يوسف عامر

فُرقتنا أضاعت القدس

السبت، 13 يناير 2018 08:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"فرق تسد"..  شعار يطبقه أى محتل ليضمن بقاءه فى البلد الذى يحتله، واستيلاءه على ثروات ذلك البلد، دون أن يُقابل بأية مقاومة تُجبره على الرضوخ للحق، والجلاء عن الأرض المحتلة، وصفحات التاريخ شاهدة على إجادة المحتل - بمكر ودهاء شديدين - بث نعرات التفرقة والتناحر بين أبناء البلد المحتل، وشغلهم بخلافات وهمية، وقضايا فرعية، وأمور أخرى بعيدةً عن لم الشمل والوقوف صفًا واحدًا لإجلاء المحتلين.

 

والتاريخ يُنبئنا أن الغرب وأعداء الانسانية يعتمدون دائمًا فى تحقيق أغراضهم من الدول التى لهم فيها مطامع على آلية التفرقة بين أهلها؛ فالدول المستعمرة استقرت في بلدان ونهبت خيراتها معتمدةً على هذه الآلية، وعمدوا أن تبقى التفرقة والكراهية - حتى بعد إجلائهم من هذه البلاد - هي الروح السائدة بين أفراد البلد الواحد.

والدول المغرضة فرقت في حاضرنا الذي نحياه بين الدول العربية ليسهل السيطرة عليها، وتدميرها وتشتيت شعوبها ، وهو الأمر ذاته الذي عمد الكيان الصهيوني إلى فعله ؛ حيث زرع بذور التفرقة بين الشعب الفلسطيني، ولم ينته هذا الأمر ويعود الفلسطينين إلى وحدتهم كما كانوا إلا بعد نجاح جهود الدولة المصرية في إبرام المصالحة الفلسطينية .

الكيان الصهيوني المحتل، يسعى لإعادة الماضي، ويُعمد إلى زرع بذور التفرقة بين أبناء الوطن الواحد؛ آملًا أن تنجح مكيدته ويحقق حلمه غير المشروع في الإستيلاء على أرض فلسطين العربية، ويواصل محاولاته لتزييف الحقائق، ظنًا منه أن بإستطاعته إجبار العالم على الإعتراف بالقدس العربية عاصمة لما يسمى خطئًا « دولة » .

وإذا قلبنا صفحات تاريخنا القريب ؛ نجد أنه عقب توحد الدول العربية والإسلامية في حرب 1948 م - دون النظر إلى النتائج - أدركت العصابة الصهيونية أن بث روح التفرقة والتناحر، وإثارة الفوضى والقلاقل، وتأجيج نيران الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي بين العرب بعضهم البعض، هو السبيل الأوحد لاستقرارهم وإقامة دولتهم المزعومة على أرض فلسطين العربية.

إذًا؛ التفرقة وتأجيج نيران الصراع بين أبناء الأمة الواحدة، هما السلاح الذي يستخدمه المحتل الصهيوني ليواصل ممارسته القمعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، والعصابة الصهيونية إذ تدنس بجرائمها الأراضي المقدسة فهي تثق بأن أحدًا لن يردعها؛ لأنهم يعرفون أن العرب مشغولين بخلافات وقضايا وهمية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : كيف شُغل العرب بخلافات وقضايا فرعية عن القدس - قضيتهم الأهم ؟ الحقيقة أن المائة عام الماضية تُجيبنا على هذا السؤال ؛ فمنذ أن زُرعت في الجسد العربي «شوكة» غيبت عن أبناءه الوحدة والسكينة والسلام والعيش الآمن، تلك الشوكة هي الكيان الصهيوني المحتل الذي احتل بوعد مشؤوم - أعطاه من لا يملك لمن لا يستحق - أرض فلسطين العربية؛ منذ ذلك الحين ومنطقتنا العربية بل والعديد من دول العالم تشهد - على غير إرادة من الشعوب والحكومات - موجات من الهجمات الإرهابية الضارية، التي يسقط على إثرها الأبرياء، ويُروع الآمنين، وتعم جراءها الفوضى والدمار شتى أصقاع الأرض.

الإرهاب الذي ظهر فجأة وأتخذ من دول عربية مركزًا له ، إضافة إلى الحروب التي شهدتها - وما زالت – المنطقة ، والتي دُمرت على إثرها البنية التحتية ونهبت ثروات دولٍ مثل العراق وليبيا وسوريا واليمن ، ناهيك عما ذكرناه من بث روح التفرقة والتناحر وتأجيج نيران الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي داخل أكثرية الدول العربية ؛ جميعها مظاهر غريبة على مجتمعاتنا ولم نعرفها سوى بعد احتلال الصهاينة لأرض فلسطين العربية ، ولا أكون مبالغًا إذا قلت أنها مظاهر وممارسات إجرامية أُعد لها جيدًا لتضمن نتائجها نجاح المحتل الصهيوني في الوصول إلى ما يصبو إليه .

ويقينى أن هذه المظاهر الغريبة على مجتمعاتنا ؛ إنما هي خطط تدعمها جهات دولية لخلق نوع من الفوضى التي تصرف أنظار العالم عن الجرائم الإرهابية التي يرتكبها عناصر العصابة الصهيونية المحتلة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ويقيني أيضًا أننا العرب -  مع الأسف الشديد - حققنا للمحتل ما يريد، حين مضينا بإرادتنا في طريق الفُرقة والصراع غير عابئين بأننا جسد واحد ؛ إذا اشتكى منه عضو ولم تهرع باقي الأعضاء لنجدته أصاب المرض باقي الجسد.

نعم.. نحن العرب لم ننتبه للمكائد التى دُبرت لنا ، ومضينا بكامل إرادتنا نحو الزج بجسدنا العربي الواحد في أتون الفُرقة والصراع على اللاشئ ؛ فضاعت فلسطين في خضم هذه الصراعات، واكتفى بعضنا بالشجب والتنديد والبيانات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولكن هل يعني إحراق الجسد العربي بنيران الفُرقة أن فلسطين ضاعت إلى الأبد؟ بالتأكيد لا؛ فما نعانيه الآن إنما هو مرض عارض أصاب الأمة، ويقننا أنها ستتعافى منه قريبًا، وسيعود العرب كما كانوا أمة واحدة، وجسدًا واحدًا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء.

ولا سبيل لنا - نحن العرب - لإخماد نيران الفُرقة، والترغد في طيب عيش الوحدة، إلا العلم الذي يُضئ العقول، ويصحح فكرًا خاطئًا كان يُخيل لنا خلاله أن التناحر على أوهام طريقنا للتقدم؛ لا سبيل لنا إلا العلم لدحر الإرهاب الذي يعتمد في إستقطاب شبابنا على جهلهم بصحيح الدين؛ لا سبيل لنا إلا العلم الذي يعود بأمتنا إلى مجدها السابق، وقت أن كنا أصحاب حضارة يُشار إليها بالبنان.

الفُرقة أضاعت فلسطين، والوحدة والترفع عن الخلافات الوهمية التي زرعها الاحتلال بيننا سيعيدها إلينا، ويقننا الراسخ في قلب كل عربي أن القدس وكامل الأراضي الفلسطينية ستعود قريبًا؛ عربية - كما كانت وستظل وستبقى - بإذن الله.

·       نائب رئيس جامعة الأزهر لشئون التعليم والطلاب والمشرف العام على مركز الأزهر العالمي  للرصد والفتوى الإلكترونية والترجمة.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة