استدعى جمال عبد الناصر الدكتور مصطفى الحفناوى من عزبته بالقرب من الإسكندرية عن طريق ضابط شرطة، لا يعرف سبب الاستدعاء، ثم نقلته طائرة حربية إلى القاهرة، وأخيرا إلى حديقة منزل «عبد الناصر» بمنشية البكرى يوم 24 يوليو (مثل هذا اليوم) عام 1956 حسب تأكيد أحمد حمروش فى كتابه «ثورة 23 يوليو «عن» الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»، وفى اللقاء قال عبد الناصر للحفناوى بأنه سيحقق فكرته ويؤمم القناة، وطلب منه المساهمة فى إعداد مشروع التأميم، ويؤكد «حمروش» أن الحفناوى أصابه الهلع، وطلب تأجيل التنفيذ عدة أشهر لتهيئة الرأى العام، محذرا: «أكاد أسمع بأذنى أزيز الطائرات التى ستهجم علينا»
كانت شركة القناة تمثل إقطاعية خاصة بوصف حمروش مؤكدا: كانت مأساة فى حياة الشعب المصرى، مات من أبنائه 120 ألفا وهم مسخرون فى حفرها، ولم تكن مصر تملك شيئا من أموال شركة القناة، وكانت هناك اتفاقية عقدت عام 1949 بين الشركة والحكومة المصرية حصلت بموجبها على 7٪ من الأرباح، وتعيين خمسة مصريين فى مجلس الإدارة، الذى يضم 25 إنجليزيا وفرنسيا، وعندما حاولت حركة الجيش الحصول على شروط أفضل، تمسكت الشركة بمد مدة الامتياز، التى كان مفروضًا أن تنتهى عام 1968 فى مقابل زيادة نسبة الأرباح وزيادة عدد المصريين، ورفضت زيادة عدد المرشدين المصريين رغم وجود عجز 20٪، وظل الموقف كما هو 40 مرشدا مصريا فقط من 205 تستخدمهم الشركة»..
رغم كل هذه الحقائق ورغم أن «الحفناوى» أنفق عمره وعلمه من أجل إثبات سيادة مصر على القناة، حيث حصل على رسالة الدكتوراه حولها من جامعة باريس فى فرنسا عام 1951 (راجع الجزء الثالث من مؤلفه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة) عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب» إلا أن المفاجأة أذهلته، وبعد أن أفاق، وطبقا لحمروش: «طلب عبد الناصر منه أن يروى قصة القناة لعدد من الأشخاص لم يكن يعرفهم، استدعاهم جمال عبد الناصر فرواها إلى ما بعد منتصف الليل ليزيد الحاضرين وضوحا عن أبعاد المأساة، ويضاعف عزمهم على مجابهة هذه الخطوة الجريئة، وأخيرا طلب منه ألا يتصل بأحد مطلقا حتى يعد القانون، ويحضر له فى اليوم التالى».
فى نفس اليوم «24 يوليو» وطبقا لعبد الحميد أبو بكر (القائد الثانى للفريق الذى نفذ عملية التأميم) فى مذكراته «قناة السويس والأيام التى هزت الدنيا (كتاب أكتوبر-دار المعارف-القاهرة): «فى تمام الساعة التاسعة صباحا وصل «عبد الناصر» إلى معمل تكرير البترول بمسطرد لافتتاح خط أنابيب البترول الجديد (السويس/القاهرة)، ومعمل التكرير، وكان برفقته بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة والوزراء، وقبل أن يبدأ جولته لمشاهدة المعمل ونهاية الخط، التفت إلى محمود يونس، رئيس الهيئة العامة للبترول قائلا: اتكلم واشرح ولا تتوقف عن الشرح سواء كنت أسمع لك أولا».
بعد الافتتاح، ارتجل عبد الناصر كلمة ليس لها علاقة بالمناسبة قال فيها: انصبت على قرار أمريكا سحب تمويل السد العالى يوم 19 يوليو 1956 وحملة التشكيك فى سلامة اقتصادنا، وقال الرئيس: نؤمن بأنفسنا، ونؤمن بقوتنا، ونؤمن بعزتنا، ونؤمن بمصر وبأبناء مصر، ونؤمن بشعب مصر، وأضاف عبد الناصر: قامت فى واشنطن ضجة تعلن، وقد تجردت من الحياء، بل تجردت من أى مبدأ من المبادئ، التى تقوم عليها أساس علاقات الدول، تعلن كذبا وخداعا وتضليلا، أن الاقتصاد المصرى يدعو إلى الشك، أننى أنظر وأقول: موتوا بغيظكم، والرد الذى سأقوله لهم على هذا الكلام اليوم، هو غير الرد الذى سأقوله يوم الخميس القادم إن شاء الله، وبعد انتهاء الافتتاح طلب عبد الناصر من يونس أن يقابله فى مبنى مجلس الوزراء الساعة الثانية عشرة ظهرا، فذهب ومعه أبو بكر، وكان يشغل وقتها سكرتير الهيئة العامة للبترول، وظن الاثنان أن اللقاء سيكون لمناقشة قضايا البترول، لكن يونس فوجئ بأن عبد الناصر يبلغه بقراره تأميم القناة، فقام يونس من مقعده وعانق عبد الناصر مهنئا، ثم فوجئ بأن عبد الناصر يقول له: إنى أكلفك بهذه المهمة، وتم استدعاء «أبوبكر»، الذى كان ينتظر فى الخارج، وأبلغه الرئيس أيضا بالقرار، ويؤكد أبوبكر أنه الرئيس قال لهم إن سيعلن القرار فى خطابه مساء بعد غد (26 يوليو)، وأعطاهم ملفا كاملا وبعض الكتب عن القناة كان من بينها كتاب مصطفى الحفناوى، ويقع فى 728 صفحة، فكيف سارت الأمور فى اليوم التالى؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة