لم يعرف أبناء النوبة عنواناً للبطالة قط، ولكنهم استطاعوا بأفكار بسيطة أن يغيروا واجهة السياحة الأجنبية الوافدة إلى محافظة أسوان، فالسائح الذى كان يتجول داخل المعابد الأثرية والمتاحف السياحية، أصبح الآن يسأل عن بلاد النوبة ليقضى وقتاً بين أحضان الطبيعة والوجوه السمراء الطيبة.
"اليوم السابع" انتقل إلى قرية غرب سهيل بمحافظة أسوان، للتعرف على قصة هذه القرية التى قهرت البطالة وأصبحت محطة للسائحين الأجانب والمصريين الذين يزورون محافظة أسوان، من خلال أفكار بسيطة وبيئة طبيعية وعادات نوبية.
الحاج نور بوده، من القيادات الشعبية بالقرية، بدأ الحديث عن القرية قائلاً: غرب سهيل هى إحدى القرى النوبية، التى استطاعت منذ 20 عاماً مضت عقب إنشاء متحف النوبة، فى تطبيق برنامجاً للسياحة البيئية، لجذب السياحة الأجنبية إليها، ويأتى معظم هؤلاء السائحين إلى القرية عبر المراكب النيلية فى جولة ممتعة قبل الوصول إلى القرية، ويقضون وقتا ممتعا على الطريقة النوبية تحت قباب بيوت مازالت تحافظ على أصالة ناسها وتراثها.
وأضاف "بوده"، أن القرية تقع فى الضفة الغربية للنيل إلى الشمال من خزان أسوان فى مواجهة جزيرة سهيل ونجوع الكرور والمحطة، وعلى بعد 15 كم من أسوان، وهى من القرى التى لم يطلها التهجير لأنها تقع شمال السد العالى وهى مذكورة فى كتاب خرائط الحملة الفرنسية باسم "خور وادى كوكى" وأما كانت أصغر من حجمها الحالى، وكانت عبارة عن مسجد وعدة بيوت نوبية، وكان يعمل أهل هذه القرية بمهنة الصيد والتجارة من القاهرة إلى السودان.
وأوضح الحاج نور، بأن اسم القرية الحالى غرب سهيل فلأنها تقع غرب جزيرة سهيل تلك الجزيرة المقدسة التى يعبد فيها الإله خنوم أو الإله الكبش والذى كان يعتقد انه خالق وان منابع النيل تبدأ من هنا ومما يذكره المؤرخون عن هذه الجزيرة انه فى عهد الملك زوسر حدثت مجاعة لمدة سبع سنوات ونصحه الكاهن والمهندس ايمحوتب بانى بانى هرنه المدرج بان يقدم القرابين لخنوم ولما تقدم بالقرابين فاض النهر.
وأشار إلى أن عدد سكان القرية نحو عشرة آلاف و750 نسمة، حوالى 90 % منهم من النوبيين و10% من محافظات الصعيد ممن قدموا أثناء بناء السد العالى ومن قبله خزان أسوان، والغريب فى السكان الصعايدة أنهم تطبعوا بطباع النوبة واخذوا عاداتها وتقاليدها ويتكلمون مثلهم بل ويقدمون بعمل أفراحهم بنفس الطريقة وينطبق الأمر على كل عادات المناسبات المختلفة والأغلبية النوبية سعيدة بهذا الأمر.
"أحمد شامبو" من الأهالى، تابع الحديث عن قرية غرب سهيل قائلاً "عندما تسير فى شوارعها تشعر أن الزمن عاد بك إلى أيام النوبة القديمة التى قرأنا عنها فى الأدب النوبى تفسر الشمس والنيل والصبية السمر على الشاطئ المنحدر ونفس البيوت المعلقة على المدرجات الجبلية المنحدرة والبيوت معظمها على حاله بفنائه الداخلى وزخارفه الخارجية والمرأة النوبية لا تكف عن تنظيف بيتها وما حوله فى ظاهرة ملفته للنظر نادرا ما نجدها بهذا الدأب فى مكان آخر وأمام معظم البيوت تلك المصاطب المليئة بالرمال التى يحرصون على تنظيفها وغربلتها بحيث تبدو الرمال طازجة على الدوام.
وعلق "شامبو"، قائلاً "ما يبعث على السعادة هو حالة الرواج السياحى والتى يحرص عدد كبير من السائحين على زيارة القرية، وغالبا ما يأتون عن طريق النيل فى مراكب شراعية ويرسون عند سفح رملى يسمى بربر ثم ينتقلون بالجمال الى داخل القرية والتى تحولت بعض بيوتها الى استقبال السياح ليعيشوا الحياة النوبية ويقومون بشراء المنتجات اليدوية وتقوم النساء بعمل الحناء".
وأكد أن للنوبة تراث عريق فى المشغولات اليدوية وقد تم الحفاظ على معظمه وليس كله، مضيفاً أن ما يدهشك هذا التراث باكتشاف مساحات منه وهو يشبه أهل النوبة البسطاء الطيبين الحاملين مع ذلك أصالة وعراقة بلا حدود الذوق الرفيع عنوان لهذا التراث دون اصطناع صحيح أن بعض المنتجات قد بدأت تتحول وتأخذ طابعا سياحيا لكن الكثير منها مازال على أصالة الصنعة والخدمات القديمة.
"العم ناصر" أحد الأهالى، تابع الحديث أيضاً عن غرب سهيل قائلاً: كل ما يتعلق بتراث النوبة القديمة ستجده فى غرب سهيل، بدءاً من التماسيح الموجودة فى بعض البيوت ويحب السياح مشاهدتها وطبعا معظمها من الحجم الصغير والمتوسط وحتى طعام النوبى ومرورا بمشغولات الخوص المميزة والمختلفة عن أى سعف آخر فى أى مكان وتتميز بألوانها ونقوشها وخوص الدوم وأعواد القمح كذلك نجد مشغولات الخرز والطواقى والملابس النوبية التقليدية "كالجرجار" وهو عبارة عن جلابية خفيفة سوداء من قماش مخرم به كسرات عديدة يتم ارتدائها فوق جلابية ملونة، مشيراً إلى أن القرية تنتشر فيها البازارات التى تبيع هذه المنتجات ولكن تلاحظ ظاهرة غريبة وهى انتشار التراث الإفريقى كالأقنعة والتماثيل ويتم استيرادها من بعض الدول الإفريقية وخصوصا مالى.
وأشار "ناصر" إلى أن البيوت النوبية حالة من الجمال المريح ويعتمد معماره على الأقبية والأحواش السماوية المفتوحة ويبنى بالطوب الآجر وهو ملتقى الناس فى الصيف ويعمل على الأقبية لذلك فهو بيت صحى، تسطع داخله أشعة الشمس ويدخله الهواء أما نسبة المحافظة على البيت النوبى فى القرية فيبلغ نحو 60% والأمر يحتاج إلى توعية بأهمية الحفاظ على البيوت النوبية خصوصا أنها تدر دخلا والبعض يقوم بشراء شقق فى أسوان ويحافظ على البيت النوبى للاستغلال السياحى.
وناشد أهالى النوبة فى قرية غرب سهيل، المسئولين عن السياحة بالاهتمام بالقطاع السياحى وتشجيع الصناعات اليدوية الصغيرة التى رغم بساطتها إلى أنها تلفت انتباه السائحين وتحثهم على زيارة المكان أكثر من مرة، وتدير دخلاً للدولة أيضاً.
قرية غرب سهيل
الطبيعة تظهر فى الطريق إلى القرية
البيوت النوبية
بيت نوبى
الطبيعة على نهر النيل فى المنطقة
طبيعة الخضرة على النيل
شرفات منزلية
مطاعم على النيل
مراسى القرية
الرحلات النيلية إلى القرية
الرحلات النيلية إلى القرية
المازارات السياحية بالقرية
مطعم داخل أحد فنادق القرية
الزوار يستمتعون بالرحلات إلى القرية
الأجانب يستمتعون داخل القرية
تربية التماسيح
مشغولات يدوية
تربية التماسيح
مشغولات يدوية
رسم الحناء
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة