محمد عبد الصمد مهنا

حديث المرأة والميراث والزواج

الجمعة، 29 سبتمبر 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لقد أغرق الكثير منَّا أنفسهم فى تفصيلات قضايا الميراث وزواج المرأة المسلمة من غير المسلم، وغيرها من أحكام الأحوال الشخصية، وتبارى المؤيدون والمعارضون فى سلسلة من المناظرات والكتابات المتتالية، وغفلنا عن الحكمة من أحكام الأسرة فى الشريعة الإسلامية، وما هى الفلسفة التى يقف بها الغرب فى مواجهة هذه الحكمة ومحاربتها؛ بحيث لو وقفنا على هذه الحقائق أو بعضها ربما كان لنا موقفٌ آخر ذو رؤية أكثر عمقًا وتعقُّلًا.

وأول هذه الحقائق:أن الهيمنة الغربية لم تعد قاصرة -فى زمن العولمة- على جانب العلاقات الخارجية للدول، فى سياستها أو اقتصادها أو ثقافتها أو تعليمها أو إعلامها... إلخ؛ بل تسللت لتهيمن على كل مظاهر الحياة فى داخل هذه الدول، من خلال ضبط منظومة القوانين فيها وفقًا لمنظومة الاتفاقيات الدولية التى تهيمن عليها الثقافة الغربية بكل تجلياتها.

ثانيًا : لقد ظلت أحكام الأسرة أحد أهم مجالات النزاع حساسية وحِدَّةً وإثارةً بين الشرق بنزعته الدينية التراثية والغرب بنزعته المدنية الحداثية .

فبينما يعتبر الشرق هذه الأحكام أحوالًا شخصيَّة، هى كل ما تبقى له من شريعته السماوية، والتى لا زالت تحفظ له بعضًا من خصوصيته المفقودة، وجزءًا من هويته الممسوخة؛ يفرض الغرب هذه الأحكام باعتبارها أحد أهم حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف، والتى تعد الأساس الأول للشرعية الدولية، والمرجع النهائى للحضارة العالمية، وذلك فى محاولة لعولمتها على أرجاء المعمورة.

ثالثًا: يزداد الأمر تعقيدًا بتبنى الأمم المتحدة للنزعة الغربية التى تفرض نفسها على الحياة الدولية منذ ما أطلق عليه «عصر النهضة» فى أوروبا، إلى زماننا هذا الذى يطلق عليه «عصر العولمة»، الذى أريد فيه للبشرية أن تعيش فى ظل حقبة تاريخية تحدد فيها الحياةبفعل دورات كونية"global" تذوب فيها الحدود الجغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية للأمم والشعوب...إلخ، ليس فى بوتقة تفاعل حقيقيٍّبين حضارات متعددة ومتنوعة، وإنما فى قالب حضارى نمطى "Uniforme"  واحد، هو النمط الغربى :

1-  ويكفى الإشارة على سبيل المثال فقط إلى أن هذه الاتفاقات ترفض اعتبار «التكوين الحيوي» أي: الفوارق البيولوجية بين الرجل والمرأة أو الوظائف الطبيعية "الفسيولوجية" بينهما أساسًا للأعباء والوظائف والعلاقات الاجتماعية، وإنما تردها إلى أسباب اجتماعية وبيئية احتكرها الرجل عبر الزمن، فيما أطلقوا عليه «مجتمع الذكورة».

ومن ثَمَّ رفض اختلاف التكاليف والأعباء الحياتية، واختلاف التبعات والمسؤوليات الدنيوية لكل منها، واعتبار مفاهيم الزوج أو الزوجة أو القوامة أو الأمومة أو الأبوة... وغيرها، ليست إلا مفاهيم ناجمة عن الدافع الثقافى والاجتماعى السائد فى هذه المجتمعات، ونتاج تقاليد نمطية وأحكام مسبقة؛ ذلك أن تقسيم الجنس البشر ى فى زعمهم إلى رجل وامرأة، وتخصيص كل منهما بأدوار خاصة؛كالأمومة التى تختص بالتربية والحضانة، أو الأبوة التى تختص بالعمل من أجل تأمين المعيشة، هى أدوار نمطية يجب إلغاؤه ؛ من أجل تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة. الأمر الذى يمهد لتغير الشكل الطبيعى للأسرة، ليكون الرجل أمًّا، أو الأسرة مكونة من رجلين أو امرأتين، ومن هنا كان التركيز الشديد فى أدبيات الأمم المتحدة على ضرورة تغيير الأدوار النمطية للعلاقات بين الجنسين، بما يعنى فى نهاية الأمر هدم الأسرة وخلق مجتمع حاقد مجرد عن جميع جوانب العطف والحنان التى يكتسبها من الأمهات عن طريق الرضاعة أو الحضانة أو التربية.

2- ومن تلك القضايا : تشجيع العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج؛ باعتبار أن العلاقات الجنسية -فى وجهة النظر هذه- أشمل من الزواج؛ ولذلك حثت هذه الاتفاقيات الدولَ الموقعةَ عليها على إيجاد بنية اجتماعية اقتصادية تفضى إلى إزالة الترغيب فى الزواج المبكر، ورفع ولاية الآباء على الأبناء من خلال الاحتفاظ لهم بالخصوصية والسرية فيما يتعلق بما أسموه (الصحة الجنسية والتناسلية)، وحماية حق المراهقين والمراهقات فى تعاطى الجنس،... وإلخ.

3  -كذلك يدعو واضعو هذه الاتفاقيات إلى إبطال فرض الإسلام فى قسمة الميراث بين الذكر والأنثى، وذلك فى قوله تعالى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا } [النساء: 7]

تأمل {مفروضًا} هنا.

وقوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } [النساء: 11] معتقدين أنَّ فى ذلك تحقيقًا للمساواة بين الرجل والمرأة، وقد غفلوا عن قاعدة العدالة التى أقام عليها الإسلام تلك العلاقة، والتى تبين أن قاعدة التنصيف فى الإرث ليست مطردة، فإذا كان الذكر يأخذ مثل حظ الأنثيين فى أربع حالات، فهو يتساوى معها فى تسع حالات، وترث المرأة أكثر منه فى إحدى عشرة حالة، بل وتحجبه تمامًا -فهى ترث وهو لا يرث- فى أربع حالات، كذلك غفل هؤلاء عن أن المساواة عند اختلاف المراكز والشروط هى عين الظلم بقدر ما يكون عقد المسابقة بين أعرج ورياضى ظلمًا.

4  -ويندرج زواج المسلمة من غير المسلم ضمن النزاعات التى تقوم عليها مثل هذه الاتفاقيات من ادعاء المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة فى جميع المجالات؛ بما يؤدى إلى إلغاء القوامة، ومعارضة نصوص الشريعة الصريحة فى منع زواج المسلمة من غير المسلم؛ كدعوة الدول إلى سنِّ القوانين واتخاذ التدابير الخاصة بالتعجيل بالمساواة التامَّة بين الرجل والمرأة دون مراعاة للطبيعة الخاصة لكل منهما، وباتخاذ الخطوات اللازمة لتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التى تجعل من التميز عرفًا وتماديًا .

5  -ولم تكتف الاتفاقية بذلك بل فرضت نظم معينة لمراقبة الدول ومعرفة مدى التزامها ببنود الاتفاقية، وذلك عن طريق جواسيس من منظمات المجتمع المدنى تقوم بإرسال تقارير إلى الأمم المتحدة، التى تقوم بدورها بإلزام الدول بتنفيذ بنود الاتفاقية بحذافيرها.

رابعًا: لقد غفل هؤلاء عن أنه إذا كان الأصل فى المعاملات بين الناس فى الشريعة الإسلامية الفضائل، ولا نلجأ للأحكام -كما قال الإمام الشاطبي- إلا عندما تنعدم الفضائل بين الناس؛ فإن الأصل فى المعاملات فى إطار الأسرة هو الإيثار وليس فقط الفضل، {وَيُؤْثِرُون عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر: 9]

فكم من أبٍ شقى وتعب وتغرَّب وتعرَّى من أجل زوجته وولده، وكم من أمٍ سهرت وجاعت ومرضت وضعفت من أجل زوجها وولدها. فقلب أصول معاملات الأسرة من السكن والمودة والرحمة إلى التناحر والصراع والانتقام: قلب للفطرة الربانية التى فطر الله الناس عليها فى أصل خلقتهم، ويكفينا أن نقف قليلًا أمام هذه المعانى السامية فى قوله تعالى:{وَمِن آيَاتِه أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِن أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } [الروم: 21]

وتأمل:{من أنفسكم}.

نعم، قد ترى فى واقع الحياة الحديثة من العلاقات الزوجية ما يندى له الجبين، سواء من جانب الرجل أو من جانب المرأة على السواء، ولكن متى تُبنى الأحكام على الاستثناء؟؟!! ومتى كانت أحكام الأسرة متوقفة على انحرافات أشباه الرجال، أو نشوز أشباه النساء؟؟!!.

خــــامـــسًا:ثم إن الشريعة الإسلامية قانون مقدس ربانى منزل لإسعاد البشر إلى يوم الدين:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة: 3]

فالنظر إلى تلك الشريعة كالنظر إلى القوانين الوضعية، التى تلعب فيها أيدى التبديل والتعديل بحسب غلبة هذا الحزب أو ذاك، أو سيادة هذه الفلسفة أو تلك؛فإنما هو جهل بحقيقة الشريعة ومفهوم الأحكام:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِه ِثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْل ٌلَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } [البقرة: 79]

{فَلَا وَرَبِّكَ لَايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَر بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَايَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء: 65]

فالتشغيب على الناس، والضحك على عقول العوام والجماهير غير المدركة لمدارك العلم وأصول الأحكام وأدلتها ؛ ليس إلا إعمالًا لسياسات الفوضى الخلاقة، وإمعانًا فى هزيمة الأمة حضاريًّا أمام الأمم الأخرى، من قِبَل سماسرة العولمة ودهاقنة الاندماج ورواد الهزيمة الحضارية .

اللهم إنى قد بلغت، اللهم فاشهد .

عضو المكتب الفنى لشيخ الأزهر والمشرف العام على الرواق الأزهرى .







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة