عندما يأتى الليل يُخيم الهدوء الشديد على أرجاء المكان، فلا ترى ضوءًا إلا قليلا، ولا تسمع صوتًا إلا همسًا، لكن مثلما الحال فى أى مكان فى العالم تختلف ليالى العمر عن غيرها.. فتعم السعادة ويُسمح بالصخب والتصرف بعفوية.. وفى هذا المضمار يظل "الفرح البدوى" متفردًا بعاداته وتقاليده المتبعة منذ مئات السنين، لذا عايشت "اليوم السابع" حفل زفاف فى قبيلة القرارشة المتواجدة بسلاسل جبال فيران بمحافظة جنوب سيناء من مرحلة استقبال الضيوف فى الصباح حتى الاحتفال الصاخبة فى المساء.
إذا كنت تسير على الطريق السريع يُمكنك بمنتهى السهولة اكتشاف وجود حفل زفاف للقبائل الساكنة للجبال، فالأضواء المعلقة والحركة غير المعتادة تلفت الأنظار، وعبر بوابة خشبية مزينة بالأضواء يمر الضيوف من القبائل المجاورة والمعارف من الموظفين فى الهيئات الحكومية المختلفة المُقيمين فى المحافظة، ليجدوا الكبار والصغار فى استقبالهم داخل العريشة _مكان تجمع أهل القبيلة فى المناسبات_ بعدها يجلس الضيف لاحتساء القهوة والشاى وتُقدم أطباق التمر للتحلية، ثم تُكون حلقات نقاشية حول الأوضاع المختلفة ومن حولهم تنتشر رائحة البخور الجبلى المشتعل بجوار المجلس.
كرم ضيافة يفوق الوصف
وبالتوازى مع استقبال الضيوف تبدأ مراسم التحضير للزفاف، وعادة ما يُحضر المدعون معهم هدايا تُسمى "حمولة" وهى عبارة عن رأس من الغنم أو الماعز لكن إذا لم يرغب والد العريس فى تحميل ضيوفه نفقات إضافية، يبلغهم أن وليمته "فدو" أى لا يريد تكليفهم ماديًا وإحضار هدايا معهم.
وبخلاف دورة تقديم الشاى والقهوة غير المنقطعة على مدار اليوم، يتم تجهيز وجبة غداء سريعة لمن حضر من أول اليوم وهى "الجريشة" المكونة من القمح المطحون والمطهى مع الخبز البدوى "الفراشيح" ويتم تقديمها فى صوانى كبيرة تتسع لخمسة أشخاص وأثناء تناولها يحضر شخص آخر ومعه وعاء يغرف منه السمن البلدى ويضعه على الواجهة كدليل على الكرم وحسن الضيافة، ويتناول الجميع طعامهم بأيديهم ويعتبرون تناوله بالملعقة تصرف ليس محببًا وغير مقبول، وتكمن أهمية تلك المرحلة فى أنها تحدد حجم الحضور حتى يتم الإعداد لوليمة العشاء وفقًا للأعداد الحاضرة.
وليمة العرس
يتم الإعداد لوليمة العشاء بنحر الذبائح وطهيها فى صورة صوانى فتة مع العيش البدوى "الرقاق" وقطع اللحم كبيرة الحجم، وقديمًا كان يقوم بتلك المهمة شباب القبيلة لكن اختصارًا للوقت والجهد يتم الاتفاق فى الوقت الراهن مع طباخ وطاقم كامل لتولى المسئولية، وفى حفل زفافنا تم استقدام الطباخ من محافظة الشرقية، وغالبًا ما يعملون داخل خيمة بجوار مجلس الضيوف ويعاونهم شباب القبيلة فى أعمالهم لإنجازها فى أسرع الوقت حتى يتسنى لهم إضافة اللمسات الأخيرة فى الفترة ما بين صلاتى المغرب والعشاء، لاسيما أن أعداد الضيوف تكون كبيرة نسبيًا.
بعد الانتهاء من إعداد الوليمة، تُوضع الصوانى فى شكل صفوف ثم ينادى والد العريس "العشاء.. العشاء" بعدها يحملها الشباب فى صورة طابور كأنه عرض فنى، ليقدموا الطعام إلى الحضور ويقفون لخدماتهم خاصة أن الوليمة من أهم مظاهر الفرح البدوى وإكرام الضيف الهدف الرئيسى له، وعقب الانتهاء من تناول الطعام ترتفع الأصوات للمطالبة بقراءة سورة الفاتحة حتى تحل البركة على الزواج، ثم يلتقط الشباب الصوانى وبعدها يُقدم الشاى.
مراسم الزفاف والتقاليد الصارمة
على مدار اليوم، ستتأكد أن بعض التقاليد الصارمة مازالت تحكم الزفاف البدوى على رأسها أن السيدات لا يظهرن نهائيًا، ومن تحضر لتقديم التهنئة مع زوجها أو ابنها تمر من مدخل آخر يفضى إلى خيمة تبعد نحو 300 مترًا عن مجلس الرجال وتحجبها أشجار ومنازل، كما أن العرف أيضًا ينص على عدم حضور والد أو أقارب العروس من الدرجة الأولى للفرح القائم فى مجلس العريس ويعتبرونه عيبًا.
وسط كل هذه التجهيزات لا يظهر العريس ويتواجد مع أصدقائه المقربين فى بيته لإنهاء التجهيزات قبل التوجه لإحضار عروسته التى غالبًا ما تصل بعد العشاء فى موكب سيارات يستقبله الأطفال فقط، ثم يمر الموكب بسرعة متجهًا نحو تجمع النساء الذى يدخله العريس فقط، ويجلس فى الكوشة وتبدأ الاحتفالات عبر بث أغانى بدوية وشعبية تقليدية بواسطة الـ"دى جى" الذى يُعتبر من التغييرات الحديثة الطارئة على مراسم الزواج البدوى وإنهاء لزمن الراقصات والفلكور التقليدى، وفى هذه اللحظات تقريبًا يبدأ كبار السن فى الانصراف من المجلس فيما يتبقى الشباب للاحتفال حتى آخر الليل.
بعد الاطمئنان على وصول واجب الضيافة الذى يُعد الشغل الشاغل لأصحاب الفرح، يظهر العريس لاستقبال التهانى من الضيوف مرتديًا الزى التقليدى للبدو المكون من الجلباب والشماغ "لفة الرأس".. ويقول العريس خالد سالم صاحب الـ"30 عامًا" لـ"اليوم السابع: "فضلت التريث وعدم الاستعجال فى الزواج حتى أستطيع تكوين نفسى بصورة جيدة خاصة أنى لم أحصل على مؤهل ولست موظفًا"، مؤكدًا أن الهدف الرئيسى للعرس البدوى يتمثل فى خروج كافة المدعوين سعداء سواء من أبناء قبيلته أو المجاورة أو المحافظات الأخرى وأيضًا كافة الموظفين المتواجدين فى نطاق المكان.
التطور الطبيعى للفرح البدوى
فيما سبق سرد لمظاهر الفرح البدوى إلا أنها مثل أى شىء يطرأ عليها تغييرات وينال منها الزمان، وهذا ما كشف عنه جلسات كبار مشايخ القبيلة واسترجاعهم لذكرياتهم مع حفلات الزفاف ومنهم الشيخ صادقة القراشى الذى قال: "منذ ربع قرن على سبيل المثال كنا نشيد المنازل من أحجار الجبال، ونحضر أثاث بسيط ومرتبة وعدد من البطاطين ودولاب حديد فقط لا غير" لافتا إلى أنهم كانوا يتزوجون بمهر تقليدى بسيط جدًا وأن الزواج كان كلمة هى العقد والميثاق بحضور الشهود والعريس مخير فى اختيار هدايا لزوجته حسب مقدرته فيما بعد ".
ويضيف الشيخ البدوى: "أتذكر أن خطوبتى شارك فيها والدى وعمى، وتوجهوا إلى والد العروسة الذى وافق على الفور، وبعدها تم نحر شاه أحضروها معهم وتم تجهيز وليمة تناولها الجميع فى مجلس والد العروس وهى عادة بدوية مازالت سارية حتى الآن تأكيدا على زيادة أواصر الواد بين العائلة التى أصبحت واحدة".
فيما أوضح أبو سالم وهو رجل فى السبعين من عمره وكما يطلقون عليه "شايب" قائلا: "قبل نصف قرن كانت مساكننا بيوت الشعر _المنسوجة من شعر الماعز والغنم_ ووقتها كان الزواج بتكلفة بسيط فلا يُشترى سوى بطانيتين وصندوق خشبى لوضع الأشياء الضرورية فقط، وبالنسبة لمراسم الزفاف تُحضر العروس داخل هودج على ظهر جمل ثم يسير بها لمسافة تمتد قرابة النصف ساعة ومن حوله يتجمع الشباب ويرقصون الدحية _ إحدى الرقصات البدوية الشهيرة _ ويظل الوضع هكذا حتى تصل العروسة إلى بيت عريسها"، مضيفًا: "حاليًا يتم تجهيز المنازل من المحافظات الحضرية والبعض يفضل قضاء شهر العسل فى المناطق السياحية، إضافة إلى المبالغ فى تجهيز البيوت مما يرهقهم ماديًا ويتسبب فى تأخير سن الزواج قياسًا عما قبل".
وتابع حديثه قائلا: "عندما تزوجت لم تكن هناك فرصة للتعارف بين العريس وعروسته فقط يعرف أهله أن فلان عنده بنت فى سن الزواج بعدها يتم إرسال شخص ثقة لوالدها يخبره أن الشاب يريد ابنته للزواج، ووالدها بدوره يمهلهم فترة قد تصل إلى أسبوع للرد عليهم، وبعد انتهاء المهلة يذهب نفس الشخص للتعرف على الكلمة النهائية، وإذا كان هناك نصيب وقبول يبدأ الشاب فى تجهيز نفسه، ويذهب برفقة عدد من ذويه ليطلبوا العروسة بشكل رسمى ثم يحددون موعد الزواج فى وقت لاحق".
الشاى والقهوة فى استقبال الضيوف داخل ما يسمى بالعريشة
أدوات تجهيز الشاى والقهوة البدوى
أثناء إعداد الشاى للضيوف
تجهيز الغداء للضيوف
إعداد الجريشة المكونة من القمح المطحون والمطهى مع الخبز البدوى
وضع اللمسات الأخيرة على الجريشة
تجهيز العجل للنحر
تجهيز الأغنام للنحر
تجهيز صوانى الغداء
شاب يحمل الغداء
أثناء تناول وجبة الغداء
نحر الأغنام
أحد الطهاة يقطع اللحوم
اللحوم قبل طهيها
الضيوف أثناء تناول الغداء
الطهاة يجهزون ولائم العرس
إشعال البخور فى تقليد قديم فى الزفاف القبلى
الأطفال يشاركون فى إشعال البخور
أحد أطفال القبيلة يجلس داخل العريشة
الأطفال فى مجموعات قبل الزفاف
تقديم الغداء للضيوف
بوابة الفرح فى مدخل القبيلة
بوابة استقبال الضيوف مزينة بالأضواء
توافد الضيوف على حفل الزفاف
عدد من الضيوف يجلسون بالعريشة
صوانى العشاء قبل تقديمها للحضور
حلقة من الشيوخ يتناولون الطعام
قراءة الفاتحة لمباركة الزفاف
خيمة تجهيز الطعام
اللمسات الأخيرة على وليمة العشاء
طفل برفقة والده يتناول الغداء
فتيات يتجولن قبل بدء مراسم الزفاف
طابور تقديم الغداء من خيمة اعداد الطعام إلى العريشة
جلسات الغناء والاحتفال فى مجلس الرجال
الضيوف داخل العريشة يتناولون العشاء
العريس يستقبل التهانى من الضيوف
الاستماع إلى الاغانى البدوية والاحتفال ليلا
الشباب فى الاحتفال الليلى
جانب من الاحتفال المسائى
جلسات السمر بعد تناول وليمة العشاء
شباب يصورون الاحتفال المسائى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة