هل للكتابة أهمية.. عذابات المبدعين بين الشرق والغرب

السبت، 01 يوليو 2017 11:00 م
هل للكتابة أهمية.. عذابات المبدعين بين الشرق والغرب الكاتب الكبير يوسف إدريس
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 يوما ما قال عملاق القصة المصرية القصيرة يوسف إدريس، إنه لا يحب لمن يحبهم أن يحترفوا الكتابة لأن الكاتب الحقيقى لا يعيش الحياة مثل بقية البشر! وواقع الحال أن هذه المقولة ما زالت حاضرة بقوة فى عالم الكتابة وهموم الإبداع وعذابات المبدعين بين الشرق والغرب، فضلا عن أسئلة تطال جدوى الكتابة.
 
وها هى الشاعرة اللبنانية سوزان عليوان تطرح أسئلة قلقة حول جدوى الكتابة فى ضوء تراجع القراءة، فتقول :"لمن يكتب الشعراء المعاصرون والأدباء والمفكرون وكتاب المقال والمدونون الشباب والمتحمسون لفضاءات مستحدثة مثل فيس بوك وتويتر؟ فعليا من الذى يقرأ لنا؟". 
 
وتواصل سوزان عليوان (1974) طرح أسئلتها المتشائمة والمشككة فى جدوى الكتابة لتقول: "أحقا نكتب لجميع الناس؟ وإن كان الأمر كما نأمل وندعى كيف والكثير من الناس يجهل الألف نفسها من أبجدية القراءة؟"!.
 
وترى عليوان التى تكتب قصيدة النثر كما أنها صاحبة إبداعات فى الرسم، أن هناك مساحة شاسعة من العدم تمتد بين الواقع وسقف الكتابة الشاهق؛ "كبرج عاجى متعال فى أغلب الأحيان"؛ فيما تعتبر صاحبة "عصفور المقهى" و"كائن اسمه الحب"، أن على الكتاب أو النخبة المثقفة التواصل الحقيقى مع الناس فى واقعهم.
 
وصاحبة "كراكيب الكلام" و"بيت من سكر" لا تستثنى نفسها مما تصفه بالوهم الجماعى المهول للكتاب، موضحة: "لطالما سحرتنى جماليات اللغة ولكن لم يخطر لى أبدا أن أساهم فى محو الأمية نفسها"، وكأنها بذلك تتفق دون قصد مع كتاب مصريين مثل الباحث نبيل عبد الفتاح الذى أشار غير مرة إلى "بروز بعض الفجوات بين المثقفين وقطاعات جماهيرية عريضة كنتاج لانتشار الأمية بمختلف أنماطها".
 
وإذا كان محمد سلماوى الذى شغل من قبل منصب رئيس اتحاد الكتاب فى مصر، يبدو متحمسا "لتحويل المثقفين من منظرين قد لا يرتبطون ارتباطا مباشرا بالواقع إلى مشاركين فى بحث المشكلات التى تواجه المجتمع وتقديم الأفكار لمعالجتها"، فقد ذهب المفكر العراقى الراحل هادى العلوى إلى أن "المثقف هو الذى يتميز بعمق الوعى المعرفى والاجتماعي"، بينما رأى المفكر الفلسطينى الراحل إدوارد سعيد أن المثقف مدعو لمواجهة كل أنواع التنميط والجمود.
 
وفيما يعد الفيلسوف وعالم الاجتماع والمنظر الأدبى الفرنسى الراحل جان فرانسوا ليوتار أول من أدخل "مصطلح ما بعد الحداثة" فى الأدب والفلسفة والعلوم الاجتماعية، فهو أيضا من تحدث عن "نهاية عصر مثقف السرديات الكبرى وتراجع الأيديولوجيات والأنساق الفكرية الهائلة".
 
ونهاية عصر مثقف السرديات الكبرى اقترن كما لاحظ نبيل عبد الفتاح بسقوط منظورات ورؤى ومفاهيم لم تعد صالحة لتفسير ما يحدث فى هذا العالم.
 
ومع انكسار وتقوض بعض أدوات المثقف فى تكوين رؤاه وإنتاج أفكاره والنقص فى صلاحية العديد من النماذج والرؤى والمقاربات التى ينتجها بعض المثقفين لتفسير الواقع الكونى الهادر - على حد تعبير نبيل عبد الفتاح - ظهرت حالات من الانكفاء والتردد والحيرة والقلق لدى بعض المثقفين والكتاب.
 
وطالت حالة القلق لدى بعض الكتاب جدوى الكتابة ذاتها، بل إن بعضهم لم يتردد فى إبداء الندم لأنه اختار أن يكون كاتبا، وها هو ريك جيكوسكى الكاتب والناقد والأكاديمى والذى تولى من قبل رئاسة لجنة تحكيم جوائز البوكر، يكاد يلعن اللحظة التى عرف فيها الكتابة!.
وفى سياق هذه الحالة العالمية .. يقول جيكوسكي: "لست على ثقة من التأثير الإيجابى للقراءة غير أننى متأكد أن الكتابة تخرج أسوأ ما في، مضيفا فى طرح بصحيفة "الجارديان": "نعيش فى بيئة أدبية غير مريحة وغالبا ما أشعر بالحاجة للتكيف مع متطلبات القراءة ودراسة الأدب الإبداعي، وهذا أمر مفهوم للكتاب والقراء الذين يسعون دوما للتمتع بما يحبونه.
 
وأردف ريك جيكوسكى قائلا: "إننا نشيد بتلك القوة التى نعزوها لمشروع القراءة والكتابة ونعتقد أن التعرض الهائل للأدب العظيم يتيح لنا قاعدة راسخة نشعر بفضلها أننا أكثر عمقا وأننا نفهم أكثر، كما أننا أفضل على وجه العموم، ولكن إذا كان ذلك مجرد افتراض فاسمحوا لى أن أتشكك فيه رغم أننى لا أمتلك دليلا جوهريا ودامغا يسمح لى بالطعن فى صحة هذا الافتراض".
 
وتابع: "لم أجر مقابلات مع آلاف الروائيين والكتاب والنقاد بما يسمح لى بصياغة موضوعية لشكوكى ولكننى أعتمد على تجربتى الذاتية واختبار النفس كشخص غارق حتى أذنيه فى حقل الأدب كأكاديمى وناقد وكاتب، فضلا عن أننى قرأت الكثير والكثير على مدى نصف قرن من الزمان".
 
ومضى جيكوسكى موضحا: "إننى هنا أتحدث بكل صراحة عن مكنون ذاتى ومشاعرى ولا أنطلق إلا من أحكامى الخاصة ولى أن أقول إن كل مغنم يقترن بمغرم وإذا كان الانغماس فى حقل الأدب ينطوى على فوائد، فإنه يتضمن أيضا الكثير من المغارم والخسائر مثل ذلك التشويش الشنيع على الأفكار، فضلا عن الذوات المتورمة والأدعياء المنتفخين بالفراغ الذين يلتقيهم المرء بالضرورة فى هذا المجال".
 
ونوه جيكوسكى بأنه يقرأ لمتعة القراءة ذاتها ولأنه يشعر بالسعادة فى صحبة الكتاب رغم ما ينطوى عليه ذلك من أنانية؛ لأن القراءة الحقة تعنى العزلة الكاملة حتى عن أولئك الأعزاء الذين يشاركون المرء بيته وحياته، ومن ثم فالأمر لا يخلو من قدر من التهرب من المسؤوليات التى قد تكون أهم لهؤلاء الأعزاء من خلوة القراءة.
 
وإذا كانت القراءة رغم مسراتها تنطوى على مثل هذه المثالب حتى لا يمكن وصفها بأنها تشكل أساسا راسخا لبناء الشخصية، فإن جيكوسكى يبدو أكثر تشككا فى مغانم الكتابة، منوها بأنه كتب فى العقد الأخير بانتظام أكثر من أى وقت مضى، غير أنه أدرك كلما كتب أكثر كلما أصبح أسوأ لأنه بات أكثر تمحورا حول الذات وأكثر استغراقا داخل النفس وهياما بها وأقل حساسية لاحتياجات الآخرين ومتطلباتهم.
 
ولاحظ جيكوسكى أن القاص آلان هولينغورست، أشار إلى ظاهرة مماثلة فى سياق حديثه عن أسباب عزلته وأكد أنه عجز عن التوفيق بين متطلبات القراءة والكتابة والاندماج فى الحياة الاجتماعية كما يعرفها الإنسان الطبيعي.
 
أما ريك جيكوسكي، فلا يعيش فى عزلة كاملة مثل آلان هولينغورست، وإنما مع أسرته، ومن هنا فهو يشعر بذنب أكبر لأنه يظلم هذه الأسرة بسبب هموم الكتابة ويقول إنه عندما يكتب يشعر بأنه محموم طوال النهار كما يسهر فى هدأة الليل ويحرم بالتالى زوجته بيليندا من النوم وهو يهذى على الدرج ليقتنص فكرة أو فكرتين.
 
يواصل جيكوسكى حديثه عن هموم الكتابة والإمساك بالفكرة المراوغة، فيقول إنه يشعر أحيانا وكأن لوحة الكمبيوتر قد اختفت وبعد أن يكتب يتجه للفراش، فإذا به عاجز عن النوم وساخط على ما كتبه، فيحاول أن يهرب للقراءة حتى يواتيه النوم وفى اليوم التالى يستيقظ متعبا ومكدود الذهن.
 
وإذا كان جيكوسكى ليس بالروائى أو القاص، فهو يشفق على هذه الفئة من الكتاب .. معتبرا أن مهمتهم أصعب ومعاناتهم أكثر منه ككاتب وناقد وأكاديمي، حتى أنه يبدى دهشته إن كان لأحد المنتمين لهذه الفئة حياته الاجتماعية كبقية البشر العاديين، فيما يعترف بأنه يحسد أى مبدع قادر على "غلق صنبور الأفكار"، وقتما يريد.
 
المفاجأة فى نهاية اعترافات جيكوسكى أنه عاجز عن التوقف عن القراءة والكتابة، فيما يقول إن اللحظة التى يرى فيها مقاله أو كتابه الجديد، يمكن أن تغسل كل همومه ومعاناته، لولا أنه يدخل فى حوار مع الذات حول تعديلات يتصور أنها كانت ستجعل النص أفضل!.
ويتمنى ريك جيكوسكى أن ينفذ نصيحة أسداها له صديقه الناشر توم روزينثال: "انس كل ما كتبت بمجرد النشر وفكر فى عمل جديد".. لكنه بكل الأسف ليس بمقدوره حتى الآن الالتزام بهذه النصيحة!.
 
أما الأديب الأمريكى وأحد أشهر كتاب الرعب فى العالم ستيفن كينج، فقد تناول هموم الكتابة ضمن طرح بصحيفة "نيويورك تايمز" حول مسألة غزارة الإنتاج وهو الذى تجاوزت مبيعات رواياته الـ350 مليون نسخة.
 
وستيفن كينج صاحب العديد من الروايات ومن بينها "كاري" و"الصمود" و"منطقة الموت" و"البريق" و"برج الظلام"، لا يجادل فى أن بعض الكتاب الذين هم أبعد ما يكونون عن غزارة الإنتاج قد تركوا بدورهم بصمات خالدة فى الكتابة مثل الروائية الأمريكية دونا تارت التى لم تنشر سوى ثلاث روايات، ومواطنها جوناثان فرانزن الذى لم ينشر سوى خمس روايات، ومع ذلك فإنهما يصنفان ضمن أفضل الروائيين فى الأدب الأمريكي.
 
غير أن "الفجوات المديدة" بين الكتب لمثل هؤلاء الكتاب الموهوبين تكاد تصيب أديب الرعب الأشهر والكاتب غزير الإنتاج ستيفن كينج بالجنون وهو الذى نشر أكثر من 55 رواية وكتب روايته "الرجل الذى يركض" فى أسبوع واحد.. هذا مبدع يدرك أن "الحياة قصيرة"، كما أنه مهموم بفكرة إمكانية انطفاء الألق الإبداعى ومن ثم فعلى المبدع أن يترك أكبر قدر ممكن من إبداعاته لهذا العالم قبل الرحيل.. هذا كاتب مهموم بحلم الخلود ويحلم بأن يركض إبداعه للأبد فى ذاكرة العالم لينتصر المبدع على الغياب وينمو حضوره حتى وهو راقد فى صمت قبره.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة