محمد حبوشه

المسجد الأقصى يستصرخكم: أغيثونى يرحمكم الله

الجمعة، 28 يوليو 2017 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إنه لأمر خطير جدا ، هذا الذى يجرى داخل المسجد الأقصى ، ثالث الحرمين وأولى القبلتين، فعملية عزل المسجد الأقصى عن حاضنه العقائدى الإسلام ، يظل أخطر من كل محاولات اليهود لحرقه أو هدمه بشتى الوسائل والحيل ، ولعل آخر تلك الهجمات الإسرائيلية ، والتى تعد بمنزلة خطة حكومية إسرائيلية رسمية جديدة ، هدفها تقسيم الأقصى ما بين المسلمين واليهود : مرتين فى اليوم لليهود ومرتين للمسلمين.

 

صحيح أن عام 2014 كان الأسوأ فى تاريخ القدس والمقدسات منذ الاحتلال وفق إحصائيات مؤسسة "الأقصى للوقف والتراث" فقد اقتحم أكثر من 8100 مستوطن المسجد فى هذا العام، ولم يتمكن أكثر من مائة ألف مسلم من الصلاة بالأقصى، مقارنة بنحو مليون ونصف مليون تمكنوا من الصلاة والاعتكاف عام 2013، غير أن الممارسات الإسرائيلية المتجددة تؤكد وجود قرار رسمى بمنع الفلسطينيين من دخول المسجد والصلاة فيه، وتهيئة الأجواء للاقتحامات الجماعية للمستوطنين لفرض أمر واقع كمقدمة لبناء الهيكل المزعوم، لاسيما وأن قوات الاحتلال حولت محيط المسجد لثكنة عسكرية، فثمة مخططات صهيونية عدة تتعرض لها مدينة القدس المحتلة بشكل عام، والمسجد الأقصى بشكل خاص، وهذه المخططات تتشعب فى آليات تنفيذها وطريقة التنفيذ، وتستهدف بالأساس تغيير الطابع الإسلامى العربى وهوية المدينة المقدسة، وذلك لتحقيق الرواية اليهودية المزعومة التى يسعى الاحتلال الصهيونى لتسويقها بين من يزور مدينة القدس المحتلة.

 

ولعل الأخطر فى كل ذلك هو ما تقوم به سلطات الاحتلال من حفريات متواصلة فى مدينة القدس وبشكل خاص أسفل ومحيط المسجد الأقصى ، الأمر الذى يبرز مساعى صهيونية لخلق واقع جديد تحت الأرض وفوقها لتحقيق الرواية اليهودية المزعومة ، فقد بدأت الحفريات فعلياً عام 1967 وقد بلغ مجموعها منذ احتلال المدينة وحتى الآن أكثر من 64 حفرية، منها 48 حفرية تم حفرها ، وباقى الحفريات نشطة وما تزال جارية داخل البلدة القديمة وفى بلدة "سلوان" ومحيط أسوار البلدة القديمة ، ويبدو من كل ذلك أن الهدف الأول للحفريات يتمثل فى مصادرة الأرض، فكل مكان تجرى به حفريات يحوَّل إلى منطقة مغلقة يُمنع الاقتراب منها أو الدخول إليها، وبذلك يتحكم الاحتلال بهذه البقعة من الأرض، وذلك عن طريق جهات تنفذ عملية المصادرة والحفر ، تتمثل فى ما تسمى "وزارة" السياحة والآثار الصهيونية ، أو سلطة تطوير ساحة البراق الصهيونية ، أو مؤسسة الحفاظ على ما يُزعم أنه تراث يهودى .

 

أما الهدف الثانى من الحفريات التى يقوم بها الاحتلال فيتمثل فى زعزعة الوجود المقدسى ؛ حيث إنه فى أعقاب مصادرة أية قطعة أرض يتم إعداد مخططات هندسية لها ثم البدء بحفريات أفقية وعامودية، وهذا ما يؤثر بشكل مباشر على بيوت المقدسيين ، كما أن عمليات الحفر بالقرب من منازل المواطنين الفلسطينيين تسعى إلى زعزعة أمنهم ودفْعهم لهجْر المكان وطردهم ثم تتم عملية تهويد المنطقة، واستغلالها كمناطق سياحية دينية "يهودية تلمودية" وتقديم الرواية اليهودية المكذوبة.

 

ونظرا لخطورة هذه الحفريات وانعكاساتها على الأرض وعلى المقدسيين، فإن بعض المختصين يفضل تسميتها بـ"حرب الحفريات"، إذ إنها تشكل خطورة أكثر من الحروب العسكرية، حيث يتم استخدام "أدوات خطيرة جداً مثل الجرافات والبواقر الكبيرة والحافرات، وتستخدم أيضاً مواد كيماوية لإذابة الصخور وهى غير مشروعة، وهذه تؤدى إلى تشويه الممتلكات الحضارية والإسلامية التى يعود تاريخها إلى العصر الحديدي، والمريب فى الأمر أن من يعمل على توجيه هذه الحفريات وإدارتها وتخطيطها جنرالات عسكريون ، ومن ثم ليست قضية علمية أثرية، بل هى قضية حرب على الممتلكات وحرب على الثقافة والهوية، خاصة أن الحفريات مستمرة ووصلت إلى محيط المسجد الأقصى بشكل كامل، وخلقت ما يسمى بالحوض المقدس، كما خلقت أيضا ما يسمى بالمطاهر حيث استغلت الآبار كمطاهر، وهذه المطاهر صنعت جغرافيا جديدة من شأنها عزل المسجد الأقصى من الناحية الجنوبية والجنوبية الغربية، وهى منطقة باب المغاربة، وذلك عن محيطها العربى والإسلامي" .

 

ما يزيد المخاوف والشكوك حول نتائج هذه الحفريات ؛ إن الاحتلال لا يسمح لدائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية بالكشف عنها، وبالتالى ينبغى علينا جميعا كعرب ومسلمين أن نعرف إلى أى مدى وصلت هذه الحفريات تحت المسجد الأقصى فى ظل إشارات ودلالات حول وجود حفريات تحت المسجد الأقصى ؛ فشرطة الاحتلال تمنع دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية من ترميم البلاط فى المسجد الأقصى، كما تمنعها من الحفر لتمديد بعض أنابيب الصرف الصحى ، وهذا دليل مخاوف الاحتلال من كشف حقيقة الحفريات، فى وقت تقوم فيه المؤسسة الصهيونية بتوزيع الأدوار؛ فهناك دور لجهات تعمل تحت أرض مدينة القدس وتحت المسجد الأقصى، وهناك دور لأذرع بلدية الاحتلال التى تهدم المنازل العربية ، وفى الوقت نفسه تصدر تراخيص لآلاف الوحدات الاستيطانية، وهنالك دور آخر لاستغلال المعالم كمزارات سياحية حيث يتم تطويق المسجد الأقصى ، فضلا عن أن هناك دورًا لجهاز "القضاء" الصهيونى ، ودورًا آخر لرؤساء المستوطنات والجمعيات الاستيطانية والأحزاب اليمينية، لتوفير المقتحمين إلى المسجد الأقصى، وفوق كل ذلك دورا لكل "الدولة" العبرية التى تقوم بتوزيع الأدوار من أجل الاستيلاء على الوجود العربى والإسلامى الفلسطينى داخل المدينة المقدسة.

 

إنها باختصار معركة الاحتلال التى تُشَنها بالتوازى فتشمل الإنسان المقدسى والحجر والبشر، وكافة مناحى الحياة، وبالتالى نحن نتنفس الويلات والضربات الصهيونية، وهذه الضربات على الإنسان المقدسى من أجل ترحيله، وجعْل نسبة السكان الأصليين أقلية بحيث تصبح بنسبة 12% عام 2040، وتلك هى الكارثة التى تتهدد القدس برمتها ومنها فى المسجد الأقصى فى القلب، ويبدو الأخطر من كل ذلك أن الحفريات التى تقوم بها إسرائيل منذ فترة طويلة هدفها تغيير معالم الأقصى ووضع الرواية اليهودية مكان الرواية الإسلامية فى محاولة لفرض أمر واقع بواجهة دينية عبر طمس المعالم الإسلامية وإبراز اليهودية المزعومة مجسدة فى الهيكل المزعوم، وأمعانا فى ترسيخ تلك الرؤية فإن سلطات الاحتلال حولت باحات المسجد الأقصى إلى ساحات عامة، ولم يتبق للمسلمين سوى قبة الصخرة والمسجد القبلي، كما أنها بصدد إقامة متاحف حول ساحات الأقصى لتغيير معالمه وجلب السياح وإقناعهم بالرواية الإسرائيلية عن أصل المدينة، كما عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلى على مدار العقود الماضية على توفير غطاء أمنى وسياسى وقانونى لتحركات الجماعات اليهودية المتطرفة فى باحات الأقصى ومحيطه، كما تقوم بإيصاد أبواب الحرم لساعات محددة فى الأعياد والمناسبات اليهودية.Top of Form

 

إذاً ليست القضية فى ادعاء الشرطة الإسرائيلية فى بيان لها قبل أسبوعين، إنها دخلت المسجد الأقصى فقط، بعدما وصلتها معلومات عن تحصن شبان فى داخله بينهم ملثمون قاموا بجمع الحجارة والمفرقعات ونصب الحواجز، وحاولوا منع إغلاق أبوابه عن طريق ربطها مع خزانات الأحذية، وأن شباناً ملثمين قاموا برشق الحجارة تجاه باب المغاربة، ودخلت الشرطة لكى تفرض النظام وإفساح المجال أمام زيارات الأجانب، خاصة أن سلطات الاحتلال نفسها أعلنت قبل أيام عن إزالة البوابات الإلكترونية بالمسجد الأقصى، والتى كانت سببا فى اندلاع الأحداث، بل يبقى الهدف الأسمى هو السعى الحثيث لتحقيق الحلم المزعوم فى إقامة هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى، والذى بدأ التخطيط له منذ الحروب الصليبية، حيث حول "جودفرى دى بويون" ملك القدس سنة 1099م، المسجد إلى كنيسة وسماه معبد سليمان، وفى عصرنا الحديث تتالت الاعتداءات منذ احتلال اليهود للقدس 1967م، حيث عملت سلطات الاحتلال على الحفر تحت المسجد الأقصى بحجة البحث عن آثار هيكل سليمان تأكيدا لهذا التوجه لدى الماسونية، الذى يؤكد الرسالة القديمة التى بعثها أحد الأمريكيين "فرايدى تيري" وهو من زعماء الماسونية فى أمريكا، إلى السلطات الإسلامية فى القدس سنة 1968م، يطلب فيها السماح له بشراء قطعة أرض من الحرم الشريف، بغية إعادة بناء هيكل سليمان، حيث يقول فى رسالته: "أنتم تذكرون أن هيكل سليمان كان المحفل الماسونى الأصلى والملك سليمان كان رئيس هذا المحفل ، لكن الهيكل دمر العام 70 بعد المسيح ، إننى أعرف أن مسجدكم هو صاحب الهيكل ومالكه القانونى ، وإنه أقيم فى المكان ذاته ، وإنى كمسيحى ، وكعضو فى الحركة الماسونية ، أرأس جماعة فى أمريكا يحبون أن يعيدوا بناء هيكل سليمان من جديد، إن مسجدكم لن يفقد السيطرة على الهيكل أبداً، وعندما ينتهى بناء الهيكل، سيكرس للرب، وللملك سليمان وللحركة الماسونية فى العالم، وسيعطى لكم مجاناً، وإلى ذلك، وبإذن مؤسستكم، سيمنح كل أخ ماسونى أسهم فى إعادة البناء، عضوية فى المحفل الماسونى الأول لهيكل سليمان فى مدينة القدس، ومن المقرر أنه لن يزور الهيكل أحد منهم فى حياته، لكن العضوية ستنتقل إلى أولادهم الماسونيين، والتى ستتجدد سنوياً، مما يكفى لحراسة المعبد والاعتناء بمسجد عمر وكل المؤسسات الخيرية التابعة له، وهذا يعنى أن مسجدكم لن يحتاج إلى أية حملة تبرعات فى المستقبل من الأعضاء".

 

إذن هو حلم ماسونى التقى بخيال صهيونى لابتلاع الأقصى بما له من دلالة رمزية لدى العرب والمسلمين، خاصة أن المسلمين وقبل أن توجه قبلتهم نحو المسجد الحرام كانوا يصلون وقبلتهم نحو المسجد الأقصى، لذلك يسمى المسجد بأولى القبلتين، وقد فتح سيّدنا عمر بيت المقدس وأمّن اليهود والنّصارى فيه بما يعرف بالعهدة العمريّة، ولا يختلف أحدٌ على أنّ المسجد الأقصى المبارك هو للمسلمين وحدهم.. لذا فإنه يستصرخكم قائلا: أغيثونى يرحكم الله.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة