رغب محمد على باشا، والى مصر، فى أن يكون لديه جريدة بلغة أجنبية، فأوحى بإصدار جريدة «المونتير إجبسيان» باللغة الفرنسية، وصدرت أسبوعية كل يوم سبت، وصدر عددها الأول يوم 17 أغسطس «فى مثل هذا اليوم» من عام 1833، حسب الجزء الأول من كتاب «بناء دولة محمد على»، تأليف «محمد فؤاد شكرى، عبدالمقصود العنانى، سيد محمد خليل» عن «دار الكتب والوثائق القومية- القاهرة»، ويروى الكتاب قصة هذه الصحيفة مؤكدا أنها ظهرت فى مدينة الإسكندرية ثم احتجبت فى مارس عام 1834، وكانت الحكومة المصرية تمدها بالمعونة على الرغم من أنها لم تكن واسعة الانتشار.
كان رئيس تحريرها فرنسيا يدعى «كاميل تورل»، وجىء به خصيصا من باريس، غير أنه كان شابا لم يسبق له المران على العمل الصحفى، ولا يعرف شيئا عن الحوادث التى وقعت فى مصر قبل حضوره إليها، ويجهل كل شىء عن البلاد التى جاء إليها، ولا تربطه بالشخصيات الكبيرة فى حكومة الباشا صلات وثيقة، وطريقته فى الكتابة لم تكن تستهوى القراء، ومن أجل ذلك كان العدد الأول بصفة خاصة يعوزه الابتكار وطلاوة الأسلوب، ونشرت الصحيفة فى عددها الأول مقالا عنوانه «المقدمة» يوضح خطة الجريدة، وكان المقال ترجمة حرفية دقيقة لما أمدت به الحكومة المصرية رئيس التحرير نفسه من بيانات وتصريحات».
يشير مؤلفو «بناء دولة محمد على» إلى أن «الآستانة» عاصمة الدولة العثمانية كانت تصدر فيها جريدة باسم «المونيتير أتومان» وهى صحيفة كانت رسالتها هى مهاجمة محمد على باشا فى كل مناسبة، وكان الغرض من حملات تلك الجريدة هو«جرح كبرياء الباشا»، وبناء على ذلك هناك من يرى أن مهمة «المونيتير إجبسيان» كانت الدفاع عن محمد على، وتفنيد الاتهامات التى كانت تكيلها له صحيفة القسطنطينية، غير أن هناك ما يحمل على الاعتقاد بأن صدورها كان لخدمة المصالح الفرنسية، ولذلك قابل القنصل الفرنسى فى مصر الباشا ومستشاره ووزيره بوغوص يوسف، وطلب إليهما أن تمد الحكومة المصرية الصحيفة بجميع البيانات والأخبار، والاتفاق على خطة الجريدة مسبقا حتى لا يظهر فيها ما يسىء إلى مصالح فرنسا ومصر، وقبلت الحكومة ذلك ونفذته حتى أصبح كثيرون يرون فى هذه الصحيفة «لسان حال» الحكومة المصرية، وكانت تنشر أنباء الحكومة على نحو يقارب ما كانت تفعله جريدة «الوقائع المصرية» عن «الجريدة الرسمية للدولة وصدر العدد الأول منها يوم 3 ديسمبر 1828 باللغتين العربية والتركية»، وكانت هذه الأنباء بطبيعة الحال تعدد جهود الباشا فى ميادين الإصلاح فى مصر وفى ممتلكاته الأخرى، ومن هذه الناحية كانت «المونيتير» المصرية إلى حد ما ذلك اللسان الذى استطاع به الباشا أن يدفع عن نفسه افتراءات «المونيتير» العثمانية فى الأوساط الأجنبية فى مصر.
يضرب مؤلفو «بناء دولة محمد على» مثالا على ما قامت به «المونيتير» المصرية من ردود تكشف افتراءات «المونيتير العثمانية» وهو: «شاءت الظروف أن يوافق ظهور «المونيتير إجبسيان» موعد قدوم البعثة البولونية العسكرية إلى مصر، وثارت بسببها بعض صعوبات انتهت باستقالة رئيسها الجنرال «دامينسكى» من خدمة الباشا ومغادرة البلاد، ورأى محمد على أن يوضح الأسباب التى أدت إلى استقالة هذا القائد البولندى، على نحو يحفظ العلاقات الطيبة بين حكومة مصر والبولنديين الأحرار «المهاجرين» ويذيع حقيقة هذه الأسباب فى الأوساط الأجنبية بمصر، وكان يرجو من غير شك أن تبلغ إيضاحاته إلى من يعنيهم الأمر فى الخارج، فاستخدم «المونيتير» لهذه الغاية، ونشر فى العدد الثالث والعشرين الصادر فى 25 يناير بيان «الحكومة المصرية، إذا جاز تسميته بذلك، عن هذه المسألة»، وبالرغم من ذلك فإن حكومة الباشا لم تكن شديدة الحرص على استمرار هذه الصحيفة التى أظهر الفرنسيون اهتماما بالغا بأمرها خدمة لمصالحهم قبل كل شىء».
كان رئيس تحريرها يتقاضى مرتبه من بيت تجارى فرنسى فى مصر هو «بيت باستريه» لا من خزانة الباشا، وحدث فى شهر مارس 1834 أن امتنع «باستريه» عن دفع المرتب، فسافر رئيس التحرير إلى القاهرة وحاول أن يحصل من حكومة الباشا على «الأخبار والبلاغات» بانتظام، حتى يتمكن من إصدار صحيفته، ولكن الصحيفة لم تستأنف ظهورها، لأن بوغوص لم يهتم بتشجيعها، وبعد ثمانية أشهر من صدور عددها الأول «17 أغسطس 1833» توقفت بعد صدور عددها الأخير يوم 22 مارس 1834، وبعد صدور «31» عددا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة