كانت جماعة الإخوان المسلمين تدير علاقتها داخليا مع ثورة 23 يوليو 1952، بعد قيام الثورة على قاعدة أنها «البديل»، وقدمت نفسها إلى الخارج وفقا لهذه القاعدة، وكان تصرفها فى هذا المجال أحد أسباب تفاقم الخلافات بين الطرفين، ويطرح أحمد حمروش هذه المسألة فى كتابه «ثورة 23 يوليو» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة» فى السياق العام للعلاقة بين الطرفين فى الفترة الأولى من عمر الثورة وتراوحت بين التقارب والتباعد، ويذكر «حمروش» قصة الصدام الأول بينهما، ويتعلق بطلب الثورة من الجماعة ترشيح وزيرين فى وزارة محمد نجيب «سبتمبر 1952»، ورشح مرشد الجماعة المستشار حسن الهضيبى كلا من، أحمد حسن الباقورى، وأحمد حسنى وكيل وزارة العدل ومحمد كمال الدين محافظ الإسكندرية، وبعد الاتصال بالأول والثانى فعلا، أبلغ عبدالناصر، سليمان حافظ الذى أسهم بقدر كبير فى تشكيل الوزارة، أن حسن العشماوى ومنير الدالة حضرا موفدين من المرشد العام ليبلغاه اختيار الإخوان لهما فى الوزارة، وأن الترشيح الأول كان شخصيا من «الهضيبى» وليس من مكتب الإرشاد.
يؤكد «حمروش»، أن الاعتذار لـ«الباقورى» و«حسنى» بعد تبليغهما كان أمرا صعبا، كما أن سليمان حافظ كان رأيه فى «عشماوى» و«الدالة»: «أنهما شباب أكثر مما ينبغى»، ولذا كان هناك احتمالان، إما إشراكهما فى الوزارة، وإما قبول قرار مكتب الإرشاد بعدم الاشتراك، وتم الاستقرار على الرأى الثانى، ويرى «حمروش» أن هذا «كان هو الصدام المكتوم الأول، فقد شعر الإخوان أن الحركة لا تستجيب لإرادة الجماعة، وشعرت الحركة بموقف الجماعة السلبى، ولكن هذا لم يغير من طبيعة التعاون ولم يضعف الصلة».
يعدد «حمروش» المواقف التى تدلل على العلاقة الطيبة بين الطرفين، ومنها: الإفراج بعفو خاص يوم 11 أكتوبر 1952 عن قتلة المستشار أحمد الخازندار رئيس محكمة جنايات القاهرة الذى كان قد حكم بالإدانة فى بعض جرائم الإخوان، والإفراج عن قتلة محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء الذى أصدر قرارا بحل الجماعة، وتوجه المفرج عنهم من السجن إلى مركز الإرشاد فوراً، حيث استقبلوا بحفاوة شديدة من أعضاء الجماعة، كما يذكر حمروش أن الثورة استثنت الجماعة من قرار الحل عندما صدر قانون «تنظيم الأحزاب.
ماذا فعلت الجماعة أمام كل ذلك؟، يجيب «حمروش»: «بعض قرارات الحركة (الثورة) لم تلق قبولاً أو حماساً عند الإخوان، فقد مر قانون الإصلاح الزراعى دون كلمة تأييد واضحة منهم»، أما موقع علاقة الجماعة مع الغرب وتقديم نفسها كبديل فيذكرها حمروش قائلا: «بعض تصريحات وتصرفات الإخوان لم تجد ترحيبا من جانب مجلس قيادة الثورة، مثال ذلك تصريح المرشد العام حسن الهضيبى لـ«إدوارد بولاك» محرر «الأسوشيتد برس» يوم 5 يوليو «مثل هذا اليوم» عام 1953 الذى قال فيه: «أعتقد أن العالم الغربى سيربح كثيرا إذا حاول أن يحسن فهم مبادئنا بدراساتها بروح العدل البعيدة عن التعصب، وأنا على ثقة من أن الغرب سيقتنع بمزايا الإخوان المسلمين وسيكف عن اعتبارهم شبحا مفزعا، كما حاول البعض أن يصورهم، وأنا أثق فى أن الغرب سيجد أن الإخوان المسلمين عامل كفء فى سبيل تقدم الإنسانية والرخاء والسلام بين مختلف الشعوب».
يرى «حمروش» أن هذه التصريحات كانت «بمثابة غزل للدول الغربية لم ترض عنه الحركة (الثورة) فى وقت كانت المفاوضات فيه قد تعثرت مع الجانب البريطانى ثم انقطعت، وكتب انتونى إيدن (رئيس وزراء بريطانيا أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956) فى مذكراته بعد ذلك يقول: «الهضيبى كان حريصا على حسن العلاقات معنا».
يقدم «عبدالله إمام» صورة مكملة فى كتابه «عبدالناصر والإخوان المسلمين» عن «دار الخيال - القاهرة»، مشيرًا إلى أن أسرارًا تكشفت أثناء محاكمة الإخوان أمام «محكمة الشعب» التى عقدت بعد المحاولة الفاشلة للجماعة باغتيال «عبدالناصر» فى ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954، ومنها: «قابل البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف موظفًا كبيرًا بإحدى السفارات الأجنبية، وأخبره بأنه يتحدث باسم الإخوان ومرشدهم، وأنهم سيتولون مقاليد الحكم فى مصر عنوة، ويطلبون تأييد هذه السفارة للانقلاب الجديد، ثم قال، إن الاخوان على استعداد بعد أن يتولوا مقاليد الحكم للاشتراك فى حلف عسكرى ضد الشيوعية، لأن الإسلام يحضهم على ذلك، وهذا الحلف لن يتحقق مادام «عبدالناصر» على قيد الحياة، لأنه سبق أن أدلى بتصريحات نشرت فى جميع صحف العالم عن رأيه فى الأحلاف العسكرية وأهدافها العسكرية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة