مثل كل القضايا التى يشتعل الجدل حولها وسرعان ما ننساها حتى تصدمنا حادثة أو قضية أخرى مشابهة ، انطفأ الغضب المشتعل بسبب التسجيل الصوتى المنسوب للدكتور ياسين لاشين الأستاذ بكلية الإعلام على مواقع التواصل الاجتماعى.
اشتعل الغضب وثار الجدل وتحدثت وسائل الإعلام بكل أنواعها عن التسجيل الجنسى المنسوب للأستاذ الجامعى، والذى يظهر فيه صوت يبتز سيدة لم يكشف التسجيل عن هويتها ، ويجبرها على توقيع اعتراف بأنها ابتزت الاستاذ الجامعى وراودته عن نفسها وأنه رفض ذلك وكان يساعدها وأطفالها بالمال والملابس والطعام ، وينتهى التسجيل بصرخة مروعة من السيدة، بينما يهددها الطرف الآخر بالقتل ويجبرها على خلع ملابسها ليصورها عارية مستخدما ألفاظا بذيئة.
قامت الدنيا ولم تقعد لأيام وانتفضت الجامعة وكلية الإعلام، لتعلن أن الأستاذ الجامعى لا يمثل الكلية ،وتنفى أن الفتاة صاحبة التسجيل طالبة بالكلية ، وأكد رئيس الجامعة إحالة الأستاذ الجامعى للنيابة العامة ، وتبين أن الدكتور ياسين لاشين كان محالا للتحقيق منذ أبريل الماضى بسبب شكاوى متكررة من طلاب الكلية يتهمونه فيها بابتزازهم ماديا وإجبارهم على شراء هدايا مقابل نجاحهم فى مادته.
ظهر الأستاذ الجامعى قبل فضيحة التسجيل الجنسى المنسوب له بعدة أشهر على الفضائيات ليدافع عن نفسه تهمة أكدها معظم طلاب الكلية فى مهزلة نقاشية لا تليق بأستاذ جامعى ، ووقف الطلاب فى وجه الأستاذ ليؤكدوا أنه بناء على طلبه جمعوا أموالا لشراء هدايا له مقابل أن يحذف أجزاء من المنهج وأن يضمنوا نجاحهم فى مادته، وأكدوا أن أستاذهم تسلم الهدايا داخل الحرم الجامعى وفى قاعة المحاضرات أمام جميع الطلاب ، وأنه مشهور بين الدفعات المختلفة وعلى مدى سنوات بتلقى هدايا مقابل نجاح الطلاب فى مادته ، فيما أكد الدكتور ياسين لاشين أن هؤلاء الطلاب مدفوعون ضده لأسباب سياسية وأنه معارض سياسى تتآمر ضده بعض الجهات وتحاول تشويه سمعته حتى أنه يتوقع إطلاق الرصاص عليه فى أى وقت.
مشاكل عديدة سبق وأن أثيرت حول لاشين، وشكاوى عديدة تلقتها الكلية ضده، حتى أنه أكد أن عميدة الكلية اتخذت قرارا بنجاح 8 طلاب تقدموا بشكاوى ضده مؤكدين أنه تعمد رسوبهم فى مادته، ورغم خطورة الاتهامات لم يتم إعلان نتيجة التحقيقات مع الدكتور ياسين لاشين ، حتى فوجئ الجميع بفضيحة التسجيل المسرب.
مهازل كثيرة وذنوب شارك الكثيرون فيها وكشفتها واقعة التسجيل الجنسى المنسوب للأستاذ الجامعى، الذى أعلن فى حوار صحفى منذ أيام أنه تاب وسيعتزل العمل العام ليقيم فى مزرعته حتى يتوفاه الله ، وهو الحوار الذى حوى الكثير من الاتهامات والسب والقذف للدكتورة جيهان يسرى عميدة كلية الإعلام، مؤكدا أنه قريبا سيفضح المسكوت عنه ، قائلا :"الدكتورة جيهان يسري أمامها شهر، وتترك منصبها، وسوف يأتي مكانها من هو "أنظف منها ألف مرة"."!!!
ورغم حجم الصدمة والضجيج الذى سببهما هذا التسجيل ، إلا أنه حتى الأن لم يثبت تورط أو براءة الدكتور ياسين لاشين من هذه القضية ، ولا زال حرا طليقا، بل أكد محاميه محمد حمودة إن من سجل وسرب التسجيل الصوتى مهدد بالحبس بموجب القانون بتهمة انتهاك حرمة الأخرين وهى جنحة مشددة عقوبتها السجن 5 سنوات مؤكدا أن التسجيل غير قانونى ولا يعتد به ، فيما قال لاشين إن التسجيل مفبرك وتم دون إذن نيابة.
وبصرف النظر عن ثبوت التهمة على ياسين لاشين من عدمه فإن هذه الواقعة تكشف عن العديد من المهازل التى نعيشها والجرائم التى نتشارك فى ارتكابها ويقع ضحيتها ضعفاء لا حيلة لهم، وتؤكد أنه حتى وإن انتهت هذه القضية إلى لا شئ أو طلعت "فشنك" ، فإننا بانتظار عشرات القضايا المشابهة التى ستشتعل ثم تنتهى إلى نفس النتيجة ، وأن هناك المئات من قضايا الابتزاز الجنسى ترتكب فى الخفاء ضحاياها لا يستطيعون الصراخ أو النطق بما يتعرضون له بسبب نفس الظروف والملابسات.
تكشف واقعة التسجيل الجنسى عورات يشترك فيها الكثيرون و جرائم نرتكبها دون أن نشعر وضحايا نقتلهم دون أن ندرى، وتتلخص هذه العورات فى النقاط التالية:
• كشفت الواقعة أن الطلاب ظلوا لسنوات يشكون من أن الدكتور ياسين لاشين يبتزهم ماديا، وخرجت هذه الشكاوى من نطاق الكلية والجامعة إلى وسائل الإعلام، ورغم ذلك لم يكن للجامعة أو لكلية الإعلام موقف حاسم من هذه القضايا، سواء بتبرئة الاستاذ الجامعى أو إدانته، حيث لم يتم الإعلان عن نتيجة التحقيق معه رغم الضجة التى أثارتها هذه القضية منذ إبريل الماضى والتى قد ترتبط بشكل ما بالتسجيل الجنسى المسرب والمنسوب للاشين، وهو ما يؤكد تقصير الجامعة والكلية فى حسم مثل هذه القضايا وردع المخطئين فيها.
• من يستمع إلى التسجيل الصوتى يمكنه أن يلاحظ حرص من سربه على عدم ظهور اسم الضحية أو أى معلومات تشير إلى هويتها، رغم أن التسجيل يوضح إجبار الفتاة على كتابة إقرار باسمها.
• لم تظهر الفتاة الضحية حتى الآن، وهو ما يعنى أنه لن تكون هناك قضية وسينتهى الضجيج إلى لا شئ، وقد يلومها البعض، أو يطالبونها بالظهور بدعوى أن القانون سيحميها وأنه يمكنها أن تحصل على حقها من الأستاذ الجامعى، ولكن بالتأكيد فهذه الضحية توقن أنه بظهورها ستتعرض للمزيد من الفضائح هى وأسرتها وأطفالها، فمن يضمن حقوق الضحايا وهل تلتزم وسائل الإعلام المختلفة بالأخلاقيات التى تحميهم وتحافظ على سريتهم وخصوصيتهم؟!.. بالطبع لا، ففى واقعنا الذى انهارت فيه الكثير من المعايير المهنية سيعتبر الكثيرون الإعلان عن اسم الضحية وعرض صورها سبقا صحفيا وانتصارا مهنيا رغم كونه تشهيرا وجريمة أخلاقية ومهنية، أكثر قسوة وبشاعة من ابتزازها جنسيا ، فكثيرا ما تقتل الصحف وشاشات الفضائيات الضحايا وتنتهكهم أكثر من انتهاكات المتهمون، وهو ما يدفع الكثير من الضحايا إلى الاختباء وعدم الظهور لأننا لا نحترم حقوقهم وماتبقى من كرامتهم.
• حملت تصريحات محمد حمودة محامى الدكتور ياسين لاشين تهديدا وإرهابا لمن سجل وسرب التسجيل الصوتى ، وقد تكون سببا فى عدم ظهور الفتاة خوفا من أن تصبح متهمة، وكشفت هذه التصريحات عن قصور شديد بالقوانين يتحول معه الضحايا إلى متهمين ، وتجعل الفتاة عاجزة عن إثبات أى ابتزاز جنسى تتعرض له، حيث أكد المحامى أنه بموجب القانون فإنه يمكن حبس من سرب وسجل التسجيل لمدة 5 سنوات بتهمة انتهاك حرمة الآخرين ، والتسجيل بدون إذن نيابة، وهو ما يجب مراجعته لمراعاة الحالات التى لا يكون أمام الفتاة فيها وسيلة لإثبات تعرضها لمثل هذه الحوادث إلا بالتسجيل ، ومعالجة هذا القصور القانونى لحماية هذه الحالات ومن يحاول مساعدتها.
وأخيرا أثبتت واقعة التسجيل المسرب أننا كلنا مذنبون وجناة ، وبسببنا ستظل عشرات الانتهاكات تحدث فى الخفاء ، وإن ظهرت لن يحاكم المذنبون وسيبقى الضحايا معذبون ومقهورون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة