فى احتفالات العام الجديد: المصريون يكتبون نصهم المضيء بنور القلوب

الإثنين، 01 يناير 2018 12:05 م
فى احتفالات العام الجديد: المصريون يكتبون نصهم المضيء بنور القلوب احتفالات رأس السنة
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فيما بدت مصر كلها فى الليلة الماضية كتلة من الضوء تعبر عن ضياء فرحة قلوب المصريين باستقبال العام الميلادى الجديد فإن المصريين إنما يكتبون نصهم المضىء بنور القلوب والانتصار للحياة على الإيقاع البهيج لحشود البشر الذين يجددون المعنى الكبير لثقافة المكان والزمان عاما بعد عام.

هنا فى كل شبر من أرض الكنانة التى تفتح ذراعيها للجميع تجلت كل ألوان البهجة فى الساعات الفاصلة بين رحيل عام ومجيء عام جديد وهنا يتجلى معنى البهجة المصرية فى أيقونة صنعها التاريخ وحوارات الأزمنة بعفوية ودون تصنع أو تكلف وتتصافح إبداعات متعددة لتمنح المزيد من الحضور والزخم للمجازات الذهنية والأدوار الرمزية والرسالة الحضارية لوطن وشعب شيد أول دولة فى التاريخ الإنساني.

والخيوط الممتدة من الأضواء الملونة فى ميادين وساحات مصر وعلى امتداد محافظاتها ونيلها الخالد احتفالا بمولد عام 2018 إنما تترجم حقيقة راسخة عبر التاريخ الثقافى للإنسانية بصيغ وصور متعددة وإن اتفقت فى الجوهر والمعنى على أن المصريين شعب ينتصر للحياة ويهدى الإنسانية دوما ألوانا من عذوبة البهجة البريئة.

ومن اللافت والدال أن موجة البرد الأخيرة لم تحل دون تدفق المصريين فى ساعات الليل للشوارع والميادين احتفالا بمولد العام الجديد فى مدن مصر المضيئة بينما استقبلت ربوعها الأثرية والسياحية مثل الأقصر وأسوان وشرم الشيخ والغردقة ومرسى علم بكل الحفاوة السائحين القادمين من شتى بقاع العالم.

وذاكرة مناطق وأحياء قاهرية "كمناطق فوق العادة" على حد تعبير مانويل كاستلز عالم الاجتماع الثقافى والاتصال الجماهيرى هى ذاكرة احتفالية بامتياز وهى ذاكرة لها سطوتها المحببة فى المجال العام وتفاعلاته بقدر ما تحولت لعلامة متروبوليتانية لمدينة لها حضورها الكونى وعشاق حول العالم.

ولاريب أن احتفالات العام الجديد كعلامة دالة على ثقافة البهجة إنما تعبر ببساطة وبلاغة معا عن ثقافة المصريين المنتصرة للحياة والمحتفلة بها فى التعبيرات والإشارات والإيماءات ما بين مفردات اللغة وتبادل التحية وسلوكيات السماحة والتسامح وطقوس الترفيه وفضاءات الحميمية والفطرة الطيبة ولكأن الإنسانية كلها انخرطت واندمجت فى ساعات يرحل فيها عام ويولد عام جديد فى عمر الزمان.

وفيما يرتفع الدعاء لمصر من قلوب المصريين يتحول المكان الذى تحول فى مخيالهم الجمعى إلى شارة عز فوق خرائط المجد بينما يصنع كل شخص من الحشود الغفيرة التى تدفقت للشوارع والساحات "صورته الخاصة من متن وقائع تتحول لذكريات تصنع سيرة عشق للمكان".

وفى الليلة الماضية وفى الساعات الفاصلة بين عامين فى الزمان كان المكان يموج فرحا بشتى اللغات واللهجات واللكنات لبشر جاؤوا من كل مكان وتتألق عناقيد النور على إيقاع الأغانى والأمانى بينما يهتم الباحثون فى تخصصات ثقافية مختلفة من بينها التاريخ الاجتماعى والانثربولوجى وعلم الاجتماع الثقافى بتلك الاحتفاليات باعتبارها مادة للدراسة والإبحار المعرفى فى الهوية ووظائفها الاجتماعية والثقافية.

وواقع الحال أن الثقافة المصرية تتجلى فى صور متعددة بهذا السياق الاحتفالى الذى يظهر أيضا من المنظور الثقافى أن اللغة ليست كلمات فقط وإنما هى أيضا إيماءات وسلوكيات ورموز وطريقة إخراج على حد قول الباحثة آنا ماديوف فى معرض تناولها لهذه الحشود الاحتفالية المبهجة.

وإذا كانت احتفالات الليلة الماضية حدثا يلتحم ويتفاعل مع ثقافة وتقاليد المكان كما أنه "مناسبة زمانية للذاكرة الحية" فإن هذا الاهتمام والتدبر فى المعانى والإشارات يعيد للأذهان مغزى ما قاله الأديب النوبلى المصرى نجيب محفوظ "المكان الذى يعشقه الكاتب يكتب عنه".

فالمكان كما يقول نجيب محفوظ هو الزاوية "التى يلتقط منها الكاتب شيئا يتعلق بإحساسه الشخصي" وكثيرا ما يسترجع المبدع أثناء الكتابة فضاء المكان والناس والأشياء داخل ذاكرة مشدودة إلى صور ماضيات أو أجواء تلاشت".

وهنا حيث كتبت القاهرة نصها البهى احتفالا بمولد عام ميلادى جديد يسجل المصريون ببساطة وعفوية حقيقية انتصارهم على قوى الشر والظلام التى تريد احتجاز النور والأحلام.

ولئن توالت كتب فى الثقافة الغربية بمناسبة احتفالات العام الجديد وسط اهتمام لافت لكثير من هذه الكتب بحاجة الإنسان الغربى المعاصر للبهجة وتناول لتقنيات الأضواء المبهرة والألعاب النارية فى احتفالات بداية العام فألوان قوس قزح التى عانقت صفحة النيل أثناء الاحتفالات فى الساعات القليلة الماضية بإطلالة العام الجديد قد تعيد للأذهان قصة الضوء فى أصل الحياة ولعلها أيضا تثير تآملات فى العلاقة بين مفاهيم مثل النور والتنوير والأنوار والأضواء.

وإذا كان الفيلسوف الألمانى ايمانويل كانط الذى قضى فى عام 1804 قد لخص معنى التنوير "بالجرأة فى أعمال العقل" فيما يرى مفكرون أن "التنوير الكامل لن يتحقق دون مشاركة كل الشعوب فى بنية الثورة العلمية والتقنية" فإن التقنيات الضوئية تشكل الآن أحد سبل تحسين نوعية الحياة وعاملا لا غنى عنه فى الاتصالات عبر شبكة الإنترنت ودمج العوامل الثقافية والاقتصادية والاجتماعية فى المجتمع الانسانى المعولم.

ومن هنا تؤكد بعض الأصوات الثقافية فى الغرب على أن القرن ال21 هو قرن الضوئيات كما كان القرن ال20 قرن الإلكترونيات فيما بدا لافتا فى احتفالات العام الجديد بمصر ذلك الحضور المميز "لظاهرة السيلفي" حيث يحرص الكثيرون على توثيق تلك الساعات المبهجة بكاميرات الهواتف المحمولة.

وبهذه الاحتفالات البهية طوال الليلة الماضية يؤكد المصريون مجددا حضورهم المشرق فى ثقافة البهجة والاحتفالات الكونية مثل الاحتفال بمولد العام الميلادى الجديد وهو احتفال عابر للثقافات يجمع ما بين كل البشر سواء فى الغرب أو الشرق.

وإذ نقلت شاشات التلفزة احتفالات صينية ويابانية وكورية مبهرة بالعام الميلادى الجديد استخدمت فيها الألعاب النارية والأضواء والليزر فمن الكتب الجديدة التى صدرت بالإنجليزية حول احتفالات العام الجديد فى الثقافة الغربية : "أنشطة فى الهواء الطلق لإطلاق سراح الطفل الذى فى داخلك" لدافيد سكارف و"كيف تبقى حيا" لبير جريلز، فضلا عن كتب حول الألعاب النارية الملونة مثل كتاب "فن الألعاب النارية" لدانيل هيوم الذى أوغل فى البحث الثقافى التاريخى ليشمل كتابه معلومات طريفة وهامة حول احتفالات الألعاب النارية وتاريخ الإنسان والنار فى بلدان أفريقية مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية.

ومثل هذه الكتب تجد رواجا فى تلك الأيام التى انتهى فيها عام وولد عام جديد وبعضها يتضمن بالفعل رؤى ثقافية عميقة حول الدوافع الإنسانية للاحتفالات الجماعية فى الهواء الطلق، فضلا عن علاقة البشر بالطبيعة والضوء.

وفيما شهد أعلى برج فى العالم وهو "برج خليفة" فى دبى بدولة الإمارات العربية المتحدة عروضا ضوئية خلابة احتفالا باستقبال عام 2018 دون استخدام الألعاب النارية فإن فتنة الضوء تتراءى فى كل مكان وكل أوجه الحياة اليومية المعاصرة ما بين شاشات التلفزيون والسينما والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والألياف البصرية التى تحمل أطنان المعلومات وتشكل عاملا جوهريا فى التواصل بين البشر فى عالم اليوم.

ويبرز اسم العالم العربى ابن الهيثم فى علم الضوء واسمه بالكامل "أبو على الحسن بن الحسن بن الهيثم" وهو العالم الموسوعى الذى ولد بالبصرة عام 965 وقضى بالقاهرة عام 1040 وتعددت إسهاماته العلمية الرائدة فى مجالات البصريات والادرام البصرى وطب العيون والرياضيات والفيزياء والفلك والهندسة.

وابن الهيثم صاحب كتاب "المناظر" هو الذى أثبت علميا حقيقة أن الضوء يأتى من الأجسام إلى العين وليس العكس كما كان الاعتقاد السائد قبل هذا الإنجاز العلمى وإليه تنسب مباديء اختراع الكاميرا كما أن هذا العالم العربى الكبير أول من شرح العين تشريحا كاملا ووضح وظائف أعضائها فيما درس التأثيرات والعوامل النفسية للإبصار.

وكان فيلم "ألف اختراع واختراع وعالم ابن الهيثم" هو أخر الأفلام العالمية للفنان المصرى الراحل عمر الشريف فيما قام بتصوير مشاهده فى هذا الفيلم بلندن "إيمانا منه بالدور المهم الذى سيسهم به الفيلم فى تعريف الأطفال حول العالم بعلوم الضوء وآلية عمل العين والكاميرات وتخليدا لذكرى العالم ابن الهيثم".

وفى هذا الفيلم يؤدى عمر الشريف الذى قضى فى العاشر من يوليو عام 2015 دور الجد الذى يساعد حفيدته فى واجباتها المدرسية بمادة العلوم ويسرد لها قصة ابن الهيثم كرمز عربى للتنوير وعالم كبير احتفل به العالم هذا العام فى صدارة الاحتفالات بالعام الدولى للضوء فى العام ذاته الذى قضى فيه عمر الشريف.

وإذا كان الحديث عن الضوء فرصة للاحتفال بقوة جمال الخيال البشرى فإن اللوحات الضوئية وكتل الأضواء فى ربوع مصر المحروسة طوال الليلة الماضية توميء لقوة جمال الخيال المصرى وإمكانات العملية الإبداعية المصرية عام 2018.

وما بين الأنوار والتنوير والأضواء والضياء يحول المصريون حلمهم ببناء مصر المستقبل لواقع على الأرض الطيبة.. إنها مصر الضاحكة المضيئة بشعاع حب من ضياء قلوب المصريين .. وجهها المضيء يوميء للمستقبل وثمة قمر يومئ للمجد!.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة