عمرو دياب "رجل الرهانات المختلفة".. "معدى الناس" الأنضج فى مشروع 34 سنة.. 10 أغنيات تقتنص 10 ملايين مشاهدة فى 24 ساعة.. كلمات أيمن بهجت قمر الأكثر احترافية وتامر حسين الأضعف.. ولحن "الهضبة" لنفسه الأجمل

الثلاثاء، 15 أغسطس 2017 05:31 م
عمرو دياب "رجل الرهانات المختلفة".. "معدى الناس" الأنضج فى مشروع 34 سنة.. 10 أغنيات تقتنص 10 ملايين مشاهدة فى 24 ساعة.. كلمات أيمن بهجت قمر الأكثر احترافية وتامر حسين الأضعف.. ولحن "الهضبة" لنفسه الأجمل عمرو دياب وإعلان ألبوم "معدى الناس"
تحليل يكتبه حازم حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يضم "معدى الناس" 10 أغنيات حققت 10 ملايين مشاهدة بعد ساعات من طرحها

8 ملحنين و6 شعراء يشاركون فى الألبوم.. وأسامة الهندى يوزعه كاملا

شارك عمرو دياب بلحنين.. ولحن لنفسه 100 غنوة على امتداد مشروعه الفنى

أصدر عمرو دياب 30 ألبوما فى 34 سنة أولها "يا طريق" 1983

شارك "عمرو" فى 4 أفلام سينمائية آخرها "ضحك ولعب وجد وحب" 1993

دخل عمرو دياب موسوعة جينيس 2016 كأكثر مطربى الشرق الأوسط فوزا بالجوائز

 

جلست فى بهو الفندق الفخم بمدينة قرطاج، شمال شرقى العاصمة تونس، فى مؤتمر صحفى يسبق حفلها الضخم بالمهرجان الفنى الأشهر عربيا، ورغم أجواء المهرجان وتاريخه والحضور الحاشد، لم تجد شيرين إلا اسم عمرو دياب لتقدم نفسها من خلاله فى تونس.

ذهبت شيرين عبدالوهاب، أو "شيرين آه يا ليل" كما اشتهرت لسنوات منذ أطلقها المنتج نصر محروس، إلى مهرجان قرطاج وعادت، ولم يعرف أحد، عرفنا فقط بعدما ثارت الصحافة التونسية جرّاء إساءة شيرين للبلد الشقيق، وحكايتها قصة سخيفة عن ابنتها التى تسمّى تونس "بقدونس"، ومع تواتر التفاصيل اكتشفنا أن المؤتمر الصحفى الذى عُقد فى الفندق مساء الجمعة 28 يوليو الماضى، كان أبرز ما فيه أن "شيرين آه يا ليل" عادت لتكرار نغمة الردح والتلسين بحق عمرو دياب، النغمة التى بدأتها فى حفل زفاف الفنانين عمرو يوسف وكندة علوش فى أحد فنادق أسوان خلال يناير، ثم عادت واعتذرت عنها، وبكت وأقسمت وتأسفت وندمت وقبّلت الأيدى، ومع خفوت الضوء ربما، أو مع علمها باقتراب طرح ألبوم عمرو، أو لأى سبب آخر تخبئه الصدور، خرجت شيرين من الظل محمولة على أكتاف عمرو دياب.

عمرو دياب
عمرو دياب

 

عمرو دياب.. الهجوم فى الميديا والرد فى الاستوديو

عادت شيرين من تونس، تصاحبها ضجتها وردود الفعل الغاضبة، وبينما كان يُفترض أن تخرج للإعلام موضحة ومعتذرة، ظهرت عبر مداخلة مع عمرو أديب فى حلقة الاثنين 1 أغسطس من برنامج "كل يوم" على شاشة "أون تى فى"، مواصلة هجومها على عمرو دياب، بينما كان الأخير مقيما فى الاستوديو، يضع اللمسات النهائية على ألبومه الجديد.

يمكن تخيل أنه بينما كانت شيرين تتحدث عن إساءات عمرو لها، التى ينقلها الآخرون ولا نعلم عنها شيئا ولا دليل عليها، كان عمرو يتابع ميكساج أغنيات ألبومه الجديد "معدى الناس"، وبينما كانت تثير الغبار حول علاقته السابقة بشركة روتانا ومديرها العام، رجل الأعمال الكويتى سالم الهندى، وتُردِّد شائعات لا تعلو كثيرا على مقام "الردح"، كان "عمرو" يراجع خطة طرح الألبوم جماهيريا، وآلية تسويقه وترويجه عبر "يوتيوب"، وصولا إلى الطرح التجارى بالأسواق.

الحكاية السابقة التى تزامنت مع صدور ألبوم "معدى الناس"، يمكن اعتبارها مدخلا جيدا لتناول الألبوم وسياقه ضمن مشروع عمرو دياب، الفنى والاجتماعى، ولكنها تمثل فى الوقت ذاته تلخيصا وافيا لفلسفة "عمرو"، الذى تحول لظاهرة فنية واجتماعية عبر 34 سنة من العمل والإنجاز، الرجل لا يشغل باله كثيرا باجتماعيات الوسط وتعقيدات "الميديا" وقوانين التواصل التى فُرضت على الفنانين أو فرضوها على أنفسهم، وعبر سنوات طويلة من العمل، هو الأقل ظهورا فى الإعلام والأكثر حضورا وشهرة، الأقل حديثا عن الفن والأكثر إنجازا فيه، الأقل اهتماما بالمبيعات والحفلات والأكثر رواجا وطلبا، الأقل استعراضا بشأن الأرقام والعوائد والأعلى قيمة وسعرا، معادلة صعبة لا يصنعها إلا من يمتلكون مشروعا فنيا ومؤسسة واعية تخطط وتدير وترصد وتحلّل وتقرّر بشكل صائب ومتوافق مع حالة الساحة، وهو ما يبدو أن عمرو دياب يجيد فعله منذ بدأ وحتى الآن، الأمور منضبطة تماما فى هذا الإطار، ويبقى الحديث عن المنتج نفسه وماكينة عمرو دياب التى تصنع الموسيقى والأغنيات.

دياب
عمرو دياب

 

عمرو دياب.. النجم الأطول عمرا و"المغنى الظاهرة"

فى بدايات العام 1982 وصل عمرو دياب للقاهرة، قادما من بورسعيد التى وُلد وتربّى فيها، لأم بورسعيدية وأب من سنهوت بمركز منيا القمح بالشرقية، التحق فى العام نفسه بمعهد الموسيقى العربية، فى العام التالى سجل أولى أغنياته "الزمان" من كلمات هانى زكى وألحان هانى شنودة، وفى العام نفسه أطلق ألبومه الأول "يا طريق"، ومع تخرجه فى المعهد سنة 1986 كان يستعد لإطلاق ألبومه الثالث "هلا هلا"، والظهور فى عمله السينمائى الأول "السجينتان" مع إلهام شاهين.

عبر رحلة فنية تمتد لـ34 سنة منذ ألبومه الأول 1983، أطلق عمرو دياب ثلاثين ألبوما غنائيا، وأكثر من خمسين أغنية منفردة "سينجل"، شارك فى أربعة أفلام سينمائية آخرها "ضحك ولعب وجد وحب" فى العام 1993، مع يسرا وعمر الشريف، ولحن لنفسه أكثر من 100 أغنية، وحصد عشرات الجوائز، منها 7 مرات "ميوزيك آوورد" للأعلى مبيعا فى المنطقة العربية، وصولا إلى دخول موسوعة جينيس 2016 كأكثر مطرب شرق أوسطى حصل على جوائز، وتصدر قائمة فوربس 2017 لأكثر الشخصيات العربية حضورا وتأثيرا.

وفق تعريف عالم الاجتماع الفرنسى إميل دوركايم لمفهوم الظاهرة الاجتماعية، فإنها فعل يوجد خارج شعور الأفراد، أى ليسوا هم من يصنعونها، وإنما يجدونها جاهزة، كما أنها تمتاز بقوة آمرة تتسم بطابع الإلزام، وتمتاز بأنها جماعية لا تنتسب لشخص محدد قدر ما تتصل بما يُعرف بـ"الضمير الجمعى"، وتعد حادثة تاريخية إذ تعبّر عن لحظة من لحظات التاريخ البشرى، وبالنظر لأن عمرو دياب بدأ قبل 34 سنة، وأن 65% من المصريين أقل من 35 سنة، دون إغفال أن النسبة الباقية تتعاطى مع مشروع "عمرو" الفنى بشكل أو بآخر، يمكن القول إن "دياب" تحول لظاهرة اجتماعية وفنية بكل المقاييس، بالنظر لاتساع جماهيريته وطول فترة حضوره وتأثيره، واكتسابه حيزا مهما فى الوعى الجمعى، وخروجه بدرجة من الدرجات خارج اعتبارات المنافسة، بمعنى أنه أصبح يمثل ثابتا قيميًّا لدى قطاع واسع من الجمهور، لا يخضع لاعتبارات المقارنة الفنية والجماهيرية مع اللاعبين الآخرين بالساحة، بالفعل تحول عمرو دياب لظاهرة، ظاهرة فنية واجتماعية دائمة، وهى الأطول عمرا وحضورا فى الساحة العربية، خلال العقود الأربعة الأخيرة على الأقل.

بوستر معدى الناس
بوستر ألبوم "معدى الناس"

 

"معدى الناس".. قانون الظاهرة يفرض نفسه على ماكينة الفن

منذ انطلاقه فى بداية ثمانينيات القرن الماضى، مثّل عمرو دياب مشروعا فنيا طليعيًّا، استند فى خطوته الأولى على موسيقى هانى شنودة، صاحب الجهد الطليعى الأكثر تأثيرا منذ حقبة السبعينيات، وصاحب الدور المهم فى مشروعى عمرو دياب ومحمد منير، المشروعين الأبرز ضمن جيل الثمانينيات.

فى مشروعه، تخلص عمرو دياب من الرهان الغنائى الكلاسيكى، الذى يتعامل مع الغناء باعتباره نافذة أو وسيطا لعرض الثقافة اللغوية للمجتمع/ الشعر، منذ اللحظة الأولى كانت لدى "عمرو" رؤية مغايرة نوعا ما، تتعامل مع الأغنية بوصفها مختبرا أو معملا متكاملا ومغلقا، تصنع خلطتها الخاصة وفق كيمياء منضبطة توازن بين أضلاعها وعناصرها، الكلمة والنغمة والصوت، ربما فى ضوء هذا التصور قرر "دياب" تنحية الكلمة جانبا، أو إنزالها عن عرشها الذى اعتلته فى مسار الأغنية العربية منذ حقبة تدوينها وتوثيقها فى مطلع القرن العشرين، ضمن تبعات التأثر بالغناء التركى الذى سيطر على الساحة المصرية منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى بزوغ نجم سيد درويش واتجاهه التعبيرى فى الموسيقى، راهن عمرو دياب على تقديم "الميلودى" فى تفاعلها العضوى مع الصوت البشرى، بطاقاته التعبيرية والشعورية الخلاقة، سعيا إلى صناعة خليط متجانس يحقق أثره فى وعى المتلقى بالمقادير المضبوطة، لا بالانتصار للبلاغة اللغوية التقليدية/ الشاعرية، وتسخير الموسيقى خلفية وبطانة جمالية لها.

احتاج عمرو دياب لخطوات فنية وتجارب عديدة لبلورة مشروعه، فى الفترة الأولى استجاب جزئيا للصورة الفنية الراسخة وقتها، عمل على إنجاز أغنيات مستندة إلى بلاغة تحترم الحضور المتقدم للشعر فى برواز الصنعة الغنائية، متقدما على كتيبة الغناء بخطوة كاملة، وشيئا فشيئا تحرر "عمرو" من هذه النظرة الموروثة، وقدم مشروعه الخاص فى تجارب عملية نجحت فى إصابة هدفها، تركيبة غنائية عضوية تتضافر فيها الكلمة المعبرة مع الجملة الموسيقية، ويتحاور معهما الصوت البشرى فى إطار حى، لا يستهدف التطريب فى ذاته، ولا التعبير فى ذاته، وإنما يترك للأغنية فسحة لاختيار هيئتها وملابسها وطريقة ظهورها على المسرح.

القانون الذى تحرك من خلاله عمرو دياب، يمكن استكشافه فى ألبوماته المتلاحقة منذ 1983، بمنحى طردى، كلما تقدمت السنوات زاد حضور الخلطة الخاصة لعمرو دياب، ووفق هذا التدرج، الذى يبدو ناضجا ومحسوبا، أو أنضجته السنوات وطول التجارب التى لا تنقطع فى ستوديو "عمرو"، يمكن اعتبار ألبومه الأخير "معدى الناس" أبرز تجليات هذا الطرح الفنى، كما أنه أبرز تجليات ظاهرة عمرو دياب الفنية، التى ربما يرى هو نفسه أنها تجاوزت مستويات المنافسة والتقييم التقليدية، ولا خطر على نتاجاتها أيا كانت رهاناتها ومستوياتها.

 

آخر ألبومات عمرو.. الأخير ليس الأجمل دائما "ولكنه الأنضج"

وسط نظام حياة صارم نوعا ما، تتوزع أغلب أوقاته بين "الجيم" والاستوديو، مع قليل من الحفلات والسهرات واللقاءات الاجتماعية، وغياب تام منذ ربع القرن عن السينما والتليفزيون، وغياب أكثر شراسة عن اللقاءات الصحفية والبرامجية، لا يتبقى لدى عمرو دياب إلا مشروعه الفنى، ومراقبته لخطواته المتلاحقة واحدة بعد أخرى، فى معسكر شبه مغلق، لا شىء فيه مقدّم على ألبومه الذى ينضج على نار هادئة طوال سنة كاملة.

منذ 1983 حرص عمرو دياب على الحضور بشكل سنوى، وفى مواعيد شبه منتظمة، وبالفعل التزم بهذه الخطة، باستثناء 8 سنوات لم يصدر فيها ألبومات، 1985، 1993، 1997، 2002، 2006، 2008، 2012 و2015، بينما شهدت باقى السنوات إصدار أكثر من ألبوم فى بعضها، مثل العام 1994 الذى أصدر خلاله ثلاثة ألبومات، وبالنظر إلى أن آخر ألبومات عمرو كان "أحلى وأحلى" فى 2016، فقد حصل "معدى الناس" على فترة حضانة وعمل ومعسكر مغلق مدته سنة تقريبا، 365 يوما من العمل على عشر أغنيات، بواقع 36 يوما تقريبا لكل أغنية، ليأتى الألبوم الأنضج ضمن رحلة عمرو، فى إطار رهاناته الفنية ورؤيته لعلاقة أضلاع العمل الغنائى ببعضها، ولكن ربما لا يكون الأخير والأكثر نضجا هو الأجمل دائما.

فى مشروع عمرو دياب الممتد، يمكن حصر وتعداد عشرات الأغنيات التى تشكل ذاكرة حية لملايين المحبين والمستمعين، أغنيات راهنت رهانات رومانسية وموسيقية شجيّة، أصابت أرواح المستمعين وحفرت حضورها فى وعيهم، بينما خفُت الضوء المحيط بأغنيات أخرى، تضمنت رهانات فنية وموسيقية أكثر طليعية وتجريبية وانسجاما مع روح عمرو ومشروعه، وصوته الإيقاعى اللامع كآلة موسيقية نحاسية، وهو صوت بطبعه يميل بالدرجة الأكبر للغناء الموقّع الراقص، رغم مسحة شجن تميّزه وتزيد توهّجه فى مناطق القرار، ومع الجمل الموسيقية الممتدة والكلمات ذات الصبغة المونولوجية، وفى "معدى الناس" يبدو أن "عمرو" راهن رهانه بكامله على رؤيته الطليعية، أو خلطته الخاصة لصناعة الأغنية، لم يراهن رهانات التطريب التقليدية، ما يدفع فى اتجاه توقع أن يكون الألبوم الأخير، رغم ما قدمه من طرح ناضج فى مسار المشروع الفنى لـ"عمرو"، صاحب حظ سيئ ضمن منجزه العريض، أو بمعنى آخر توقع أنه قد لا تفوز أى من أغنياته بمركز متقدم ضمن أبرز أغنيات "عمرو" التى يحفظها جمهوره ومحبوه، مثل "ورجعت من السفر"، و"ما يتحكيش عليها"، و"نور العين"، و"راجعين"، و"شوقنا، و"قمرين"، وغيرها من الأغنيات المشحونة عاطفيا ونفسيا فى مشروعه الطويل.

 

عمرو "معدى الناس".. الخلطة الفنية وفلسفة الاختيارات

على مدى الأسبوعين الأخيرين، اتّبع عمرو دياب خطة مُحكمة للترويج لألبومه وطرحه بشكل مشوّق، بدأ الأمر بطرح أغنيتين منه فى وقتين متلاحقين، ثم طرح مقاطع دعائية "سيمبلات" لباقى الأغنيات، وصولا إلى نشره عبر قناته الشخصية على "يوتيوب"، وقناة شركة "ناى" المنتجة للألبوم، أمس الاثنين، وبدء تسويقه تجاريا اليوم الثلاثاء.

يضم "معدى الناس" 10 أغنيات، تعاون عمرو دياب فيها مع عدد من المؤلفين والملحنين الشباب، واستحوذ عليها كاملة الموزع أسامة الهندى، ولكن أبرز ما يمكن ملاحظته أن كثيرين من شركاء عمرو دياب الفنيين وأبرز المتعاملين معه فى محطاته الناجحة من قبل، غابوا عن هذا الألبوم، إذ لن تجد ضمن قائمة الأغنيات الجديدة أسماء: بهاء الدين محمد وأمير طعيمة ومدحت العدل وأحمد شتا وخالد تاج الدين وهانى عبد الكريم ومحمد رفاعى وعبد المنعم طه على صعيد الكلمات، أو هانى شنودة ومحمد رحيم وتامر على وخالد عز ومحمد مجدى التابعى على صعيد الألحان، أو حميد الشاعرى وحسن الشافعى وعادل حقى على صعيد التوزيع.

اقتسم كلمات الألبوم، تامر حسين بثلاث أغنيات، وأسامة مصطفى بأغنيتين، وهانى رجب وأحمد المالكى وأيمن بهجت قمر بأغنية لكل منهم، وفى الألحان حضر سامر أبو طالب وعمرو مصطفى بلحنين لكل منهما، ومديح محسن ومحمد يحيى ومحمد رضا ومدين بلحن لكل منهم، بينما لحن عمرو دياب أغنيتين إحداهما بمشاركة سامح كريم، ووزع الألبوم بكامله الموزع الموسيقى أسامة الهندى كما أشرنا.

لم تأت أى من كلمات الألبوم ملفتة، تفاوت مستوى الأغنيات بحسب تبدّل الأسماء، ولكن ظلت بكاملها فى دائرة متوسطة المستوى، وإن كانت أقواها  "نغمة الحرمان" التى كتبها أيمن بهجت قمر، وتجلّت فيها حرفية أيمن وخبرته فى صناعة الأغنيات، عبر جمل متدفقة وتعبيرات خفيفة يمتزج فيها الإفيه بالصورة والتعبير الشعريين، بشكل سلسل وخفيف الظل، ومنها قوله "ماسك لى فى نغمة الحرمان/ وعمال تشكى وتهوّل/ لا فرق اللى انت شفته زمان/ ولا الحلو اللى فى الأول"، بينما كانت أضعفها أغنيات "قلبى اتمناه"، و"جنب حبيبى" و"حبايب إيه"، التى كتبها تامر حسين، إذ دارت فى فلك حالة عاطفية مستهلكة، وجمل لغوية تقليدية، بدءا من "إنشالله تبقى ليا إنشالله"، التى تطابق تقريبا جملة "إنشالله إنشالله ترجع ليا" التى غنتها المطربة التونسية لطيفة، واستكمل "تامر" تعبيراته التقليدية بـ"ده اللى مفيش اتنين فى جماله"، "طول ما انت جنبى وفى حياتى بنسى روحى"، و"قالوا لنا يا قلبى مليون حل"، وغيرها من الجمل المستهلكة التى لا تقدم بناء دراميا ولا تعبيرا شعريا مميزا ومختلفا، ولولا الرهان الموسيقى وأداء عمرو دياب لسقطت أغنيات تامر حسين تماما.

ألحان الأغنيات العشر جاءت بسيطة ومبهجة، تعتمد على جمل لحنية سهلة ومميزة، احتفت بالإيقاعات الراقصة ونسج حوارات بين الجمل والخطوط الرئيسية والفرعية، محمولة على "بيت" إيقاعى سريع، مع تطعيم البنية الإيقاعية للأغنيات بجمل وترية مشحونة تعبيريا، فى إطار بنية موسيقية تمزج الروح والمقامات الشرقية، ومنها البياتى، بنكهة وتقنيات "التكنو" و"الهاوس" و"الفلامنكو"، وتجلت الجمل الشرقية فى بعض الأغنيات بشكل خاص، منها "آه حبيبى" التى بدأها الملحن مديح محسن بجملة موسيقية وترية ذات نكهة شعبية، وهو الأمر نفسه الذى تكرر مع أغنية "أحلى حاجة" التى لحنها عمرو دياب نفسه، واحتفى فيها بالمقدمة الموسيقية الطويلة نسبيا، مع صبغها بتنويعة شرقية تطريبية، وجمل شجية تقدمتها الآلات الوترية، بدءا بخط الكمانجات، ثم مهدت جملة صولو تحمل مزجا دافئا بين روح "القانون" و"الإلكتريك جيتار" لتنويعة شجنية للعود، لتعود الكمانجات مختتمة التمهيد الموسيقى ومقدمة للجملة اللحنية الأساسية، فى توزيع ذكى للحن هو الأجمل والأكثر عذوبة فى الألبوم، تأكيدا لرهان عمرو دياب الموسيقى المتقدم على رهان الكلمات، مع شيوع مسحة تطريبية فى الأداء الغنائى.

فى المجمل يمكن القول إن كل الألحان سيطرت عليها حالة واحدة، ربما تعود إلى روح عمرو دياب التى يتلبّسها الملحنون فى جانب، وفى جانب آخر تعود إلى سيطرة أسامة الهندى على توزيع الألبوم كاملا، فلم تأت مساحة التنوع فى التيمات والمعالجات الموسيقية منسجمة مع حقيقة أن الألبوم حصيلة شراكة بين 8 ملحنين و6 شعراء، فبدرجة ما من الدرجات منحنا أسامة الهندى، الذى بدأ العمل مع عمرو دياب مهندسًا للصوت، قبل أن يصبح الموزع الأكثر حضورا فى حلقات مشروعه الأخيرة، روحا واحدة ومتجانسة للألبوم، ولكن مع قدر أقل من التنوع والمناورة والتجريب والمغامرة.

 

عمرو دياب.. الأنضج يستعد لمعسكره الجديد بعد "معدى الناس"

الآن، وبعد طرح ألبومه الأخير "معدى الناس"، الأنضج ضمن حلقات مشروعه، وفق رهانه الفنى المنتصر لعضوية البناء الغنائى وتماسك عناصر الأغنية، دون تقديم الكلمة على النغمة كما اعتادت الثقافة الموسيقية الشرقية، يمكن تخيل حالة عمرو دياب، الذى يجلس فى الاستوديو الخاص بمنزله، مستعدا لمعسكر عمل جديد.

على الجانب الآخر، يمكننا توقع ظهور جديد لشيرين عبد الوهاب، أو "شيرين آه يا ليل"، المطربة صاحبة الصوت المهم واللامع، والمشروع الخفيف وغير المستند إلى رهان أو رؤية، وعلى عكس المفترض فى فنانة ذائعة الصيت والشهرة، فلن يكون الظهور الجديد فنيا، بأغنية أو ألبوم أو حفل، ولكنه ربما يكون ظهورا على أكتاف عمرو دياب والخناقة المشتعلة من طرف واحد معه.

لم يرد "عمرو" على شيرين فى تجاوزاتها السابقة، وبالتأكيد لن يرد مستقبلا، سيظل فى معسكره المغلق بالاستوديو، ومع الملحنين والمؤلفين، يجهز ردوده بالطريقة التى يحبها ويفضلها، يراهن رهاناته المتتابعة، ويُجرّب خلطته الفنية، ويدير تروس ماكينته لإنتاج مزيد من الأغنيات والموسيقى، لا يشغله فى كل هذا نجاح الرهانات أو فشلها، فقط يفعل الرجل ما يحبه ويقتنع أنه جيد وصائب، ربما لهذا يمتلئ بيقين ضخم بمشروعه وقدراته، ولا يضع عينيه على تفاصيل الطريق ومطباته وعقباته، يعلقهما على الغاية التى يسعى إليها فقط، وهى أن يظل ظاهرة فنية واجتماعية قائمة ودائمة التأثير، وبالتأكيد سيظل.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

رضا

جميل

مقال جميل ومحترم نشكر الكاتب

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة