سامح جويدة

بين تجديد التراث وتحطيم الذات

الأحد، 13 أغسطس 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نحن نهون على الآخرين حينما نهين أنفسنا، نرخص حينما نتعامل مع كل ما نمتلكه برخص، نفقد احترام الآخرين حينما نفقد احترامنا لذاتنا. تفاصيل كثيرة ولكنها فى النهاية ترسم واقعنا المؤسف الضعيف أمام العالم. نحن خير أمة خرجت للناس، ولكننا نصر على تحقير تاريخنا وتشويه ديننا وقتل كل جميل فينا. فنتباهى بالتكسير فى السابقين واللاحقين من باب الثقافة والحرية والتنوير. فصلاح الدين أسوأ حاكم فى التاريخ والخلفاء الراشدون اشتروا المناصب وباعوا الدين. والأئمة الأربعة سبب انتشار الإرهابيين. والفكر الإسلامى فيه اعوجاج ويحتاج إلى إصلاح وتطهير. وحضارة العرب كلها غدر ودماء أو زندقة ونساء.

وفلسفة المسلمين أنهم فقط إلى الجنة والباقين إلى الجحيم. والمجتمعات الإسلامية قامت على مبادئ طائفية وقبلية. الدول العربية ماضيها كله سيوف ومكائد واحتلال من الأجانب. تفرغنا فجأة للفذلكة فى أمور الدين وفى الافتراء على قدماء العلماء وكأنهم سبب وكستنا الحضارية ونكستنا الإنسانية. نصبنا المحاكم وعلقنا المشانق لكل رموزنا التاريخية نشرح فيهم ونجرح فى أفكارهم وضمائرهم تحت شعارات نقد التراث والتحديث.

وبعد كل ذلك نتساءل بسذاجة، لماذا أصبحنا ألعوبة العالم وأضعف أطرافه. ولماذا تتقدم الحضارات الأخرى للأمام ونسقط نحن فى الخلف. حتى لغتنا الجليلة لغة القرآن المقدسة أصبحت درجة ثانية فى مجتمعاتنا العربية. فكل المكاتبات الدبلوماسية بين الدول العربية بالإنجليزية!. وكل أسماء المحال والبضائع باللغات الأجنبية. ونتباهى بأن أولادنا يدرسون مناهج غربية ويتكلمون إنجليزى وفرنسى كسكان أوروبا الأصليين و«يتهتهون» فى العربى كالأميين. تصوروا أى حضارة تلك التى تقوم على شعوب شوهت كل ما امتلكته. أى بناء هذا الذى يعلوا بعد أن كسرنا فيه الأصول والأساسات. أى موارد إنسانية نبحث عنها بعد أن حطمنا الشباب العربى نفسيا وفكريا وأفقدناه الثقة فى الأباء والجدود وفى التاريخ والدين وفى اللغة وطريقة التفكير.

أى عطاء سيأتى من هذه الأجيال بعد ما أشعناه من خراب وتدمير. ولمصلحة من هذه الحملات المسعورة التى نكسر بها أنفسنا منذ سنوات. لمصلحة من هذا التقزم الذى أقنعنا به أنفسنا حتى اعتدنا أن نكون فى آخر صفوف البنى آدميين. فأصبح من الطبيعى أن تتلاعب بنا دول العالم الكبيرة وكأننا عرائس صغيرة.

فتضربنا حينا وتواسينا حينا وتقمعنا فجأة وتضحك فى وجهنا بعد قليل، تلاعبنا وكأنها الطبيب ونحن المجانين. ونتعجب فى بلاهة ونتساءل فى «تناحة» لماذا يسعى معظم أولادنا وشبابنا للهجرة، ولماذا ينتشر بينهم الإلحاد وكيف أصبحوا بهذه القسوة على بلادهم وهذا القرف من مجتمعاتهم. والإجابة واضحة أمام الجميع فهذه الأجيال ترعرعت على شتم الرموز وتكسير القدوة وذم التاريخ فى الإعلام والفضائيات. لم يسمعوا إلا عن الملوث والمشوه والشاذ فى الفكر الإسلامى ورموز المسلمين.

لم يعرفوا أننا الأصل فى كل علوم الدنيا بلا مبالغة أو مزايدة. فالطب اخترعه ابن سينا والفلسفة طورها ابن رشد وعلم المجتمع أخرجه ابن خلدون وعلم الفلك اكتشفه البيرونى وعلم المناظير اخترعه ابن الهيثم والجبر جاء به إلى الدنيا الخوارزمى لم يعرف أبناؤنا عبقريات الحضارة الإسلامية مثل الطبرى والقرطبى والإدريسى وابن باجة وابن الخطيب لم يسمعوا عن بطولات العرب والمسلمين على مر التاريخ وحكمة عمر بن الخطاب وفلسفة على بن أبى طالب أو بطولات صلاح الدين ومحمد الفاتح والعباسيين والأمويين والفاطميين. كل ما عرفوه كان مشوها وكل ما سمعوه كان مجحفا وكل ما حفظوه كان محبطا حتى لغتهم تعلموا أن يخجلوا منها وأن يتباهوا بإتقان لغات الآخرين. فإذا كان كل ما زرعناه قبيحا فلا تنتظر أن يأتينا الحصاد بشىء جميل.










مشاركة

التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

صدقت

زراعة القبح لن تأتي بحصاد جميل..

عدد الردود 0

بواسطة:

د محمد نور

مقال رائع

الله عليك يا استاذ والله نفسي اطبع كلامك واوزعه علي الناس انا طبيب عيون واعرف جيدا فضل الحضارة العربية في كل العلوم الطبية الحديثة و ليس فضل فقط بل نحن الذين اكتشفناها بارك الله فيك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة