توافد الملوك والرؤساء العرب إلى القاهرة، ابتداء من الساعة السادسة مساء يوم 21 سبتمبر 1970، وحسب محمود رياض، وزير خارجية مصر وقتئذ، فى مذكراته «البحث عن السلام والصراع فى الشرق الأوسط» عن «دار المستقبل العربى - القاهرة»: «وصل كل من الرئيس الليبى معمر القذافى، ثم الرئيس السورى نور الدين الأتاسى، والباهى أدغم رئيس وزراء تونس نيابة عن الرئيس الحبيب بورقيبة، ثم الرئيس السودانى جعفر نميرى، وفى اليوم التالى «22 سبتمبر» وصل كل من الأمير صباح السالم الصباح، أمير دولة الكويت، والرئيس اللبنانى شارل حلو، ورئيس اليمن الجنوبية سالم ربيع، والقاضى الإيرانى ممثلا عن اليمن الشمالية، والعاهل السعودى الملك فيصل، وبدأ عبدالناصر مشاوراته مع الملوك والرؤساء العرب حتى الساعات الأولى من الصباح وسط توتر بالغ بسبب تلاحق الأحداث فى الأردن».
كانت الاشتباكات تتواصل منذ 17 سبتمبر 1970 بين الجيش الأردنى وقوات منظمة التحرير الفلسطينية الموجودة فى الأردن، وحسب رياض: «كان الرئيس عبدالناصر قد توجه إلى مرسى مطروح لقضاء إجازة لمدة عشرة أيام بعد أن ألح عليه الأطباء بأن تكون الإجازة شهرًا كاملًا نظرًا لحالته الصحية، ولكن ما كاد يقضى يومه الأول حتى أدرك الأبعاد الخطيرة التى تتجه إليها الأزمة، وهكذا قطع إجازته على الفور مطالبًا بأن تبرق إليه السفارة المصرية فى الأردن بتطورات الموقف أولًا بأول».
تدهور الموقف بسرعة، وأرسل عبدالناصر، الفريق محمد أحمد صادق رئيس أركان الجيش المصرى إلى الأردن حاملا طلبا إلى الملك حسين لوقف القتال لكن مهمته فشلت، ويؤكد رياض، أن عبدالناصر أرسل برقية إلى حسين فى 19 سبتمبر يطالبه بوقف إطلاق النار، ورد عليه الملك فى اليوم التالى باستجابته، لكن القتال استمر، فأرسل عبدالناصر برقيتين جديدتين فى 20 سبتمبر، لكن الملك رد بأن الفلسطينيين لا يلتزمون، فدعا عبدالناصر إلى القمة العربية الطارئة»، وأسفرت مشاوراتها على إرسال وفدها للقاء حسين وياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ووفقًا لرياض: «سافر الوفد بعد اتصال أجراه عبدالناصر بحسين يوم 22 سبتمبر، وكان هذا الوفد، برئاسة النميرى وعضوية الباهى أدغم، والشيخ سعد العبدالله السالم، والفريق صادق».
اجتمع وفد القمة مع حسين يوم 23 سبتمبر «مثل هذا اليوم» عام 1970، وتعذر الاجتماع مع عرفات، لكن تم الاجتماع بعدد من قادة منظمة التحرير وهم، صلاح خلف «أبوإياد»، فاروق قدومى «أبواللطف»، إبراهيم بكر، بهجت أبوغريبة، والعقيد سمير الخطيب، وتم إحضارهم من السجن حيث كانوا تحت الأسر لدى الجيش الأردنى، ويعطى أبوإياد تفاصيل درامية عن هذا الاجتماع فى مذكراته «فلسطينى بلا هوية»، مشيرا إلى أنه تم دعوتهم إلى قصر الحمر، حيث ينتظر الملك حسين والوفد العربى» وبعيد وصولنا على مدخل المقر الملكى، جاء حسين ليرحب بنا، وعانقنى بحرارة وقال لى بلهجة اللائم: أنت راض عن المأساة التى نعيشها؟ وأجبته يا صاحب الجلالة: لقد فعلنا كل ما فى وسعنا لتلافى هذه الكارثة، وأنتم لا تجهلون ذلك، لكن أتعرفون ما تفعله قواتكم؟ وهل تعلمون أنها تقوم بذبح الأهالى، وأن رجالكم يعذبون الشباب الوطنيين فى معسكر داخل القصر».
أكد حسين أنه سيفتح تحقيقا حول هذا الموضوع، ودارت المحادثات حول وسائل الاتصال بعرفات لفرض وقف إطلاق النار بأسرع ما يمكن، ويذكر أبوإياد: «كان الجو متوترا، وانسحبت مع بعض أفراد البطانة الملكية إلى الطابق الأرضى من القصر، بينما كنت أتحدث مع رئيس الوزراء السابق أحمد طوقان، طلبت بعض الماء لأشرب، فرمانى مرافق عسكرى شاب كان يقف إلى جانبنا بعبارة شتيمة، مضيفًا أنه يفضل أن يرانى»أموت عطشا»، وأبلغ طوقان الحادث إلى الملك، الذى ما لبث أن جاء بعد دقائق وفى يده كوب ماء، غير أننا لم نكن نملك إلا الأعداء فى المحيط الملكى»
قرر الوفد أن يعود فى المساء إلى القاهرة، ويؤكد أبوإياد: «وافق حسين على أن يطلق سراح صحابتى الثلاثة، ولكنه أصر على الاحتفاظ بى فى عمان حيث يمكن أن أكون وفق ما قال أكثر فائدة، إلا أنه اضطر أن يرضخ للفريق صادق، الذى كررها أمامه بحزم بأن عبدالناصر أعطاه الأمر بألا يغادر عمان إلا برفقتى».
وغادر الوفد العربى عمان ومعه أبو إياد وأصحابه، واستمرت الأحداث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة