أكرم القصاص - علا الشافعي

من نجيب محفوظ إلى بابلو نيرودا.. تاريخ الاكتشافات الأدبية فى الثقافة

السبت، 30 سبتمبر 2017 12:23 م
من نجيب محفوظ إلى بابلو نيرودا.. تاريخ الاكتشافات الأدبية فى الثقافة نجيب محفوظ
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سواء فى الشرق أو الغرب تشكل "الاكتشافات الأدبية" حدثا مهما بقدر ما تثرى الحياة الثقافية وتحرك الساكن وتثير الجدل وأحيانا بعض المعارك الثقافية. 
وفى الغرب اهتمت الصحافة الثقافية بكتاب جديد صدر بعنوان :" نيرودا المفقود" لفورست جاندر وهو أكاديمى فى جامعة براون الأمريكية فيما يكشف الكتاب عن قصائد مجهولة لهذا الشاعر الذى وصفه الروائى النوبلى الكولومبى الراحل جابرييل ماركيز بأنه "احد اعظم شعراء العالم فى القرن العشرين وفى كل اللغات". 
وبابلو نيرودا ولد فى الثانى عشر من يوليو عام 1904 بلدة "بارال" وسط شيلى وقضى فى الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1973، وفاز بجائزة نوبل فى الآداب عام 1971 فيما تتوالى الكتب والكتابات عنه حتى راهن اللحظة ومن بينها كتاب "بابلو نيرودا:عشق الحياة" الذى صدر بالانجليزية للمؤلف آدم فينشتاين.
غير أن الكتاب الجديد الذى يحمل عنوان "نيرودا المفقود" يدخل فى باب الاكتشافات الأدبية بقدر مايكشف عن طرف من القصائد التى لم تنشر من قبل لبابلو نيرودا ويوضح فورست جاندر أن بعض هذه القصائد النيرودية المجهولة اكتشفت بين "دفاتر قديمة وبعضها كان مطويا بين ثنايا قوائم مأكولات".
ووصفت صحيفة "الجارديان" البريطانية كتاب "قصائد نيرودا المفقودة" بالحدث الأدبى الذى ينطوى على أهمية عالمية، و لفتت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الى ان القصائد الأولى فى الكتاب ترجع الى عام 1956 فيما لاحظت انه يحوى الكثير من قصائد الحب. 
والصدق شيمة صاحب "اهواك عندما تصمتين" و"الأرض فيك" و"صانع الفخار" و"الليل فوق الجزيرة" و"ايتها الجميلة" حيث انتمى نيرودا لهذا الطراز النادر من كبار الشعراء للانسان فى كل مكان. 
وعرف الكثير من عشاق الشعر فى العالم مجموعة القصائد التى ابدعها بابلو نيرودا بعنوان :"عشرون قصيدة حب وأغنية بائسة" ليكون احد اشهر من كتبوا الشعر باللغة الأسبانية على مدى التاريخ الانسانى. 
ونيرودا صاحب "الحب" و"السؤال" و"الأرض" و"الغصن المسروق" و"لو تنسيني" و"انشودة العرس" ذاع صيته فى البدء كصاحب احلى قصائد الغرام ثم تحول الى الشاعر المناضل الملتزم بالدفاع عن الكادحين فى الأرض وذاعت شهرة قصيدته نيرودا "اشياء بسيطة" عن الدماء التى سالت اثناء الحرب الأهلية الأسبانية فى ثلاثينيات القرن الماضى.
وسطور الكتاب الجديد تتوالى عن نيرودا الكريم والانسانى والمتفجر بحب الحياة والبشر والعاشق لدفء اللمة وحضن الجماعة وبالقدر ذاته فهو أحد أصحاب "سؤال الفن المتمرد على كل أمثلة أو أحكام مسبقة".
وإذا كان هذا الكتاب الجديد عن نيرودا يثير اهتمام الصحافة الثقافية الغربية، فإن الصحافة الثقافية العربية بدورها مهتمة "بالاكتشافات الأدبية" وقد تحمل بعض الكتابات لصحفيين من أصحاب الذائقة الثقافية المميزة مثل الكاتب الصحفى اللبنانى سمير عطا الله اكتشافات أدبية طريفة وهو ما حدث عندما روى وقائع تتعلق بالمنافسة التى اشتعلت بين دور النشر الأمريكية وغيرها للفوز بحقوق ترجمة وإصدار مؤلفات نجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1988 والدور الذى لعبته جاكلين كينيدى أرملة الرئيس الأمريكى الراحل جون كينيدى لحسم هذه المنافسة حول إبداعات كبير الروائيين العرب الذى قضى فى الثلاثين من أغسطس عام 2006.
وقال هذا الكاتب الصحفى الكبير فى جريدة "الشرق الأوسط" التى تصدر بالعربية من لندن إن مدير دار نشر "دبل داى" خطرت له خاطرة :"إن هذا الهرم لن تهتز مشاعره إلا اذا اتصلت به جاكلين كينيدى التى كانت تعمل حينئذ فى الدار.. واستجاب الهرم لمطلب أشهر أرملة فى العصر الحديث".
وفى الذكرى الحادية عشرة لرحيل الأديب النوبلى المصرى قدم الكاتب الصحفى محمد سلماوى، لجريدة الأهرام أول قصة نشرها نجيب محفوظ وكانت بعنوان :"السفينة البيضاء" ونشرت فى مجلة المدرسة الثانوية التى كان محفوظ طالبا بها. 
والقصة كما قال سلماوى الذى عرف بصلته الوثيقة مع كبير الروائيين العرب تؤكد أن نجيب محفوظ بدأ يكتب القصص قبل أن يتخرج فى المدرسة الثانوية فيما أشار إلى احتمال أن تكون "السفينة البيضاء" أول ماكتبت يده من القصص.
وعن "خلفيات هذا الكشف الأدبى المهم" قال محمد سلماوى: "من بين ما احتفظ به من أوراق أديبنا الأكبر نجيب محفوظ هذه القصة القصيرة التى تحمل عنوان: السفينة البيضاء وقد كتبها وهو فى الثامنة عشرة من عمره ونشرت فى مجلة مدرسة فؤاد الأول الثانوية عام 1929" وأضاف: "مازلت أذكر حين حدثت الأستاذ نجيب عن تلك القصة قال لى أنه لا يذكرها وطلب منى أن أقرأها له فقرأتها عليه وهو يستمع فى هدوء".
وتابع سلماوى قائلا: "وبعد أن انتهيت منها ابتسم، وقال لى إن تلك كانت محاولاته الأولى فى الكتابة الأدبية، ورغم أنه لم يتذكر القصة حتى بعد أن قرأتها له إلا أنه وصفها بتعبير مازلت اذكره، حيث قال لى إن تلك كانت آلام المخاض ووصف لى المشقة التى كان يتكبدها فى تلك السن المبكرة كى ينجز قصة واحدة كهذه رغم حجمها القصير وأدركت أن تلك الجهود التى يحدثنى عنها هى التى أفرزت فى النهاية الأديب العالمى الذى نعرفه اليوم".
والحقيقة أن مثل هذه الكتابات الأولى التى عادة لا يحرص الأدباء على الاحتفاظ بها أو على إعادة نشرها بل إن بعضهم قد يمزقها-كما يقول محمد سلماوى-إنما تكتسب أهمية تاريخية بالغة تفيد الباحث والدارس لإنتاج الأديب ولمصادر موهبته وكيفية تطورها عبر السنين. 
وفى أمسية أدبية شهدتها القاهرة مؤخرا لإعلان جوائز مسابقة تحمل اسم الشاعر الراحل محمد عفيفى مطر شعر بعض الحضور بالدهشة عندما قرأ الشاعر محمد عيد إبراهيم قصيدة بالعامية لمحمد عفيفى مطر بعنوان :" أم العيون القزاز".
ومبعث الدهشة أن أغلب قراء شعر الراحل محمد عفيفى مطر الذى قضى فى الثامن والعشرين من يونيو عام 2010 لا يعرفون أن له قصائد بالعامية وهو الذى كان من أقطاب الفصحى فيما بادرت جريدة الأهرام بالإعلان عن "اكتشاف" أربع قصائد عامية لهذا الشاعر المصرى الكبير.
ومن الواضح أن الأمر فيما يتعلق "بالاكتشافات الأدبية" يختلف إلى حد كبير عما تنطوى عليه بعض كتب السير الذاتية والمذكرات لبعض الساسة من كشف لوقائع كانت مجهولة وما يثيره ذلك من جدل خاصة على الصعيد السياسى "فالاكتشافات الأدبية تختلف عن القضايا السياسية وإن حدث نوع من التداخل فى بعض الأحيان".
وكان الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل الذى حلت فى الثالث والعشرين من شهر سبتمبر الحالى الذكرى الأولى ليوم ميلاده بعد رحيله فى السابع عشر من شهر فبراير 2016 قد كشف النقاب فى حديث متلفز عن احتفاظه بقصة أدبية كتبها الرئيس الراحل أنور السادات فى سنوات شبابه المبكر وأكد أن السادات حاول استعادة هذه القصة لكنه أصر على الاحتفاظ بها ضمن أوراقه ووثائقه.
وواقع الحال أن الرئيس الراحل أنور السادات كان من الساسة أصحاب الذائقة الأدبية وتضمنت "تركته الأدبية" قصتين قصيرتين؛ حيث نشرت مجلة المصور فى عام 1954 قصة قصيرة له بعنوان: "ليلة خسرها الشيطان" تدور وقائعها فى الريف وقبل ذلك كانت "مجلة الفن" نشرت له فى عام 1948 قصة قصيرة بعنوان "صوت الضمير". 
وإذا كانت القضايا السياسية محكومة بالجدل بين المعلقين والمحللين السياسيين فالاكتشافات الأدبية محكومة بدراسات وآراء النقاد وإن كانت لاتخلو بدورها من "اشتباكات أدبية ساحنة" مثلما حدث مؤخرا بشأن الإعلان عن اكتشاف رواية جديدة لعميد الأدب العربى طه حسين بعنوان "خطبة الشيخ".
فقد استنكر الناقد الكبير ووزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور ما ذهب إليه الكاتب الصحفى المتخصص فى الشأن الثقافى سيد محمود إلى أن هذه الرواية قد تكون كتبت قبل رواية "زينب" للدكتور محمد حسين هيكل التى نشرت فى عام 1914 واستقرت آراء النقاد على أنها "أول رواية عربية فى العصر الحديث" فيما وصف اكتشاف تلك الرواية المجهولة لطه حسين "بالحدث البارز عربيا وثقافيا". 
ورأى عصفور أن سيد محمود استند لمعلومات خاطئة وأن ما ذكره "لا يدخل فى أبواب الاكتشافات الأدبية" معيدا للأذهان أن الأكاديمى ومدير المركز القومى للترجمة الدكتور أنور مغيث كان أشار فى مقالة نشرت عام 2006 إلى ثلاث روايات نشرت فى صحيفة قديمة تحمل اسم "السفور" ومن بينها رواية "خطبة الشيخ" المنشورة فى عام 1916.
وكان الدكتور محمود الضبع، الرئيس السابق للهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية أعلن بدوره أثناء رئاسته لهذه الهيئة عن "اكتشاف رواية مجهولة للدكتور طه حسين بعنوان "خطبة الشيخ" أثناء إعادة تجميع أعداد من جريدة السفور" غير أنه ترك هذا المنصب بعد أيام قليلة من هذا الإعلان فيما كان الدكتور جابر عصفور تولى الإشراف على دار الكتب والوثائق القومية فى عام 1998. 
ويبدو أن هذه" المعركة الثقافية" حسمت بعد أن أصدرت الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية فى شهر سبتمبر الذى يوشك على الرحيل رواية "خطبة الشيخ" لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين بمقدمة للناقد الدكتور جابر عصفور وتصدير لوزير الثقافة حلمى النمنم.
وفيما تجنب التعرض بصورة مباشرة فى تقديمه للرواية لخلافه مع الكاتب سيد محمود بشأن "اكتشاف رواية خطبة الشيخ" أو أنها كانت "مجهولة" وصف الدكتور جابر عصفور هذه الرواية "بالملتبسة" موضحا أنه "يمكن أن نقرأها على أنها مكتملة ومكتفية بذاتها لتحقيق أهداف طه حسين من وراء كتابتها ويمكن أن نقرأها على أنها رواية غير مكتملة وما نشر منها هو مقدمة لما يتوقع أن تنتهى به الأحداث فى الرواية".
وفى كل الأحوال "ينبغى أن نفرح بهذه المحاولة الروائية الأولى لطه حسين" كما نوه الدكتور جابر عصفور مضيفا :"وهى محاولة ظلت مجهولة إلى أن تحقق حلمنا فى إعادة نشر جريدة السفور وهى الجريدة التى تحمل من الكنوز المجهولة فى أدبنا الحديث الكثير الذى يدفعنا إلى إعادة النظر فى هذا التاريخ كى يكون لدينا تصور أكثر دقة عن أحداثه وإبداعاته وأعلامه الذين لا يزالون مجهولين". 
ولاريب أن المثقفين يترقبون دوما جديد الاكتشافات الأدبية كبريق يضيىء الطريق ويعيد بناء الحقائق ويمنح للواقع نكهة جديدة.. اكتشافات تجلو حقائق وتضيف سطورا جديدة لرحلة الإنسان فى الزمان والمكان ورهانات الإبداع وجذور الذاكرة ! 
 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة