فى خطوة جديدة تتحدى بها إيران الجميع، ومن شأنها زيادة التوتر القائم فى المنطقة، صادق مجلس الشورى الإيرانى صباح، اليوم الأحد، على تخصيص 520 مليون دولار لتطوير البرنامج البالستى الإيرانى وتعزيز النشاطات الاقليمية للحرس الثورى الإيرانى وذراعه فى المنطقة (فيلق القدس)، وذلك ردا على "سياسة المغامرة" التى تتبعها الولايات المتحدة بحسب تعبيرها.
ويأتى مشروع القرار ردًا على فرض عقوبات أمريكية على طهران فى 15 يونيو الماضى، حيث صوت مجلس الشيوخ الأمريكى بأغلبية ساحقة على مشروع قرار يفرض عقوبات جديدة على إيران، وتضمن القرار 4 حزم من العقوبات غير النووية، الأولى مرتبطة بالأنشطة الصاروخية الباليستية، والثانية انتهاك حقوق الإنسان، والثالثة تدخلات النظام الإيرانى فى شئون الدول الإقليمية، والرابعة دعم الإرهاب، ووافق عليها الرئيس الأمريكى أوائل أغسطس الجارى.
وبحسب وكالة فارس وافقو وصوت 240 نائبا لصالح المشروع بدون معارضة، وامتنع نائب واحد عن التصويت من أصل 247 نائبا حضروا الجلسة العلنية على مشروع القانون، الذى ينص على تخصيص 260 مليون دولار "لتطوير البرنامج الصاروخى"، والمبلغ نفسه إلى فيلق القدس.
ومن أبرز مواد هذا المشروع، هو إجبار الحكومة على زيادة ميزانية فيلق القدس التابع للحرس الثورى وذراع إيران فى الخارج لمحاربة الإرهاب فى المنطقة، كما يمنع القانون منح تأشيرة الدخول الإيرانية للأشخاص المدرجين على قوائم العقوبات الإيرانية، والتصدى للعقوبات الاقتصادية الأمريكية.
وتنص مادة أخرى علی تکلیف وزارتی الدفاع والأمن و الحرس الثوری وفيلق القدس التابعة له والجیش الإیرانی، بالتنسیق مع المجلس الأعلی للأمن القومی فی مدة تستغرق 6 شهور بعد المصادقة علی المشروع بإعداد برنامج استراتیجی شامل لمواجهة التهدیدات الأمریکیة ضد إیران وسیاساتها التوسعیة والمثیرة للخلافات وتدخلاتها الأمنیة والعسکریة غیر الشرعیة فی المنطقة ودعمها للإرهاب والتشدد علی المستویین الإقلیمی والعالمی، وتقدیم تقریر عن آدائهم إلی البرلمان الإیرانی سنویا.
مجلس الشورى الاسلامى (البرلمان)
كما تنص المادة التاسعة، على التنسيق بين الأجهزة الأمنية الايرانية بين الاستخبارات وفيلق القدس و"الدول المستقلة وقوى المقاومة" ورصد التحركات الأمريكية وتبادل المعلومات.
من جانبه صرح رئيس مجلس الشورى على لاريجانى "على الأمريكيين أن يعرفوا أن هذا الإجراء ليس إلا خطوتنا الأولى"، وذلك بعد إعلانه نتيجة تصويت البرلمان بغالبية ساحقة على سلسلة تدابير تهدف إلى "مواجهة الأعمال الإرهابية والمغامرة للولايات المتحدة فى المنطقة"، وفرضت الولايات المتحدة فى يوليو عقوبات جديدة لمواجهة برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية.
قادة الحرس الثورى والجيش والمرشد الأعلى
ماذا تعنى زيادة ميزانية الحرس الثورى والبرنامج الصاروخى الباليستى للداخل الإيرانى والمنطقة؟
لم تكن المرة الأولى التى تزيد فيها طهران ميزانية الحرس الثورى وبرنامجها الصاروخى، إذ رفعت حكومة روحانى موازنة الدفاع منذ استلامها السلطة من 6 مليارات دولار 2013، فى عهد سلفه محمود أحمدى نجاد إلى نحو 8 مليارات دولار عام 2014، ونال الحرس الثوري الذي يدير معارك إيران وتدخلاتها فى دول المنطقة الحصة الأكبر، حيث حصل على 3.3 مليار دولار عام 2013، وزادت عام 2014 لتصل نحو 5 مليارات دولار، ونحو 6 مليارات دولار عام 2015.
ورغم خفض موازنة الحرس الثوري فى الموازنة العامة لعام 2016 إلى 4.5 مليار دولار، إلا أن موازنة وزارة الدفاع والجيش زادت، وفى 2017 حظيت الموازنة المخصصة للحرس الثورى فى مشروع الموازنة العامة على زيادة قدرها 53% مقارنة بالعام الماضى، حيث ارتفعت إلى 6.9 مليار دولار.
الرئيس الأمريكى ترامب
وعقب صعود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية الاتفاق النووى الذى ترى الإدارة الجديدة أن طهران غير ملتزمه به، فضلا عن العقوبات الأمريكية المرتبطة بسياسة طهران المشبوهة فى المنطقة وتهديدات برنامجها الصاروخى الباليستى، وفى يونيو الماضى كشف رئيس مركز الأبحاث في مجلس النواب الإيرانى، كاظم جلالى، عن مشروع قرار يتكون من 20 مادة، وقال إنه سيتم تخصيص مبلغ 600 مليون دولار لزيادة ميزانية البرنامج الصاروخى وفيلق القدس في الحرس الثوري، و أن 300 مليون دولار من هذا المبلغ سيتم تخصيصه لفيلق القدس بهدف محاربة الإرهاب، حسب زعمه .
لكن المراقبين رأوا أن الخطوة سيكون لها تبعات على إيران والمنطقة، ففى الداخل الإيرانى سيقوى ذلك من شوكة المؤسسات العسكرية فى البلاد ويعزز سيطرة الحرس الثورى وسيزيد من هيمنتها على الاقتصاد والسياسة، وهو ما سيشكل معضلة أمام الرئيس الإيرانى الذى يسعى لخلع يد هذه المؤسسات العسكرية من الاقتصاد والسياسة وتقويضها فى الداخل ليتمكن من مواصلة برنامجه ومشروعه الاصلاحى.
بالإضافة إلى أن تكاليف هذه الزيادة ستشكل عبء على الشعب الإيرانى الذى يعانى من تدهور أوضاعه الاقتصادية وغلاء المعيشة وارتفاع تكاليف السكن، كما أنها ستشكل ضغط على الازدهار الاقتصادى الذى يطمح روحانى فى انعاشه خلال ولايته الثانية.
قوات فيلق القدس
أما بالنسبة للمنطقة فأن منح الحكومة الإيرانية فيلق القدس التابع للحرس الثورى ذراع إيران فى الخارج هذه الأموال الضخمة، ستشكل خطر على المنطقة، لأنه سيتم توجيهها فى تمويل تدخلاته فى المنطقة، وإثارة القلاقل فى الدول وزعزعة استقرار دول الجوار لاسيما مجلس التعاون الخليجى التى تعانى من تدخلات طهران أصلا، بالإضافة إلى زيادة تدخلاته فى سوريا والعراق ودعم الحوثيين فى اليمن وشيعة البحرين، كما أن هذه الزيادة ستكون منحة إلهية للمليشيا التى تمولها طهران فى سوريا، من أمثال لواء فاطميون ومقاتلى حزب الله وغيره من التنظيمات المسلحة فى المنطقة، كما ستشكل دافع لإطلاق يد مليشيا طهران فى المنطقة وبالتالى ستشكل تهديدا أكبر لحلفاء واشنطن.
وبحسب المراقبون أيضا يعنى هذه الميزانية أن طهران مستمرة ومواصلة فى سياساتها العبثية فى المنطقة والعالم، كما أنها يعنى أن طهران لن تنصاع على المدى القريب إلى الأصوات المنادية لها إلى تغيير سياساتها للاندماج فى المجتمع الدولى، ومؤشر منها على مواصلة نفس النهج الذى سارت به على مدار 38 عاما من إثارة القلاقل وتهديد المنطقة وتصدير ثورتها.
قادة الحرس الثورى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة