"الخياطة" مهنة تغذت قديما على بنات الأكابر بأسيوط.. والملابس الجاهزة قضت عليها

الأربعاء، 06 سبتمبر 2017 07:00 ص
"الخياطة" مهنة تغذت قديما على بنات الأكابر بأسيوط.. والملابس الجاهزة قضت عليها الخياطة
أسيوط – ضحا صالح

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"الخياطة" من المهن القديمة والتى عرفت منذ عصر القدماء المصريين وتطورت عبر العصور الزمنية بطرق مختلفة ومعدات مختلفة، إلا أنها باتت فى النهاية مصدر رزق لكل العاملين بها.

وانفتحت مهنة الخياطة حتى تحولت عبر التاريخ إلى مهن يمتهنها أكبر مصممى الأزياء بالعالم، وباتت الخياطة فى بيوت الأزياء واحدة من أولويات المرأة الباحثة عن الأناقة والذوق الرفيع وذلك لعدة أسباب كان أهمها أن موديلات الموضة الشهيرة كانت تخرج من بيوت الأزياء التى تعمل بالخياطة، والتى أصبحت فيما بعد علامة من العلامات التجارية والماركات، بالإضافة إلى أن تصميم الملابس فى الخياطة يعتمد بشكل كبير على الموضة ثم ذوق وأسلوب السيدة التى ترتديه.

وفى محافظة أسيوط لاقى اللبس والأزياء تطورا سريعا، بالإضافة إلى اختلاف الزى فى المدينة عن القرية، واختلاف الطبقات الاجتماعية والعائلات، ورغم بدء اندثار مهنة الخياطة كإحدى المهن الهامة، وتنوع خطوط الإنتاج للملابس الجاهزة التى قضت على مهنة الخياطة، إلا أنه لا تزال هناك طبقات بعينها ملبوساتهم الوحيدة من التفصيل.

والغريب فى الأمر أن ارتفاع سعر الدولار وبالتبعية ارتفاع أسعار الأقمشة أن كانت مستوردة أو ذات خامة مصرية اثر بالسلب على تلك المهنة فأصبح تكليف قطعة الملابس الواحدة فى التفصيل تتعدى الـ 500 جنيها فيما يصل سعر نفس الموديل الجاهز إلى 150 أو 200 جنيه، وهو ما دفع الأهالى للاستغناء عن الترزى والخياطة واللجوء إلى شراء الملابس الجاهزة، نظرا لسرعة الشراء وعدم انتظار الوقت فى التفصيل، وانخفاض سعر الملابس الجاهزة مقارنة بالتفصيل.

 

بنات العائلات لا يلبسن الملابس الجاهزة

نادية أبو سراج إحدى السيدات بأسيوط قالت: لم تعرف عائلات مدينة أسيوط الملابس الجاهزة وكان من العيب بل والعار فى حقبة الخمسينيات أن تقوم فتاة من بنات العائلات بشراء ملابس جاهزة، بل كانت هناك خياطة لكل عائلة وكلهن كن خياطات شهيرات يطلبن بالاسم وأغلبهن كن ذوات أصول أوروبية وكانت تأتى الخياطة إلى منزل العائلة ويكون فى الغالب به 4 أو 5 فتيات، بالإضافة إلى سيدات المنزل وتقوم الخياطة بأخذ المقاسات وتساعد الفتاة فى اختيار أرقى أنواع الأقمشة من أشهر المحلات حينذاك بالمحافظة، ويتم اختيار الموديل طبقا للموضة الموجودة فى هذا الوقت وكانت تأخذ الخياطة المقاسات للفتيات وتبدأ فى التفصيل وبعد الانتهاء من التفصيل تأتى إلى منزل العائلة بنفسها وتقيس كل فتاة فستانها وتبدى ملاحظاتها حتى ينتهى الأمر بموديل شيك وراق يليق بمن ترتديه، حتى فساتين الزفاف فلم نسمع قبل التسعينات عن ما يسمى بتأجير فساتين الزفاف فكان تفصيل فستان الزفاف له طقوس خاصة، فكانت أشهر الخياطات بأسيوط من تتولى أمر تجهيز الفستان وخياطته وإخراجه فى صورة لم يسبق لها مثيل، فكان يتم استيراد أقمشة فساتين الزفاف من أوروبا وكذلك الإكسسوارات الخاصة بالفستان والتى غالبا ما تكون لؤلؤ وأحجار كريمة وكانت فتيات القرى والمراكز أيضا يلجأن إلى الخياطة ولكن نسبة قليلة منهن أيضا مقارنة بفتيات وسيدات المدينة، كما أن الملابس فى القرى والمراكز له طقوسه الخاصة.

وأضافت نادية أبو سراج، أنه مع بداية التسعينات وحتى يومنا هذا بدأت مهنة الخياطة فى الاختفاء وأصبحت الخياطات قليلات جدا ولا يتمتعن بالذوق والرقى كما كان فى السابق وسيطرت الملابس الجاهزة ذات الذوق الشعبى العام والتى لوثت الإبصار فأرقى ما كانت تردى الفتيات هو الفستان والآن اصبحت لا تفرقة بين لباس الولد والفتاة.

 

تطور أسعار الخياطة من 50 قرش إلى 500 جنيه

وتقول عفاف سالم إحدى الخياطات بمحافظة أسيوط، إنها ورثت مهنة الخياطة عن أمها التى توارثتها عن جدتها، مضيفة أن مهنة الخياطة من المهن التى تطورت للأسوأ خلال الفترة السابقة فبعد أن كان موسم الأعياد والأفراح والمدارس من أكثر المواسم عملا أصبح الجاهز يغرق الأسواق فى هذه الفترة والأهالى يلجئون إليه لسرعة شراؤه وانخفاض السعر، فمتر القماش العادى وصل الآن إلى 80 جنيها ويتعدى تفصيل البدلة والفستان الـ 400 جنيه وهو ما تسبب فى عزوف الأهالى عن الخياطة، ولا يمكن للخياطات النزول عن سعر التفصيل فقديما كانت تتقاضى الخياطة 50 قرشا على تفصيل الفستان ووقتها كان مبلغا كبيرا بالنسبة لتلك الفترة الزمنية، وتطور ارتفاع سعر التفصيل مع ارتفاع الأسعار فالخياطة تستخدم خامات أخرى، بالإضافة للقماش الخاص بالزبونة كالخيط والزراير واستهلاك الكهرباء لماكينة الخياطة، والسرفلة وكل هذا الأمر ينتهى بتكلفة خياطة تصل إلى 500 جنيه، ولكن حتى الآن هناك عائلات لا زالت محافظة على أناقة ارتداء الملابس المفصلة والبعد عن الملابس الجاهزة باعتبارها ملابس شعبية حتى وإن كانت ماركات ولا تزال هناك أيضا فتيات من عائلات بعينها لا تلبس فستان الزفاف إلا تفصيلا وتتعدى تكلفته فى بعض الأحيان 10 آلاف جنية رغم أن ثمنه جاهزا لا يتعدى 3 آلاف جنيه.

 

إغراق السوق بالملابس الجاهزة قضى على مهنة الخياطة

وقال سمسم محروس ترزى، إنه بالفعل مع ارتفاع الأسعار وإغراق الأسواق بالملابس الجاهزة بدأت مهنة الخياطة فى الاختفاء إلى أن تختفى تدريجيا.

 وأضاف أن ارتفاع الأسعار كان من أهم الأسباب التى واجهت العاملين بالخياطة فارتفاع سعر الأقمشة بسبب تجار المينى فاتورة أثر بالسلب على نسبة الشراء وبالتالى لم يلجأ أحد إلى التفصيل لأن تكلفة التفصيل الآن أغلى من الملابس الجاهزة من وجهة نظر الأهالى، بالإضافة إلى الوقت والتأخير أحيانا، وهو ما اضطر الأهالى إلى النزول إلى الأسواق والمحلات وشراء الملابس الجاهزة.

وأوضح أنه يعمل ترزى حريمى منذ أكثر من 16 عاما ولا يجد أية صعوبة فى إخراج المنتج النهائى من التفصيل بنفس شكل الجاهز، إلا أنها فى النهاية أذواق، كما أن موديلات التفصيل عمرها أطول من الجاهز المرتبط بفترة موضة معينة.

وأكد سمسم، أن أكثر أوقات الخياطة رواجا وهى بداية موسم الدراسة والأعياد وفيما عادا ذلك ليس هناك إقبال من الأهالى على التفصيل، مطالبا أصحاب محلات الأقمشة بمحاولة تخفيض سعر الأقمشة حتى يعود سوق التفصيل للانتعاش مرة أخرى، مضيفا أن الخياطة مهنة يمتهنا العشرات وهى مصدر رزق وحيد لهم فأصبح الترزى لا يتقاضى إلا اجر تعديل الملابس الجاهزة كتضييقها أو توسعتها أو تقصيرها.

 

تبادل الاتهامات بين تجار الأقمشة والعاملين بالخياطة

وقال عادل متى صاحب محل أقمشة، إن الإقبال على شراء الأقمشة فى الوقت الحالى أصبح ضعيف جدا ليس فقط بسبب ارتفاع الأسعار ولكن بعد أن قام الترزى والخياطة برفع أسعار التفصيل وهو ما أدى إلى عزوف الكثيرات من الفتيات والسيدات عن التفصيل وتفضيل الملابس الجاهزة فدائما ما ترى السيدة أن ملابس التفصيل مكلفة ماديا ومكلفة فى الوقت وفى النهاية قد لا يخرج الموديل حسبما أرادت، إلا أن الملابس الجاهزة أغرقت السوق وأصبحت ترضى جميع الأذواق.

 وأضاف "متى"، أن التجار ليس باستطاعتهم أن يخفضوا من سعر الأقمشة فأغلب الأقمشة يتم استيرادها بمبالغ ويصعب على التاجر الخسارة، إلا أنه فى بعض الأحيان يلجأ الأهالى للتفصيل ويشترون الأقمشة مهما كان سعرها مثل موسم المدارس والأعياد ومواسم الزواج وفى النهاية يظل اللبس أن كان جاهز أو تفصيل طبقا للتنشئة الاجتماعية والحالة المزاجية للشخص بعيدا عن ارتفاع الأسعار فأحيانا تأتى عروس وتشترى قماش لفستان زفافها يصل إلى أكثر من 4 آلاف جنيه، ولكنها اعتادت على لبس التفصيل.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة