف جنيه فى 1967، وكان المبلغ أيامها كبيرا، وكلف الرئيس عبدالناصر إحدى شركات القطاع العام بأن تقوم بعمليات بناء الكنيسة الكبرى".

وفى لقاء من اللقاءات العديدة التى تمت بين البابا والرئيس فى سنة 1959 قال البابا: «إنى بعون الرب سأعمل على تعليم أبنائى معرفة الرب وحب الوطن ومعنى الأخوة الحق، ليشب أبناء الوطن وحدة قوية لديها الإيمان بالرب والحب للوطن»، الأمر الذى لاقى إعجاب عبد الناصر الذى كان محبًا لوطنية البابا


 

يذكر التاريخ، أن البابا كيرلس أول من أمر الأقباط بمقاطعة زيارة القدس فور وقوع أراضيها فى قبضة الاحتلال الإسرائيلى عام 1967، وبعدها بثلاثة أعوام سيكون على البابا كيرلس أن يودع الرئيس الذى أحبه باكيًا فيقول: "إن النبأ الأليم هز مشاعرنا ومشاعر الناس فى الشرق والغرب بصورة لم يسبق لها مثيل، ونحن لا نصدق أن هذا الرجل الذى تجسدت فيه آمال المصريين وكل العرب يمكن أن يموت، إن جمال لم يمت ولن يموت، إنه صنع فى مدى عشرين سنة من تاريخنا ما لم يصنعه أحد من قبله فى قرون، وسيظل تاريخ مصر وتاريخ الأمة العربية إلى عشرات الأجيال مرتبطا باسم البطل المناضل الشجاع الذى أجبر الأعداء قبل الأصدقاء على أن يحترموه ويهابوه ويشهدوا بأنه الزعيم الذى لا يملك أن ينكر عليه عظمته وحكمته وبعد نظره وسماحته ومحبته وقوة إيمانه بمبادئ الحق والعدل والسلام".

وأضاف البابا كيرلس، فى كلمته عن وفاة ناصر، قائلا: "إن الأسى فى قلوبنا أعمق من كل كلام يقال، ولكن إيماننا بالخلود وإيماننا بالمبادئ السامية التى عاش جمال عبد الناصر من أجلها وبذل عنها دمه وأعصابه وحياته إلى آخر رمق فيها يملأ قلبنا بالرجاء، إننا نشيعه إلى عالم الخلود محفوظاً بالكرامة التى تليق باسمه العظيم وعزاء الأمة كلها ولأمة العرب بأسرها، بل عزاء للعالم فى رجل من أعظم الرجال الذين عرفتهم البشرية فى كل عصورها".

كانت كلمات رثاء البابا كيرلس فى وداع عبد الناصر، أكبر من كل ما صكه الناصريون من بعده من مدائح تتغنى بحبه، وأعمق من كل ما كتبه الدراويش الذين سحرهم الزعيم بتلك السيرة الممتدة والكاريزما الهائلة والتاريخ الذى لا يمل من تكرار سيرته، حتى إن الكنيسة أعادت نشر صورته مع البابا كيرلس حين أهداها الرئيس عبد الفتاح السيسى كاتدرائية جديدة، وكأن الحاضر امتداد لما تركه عبد الناصر بعطائه الهائل ورؤيته الثاقبة.


 

 


 

 


 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة