"تعطيل العلاقات التجارية والمالية المتعارف عليها لأغراض سياسية وأمنية"، هذا هو المعنى المتعارف عليه للعقوبات الاقتصادية التى تفرضها دول أو كيانات إذا شعرت بتهديد وخطر، من دولة أخرى وهو ما حدث ضد كوريا الشمالية مؤخرا بعد تهديداتها المستمرة بقيام حرب نووية.
ولكن ما هى الدول التى يحق لها فرض عقوبات اقتصادية ؟ ، وما هى المؤسسات الدولية المخول لها فرض العقوبات؟ ، وهل العقوبات الاقتصادية المفروضة تطبق من دولة واحدة على دولة أخرى أم تقوم أكثر من دولة بتطبيقها معا ؟، وما هى الأضرار التى تلحق بالدول التى تقرر عليها العقوبة ؟.
بداية.. الدول الكبرى ذات الاقتصاديات القوية هى التى تفرض عقوبات على دول أخرى لأنها تتحكم بدورها فى التأثير على العديد من الأنظمة السياسية التى تربط معها بمصالح مشتركة ، وغالبا ما تقوم أمريكا بفرض تلك العقوبات ، وقام الاتحاد الأوروبى أيضا بفرض عقوبة على روسيا من قبل.
أما الجهات المخول لها فرض عقوبات اقتصادية أو سياسية فهى مجلس الأمن الذى يحتاج لموافقة أغلب الدول الأعضاء قبل إقرار العقوبة، والأمم المتحدة أيضا يحق لها فرض عقوبات وغالبا ما تشمل حظر السفر وتجميد الأصول المالية للدول المفروض عليها العقوبة.
ويتأثر اقتصاد الدول المفروض عليها العقوبة سلبا بالعقوبات المفروضة عليه ويتفاوت التأثير حسب طبيعة العقوبة، فتأثرت روسيا سلبا بالعقوبة المفروضة عليها من قبل الاتحاد الأوروبى بسبب هروب الاستثمار منها لبلاد وتراجع عائدات النفط ، ومنع التصدير كما تأثرت إيران بعد تجميد الأصول ومنع تحويل الأموال، أما كوريا فمُنعت من تصدير الفحم للصين ، وفيما يلى أبرز العقوبات الاقتصادية التى تم تطبيقها على الدول ونتائجها على اقتصادها
كوبا
فرضت أمريكا حظرا اقتصاديا على كوبا بدأ عام 1959 عقب الثورة الكوبية ، باعتبار إن كوبا دولة راعية للإرهاب ورغم إن إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، بدأت فى إعادة النظر على العلاقات وزار أوباما كوبا العام الماضى وتصافح مع رئيسها وبدأ تطبيع العلاقات ، كما أعلنت الإدارة وقتها رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على كوبا فى المجال المصرفى والسياحى وفتح الأبواب امام المواطنين الأمريكيين لزيارة كوبا.
ورغم توقعات أوباما قبل رحيله بقيام الرئيس الجديد برفع العقوبات نهائيا عن كوبا إلا أن ترامب أعاد فرض جزء من العقوبات ، وتعهد بعدم إلغاءها قبل الإفراج عن السجناء السياسيين وإجراء انتخابات حرة، كما أمر بتشديد منع سفر الأمريكيين إلى كوبا ، ومنع تدفق أموال إلى هناك.
روسيا
بدأت أولى عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا إبان عصر الاتحاد السوفيتى ، وتلا ذلك عقوبات عام 2012 ضد مسئولين روس اتهمتهم أمريكا بممارسة انتهاكات لحقوق الإنسان ، ثم تبع ذلك فرض عقوبات جديدة على ما يخص الاقتصاد الروسى إبان الأزمة الاوكرانية.
وفرض الاتحاد الاوروبى عقوبات على روسيا بسبب اتهامها بدعم الانفصاليين المتهمين بإسقاط الطائرة الماليزية، وعرض وقتها عقوبات تستهدف قطاعات كاملة بالاقتصاد الروسى إضافة إلى تجميد الأصول وحظر السفر.
كما تم فرض عقوبات أخرى تخص مشاريع روسية أوروبية، ووفقا لروسيا لم يتضرر اقتصادها بشكل كبير إذ رأت أن العقوبات المفروضة زادت من التنافسية على المشاريع داخلها.
ولكن واقعيا العقوبات أثرت سلبا على اقتصادها فوجدت الشركات والبنوك المدرجة فى قائمة العقوبات صعوبة فى الدخول للسوق إضافة إلى فرار رؤوس الأموال من البلاد، خوفا من الوضع الاقتصادى ما تسبب بتراجع فى إيرادات النفط والاستثمار وتأثر بدوره النمو الاقتصادى فى البلاد، وفرت منها أموال بحوالى 75 مليار وقتها.
وأثر هذا بالسلب أيضا على أوروبا التى يرتبط اقتصادها بروسيا بشكل كبير وبلغ إجمالي التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وروسيا نحو 270 مليار يورو في عام 2012، وهو أعلى بكثير من مستوى التبادل التجارى بين الولايات المتحدة وروسيا وفقا لبى بى سى العربية.
إيران
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على إيران مع احتجاز عدد من الرهائن إبان الثورة عام 1979 ، إلى جانب الحظر على الأصول الإيرانية والسفر ، إضافة إلى تجميد كل الاصول الإيرانية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية .
ووقفت امريكا تحويل الأموال من وإلى إيران واستهدف القانون الأمريكى عام 2010 وقف إمداد الوقود الإيرانى ونص على اتخاذ إجراءات ردع على المجموعات الأجنبية التى تستثمر فى قطاع النفط الإيرانى ، وتبنى قانون جديد للكونجرس الامريكى فرض عقوبات جديدة ضد إيران وشدد الرئيس الأمريكى ترامب العقوبات ضدها لاستمرار جهودها فى توسيع برنامجها الصاروخى .
وسبق ترامب فى هذا أوباما الذى فرض عقوبات على المؤسسات المالية، التى تتعامل مع البنك المركزى الإيرانى القناة الرئيسية لعوائد النفط وفر منها أموال بحوالى 75 مليار دولار وقتها.
كوريا الشمالية
تمارس كوريا الشمالية ضغطا على الولايات المتحدة الأمريكية ، منذ الخمسينات حيث دخلت حرب أهلية مع جارتها لجنوبية وفرضت أمريكا وقتها عقوبات عليها التى استمرت حتى الآن وارتكزت وقت وجود الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما على التضييق الاقتصادى ، وتلت تلك العقوبات تجارب كوريا الشمالية النووية ، ما أدى إلى حرمان البلاد من عائدات تقدر بمليارات الدولارات الناتجة عن التصدير وخاصة الفحم.
كما حظر مجلس الأمن عام 2006 بيع السلاح لها واستيراد المعدات التكنولوجية أو تصديرها ، وامتد ذلك ليشمل المعدات العسكرية والمعاملات المالية.
بل تم إجراء قائمة سوداء تخص الأشخاص أو الكيانات التى تهدف لدعم برنامج كوريا الشمالية، وحاولت أمريكا فرض أى حظر يساعد على تطوير البرنامج بفرض تفتيش منظم على الشحنات الصادرة والواردة منها ومنع تصدير الفحم والحديد ما لم يتبين أن عائداتها تخص تأمين الطعام لسكان كوريا الشمالية .
بل ومنعت من استيراد الوقود الخاص بالطائرات والصواريخ ، ومرر مجلس الامن بالإجماع مطلع الشهر الماضى مجموعة إجراءات جديدة ضد كوريا الشمالية لحظر الصادرات وفرض قيود على الاستثمار داخلها ، ونجحت الولايات المتحدة الامريكية فى منع الصين من استيراد الفحم منها .
ورغم الحصار الذى تحاول فرضه أمريكا وعدد من الدول الأوروبية والكيانات ضد كوريا الشمالية لوقف تجاربها النووية إلا أنها مستمرة ، حيث أطلقت فى أخر تجربة لها صاروخ باليستى فى اتجاه اليابان تسبب فى زلزال وقتها وأثر على الوضع الأقتصادى بدوره فتذبذبت بسببه أسعار العملة وتأثر الدولار ، وليس معروفا حتى الآن إذا كانت ستنجح هذه القيود فى التأثير على كوريا الشمالية ورئيسها أم لا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة