علا الشافعى تكتب: سحر واحة الغروب يتجلى فى رمضان.. العمل يفتح نافذة نطل منها على مجتمع شديد التعقيد.. بهاء طاهر روائى يجيد صياغة العوالم المتفردة.. وصدق يوسف إدريس عندما وصفه بكاتب لا يستعير أصابع أحد

الأربعاء، 07 يونيو 2017 06:03 م
علا الشافعى تكتب: سحر واحة الغروب يتجلى فى رمضان.. العمل يفتح نافذة نطل منها على مجتمع شديد التعقيد.. بهاء طاهر روائى يجيد صياغة العوالم المتفردة.. وصدق يوسف إدريس عندما وصفه بكاتب لا يستعير أصابع أحد علا الشافعى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

«أسأل نفسي إن كان مازال هناك طفل يحمل الكعك إلى الدير في علبة بيضاء من الكرتون؟ وأسأل نفسي إن كانوا مازالوا يهدون إلى جيرانهم ذلك البلح المسكر الصغير النوى؟ أسأل نفسي.. أسألها كثيراً».. تلك الجمل التى ختم بها الرواي قصته في " خالتى صفية والدير" هي ما تحمل الإجابة عن لماذا الأدب ؟ ولماذا هناك روايات بعينها تصلح للدراما وأخرى لا؟ هي أسئلة نعيد طرحها عند تحويل أى عمل أدبي إلى سينما أو مسلسل تليفزيونى وباتت هناك الكثير من الجمل الأرشيفية التى نرددها عن زواج الأدب بالسينما ثم الانفصال في مرحلة ما وكيف أن الأدب أضاف الكثير إلى السينما والمسلسلات التليفزيونية وأن يساهم بشكل أو بآخر في إضفاء المزيد من القيمة على الأعمال الفنية.. ورغم أن هذا الكلام ليس بجديد إلا أنه يحمل الكثير من الحقيقة.. خصوصا أن الكثير من كلاسيكيات السينما هى أعمال مأخوذة عن نصوص أدبية لكبار الأدباء ومنهم  يوسف إدريس نجيب محفوظ طه حسين توفيق الحكيم وغيرهم.

 مسلسل واحة الغروب

ويشهد رمضان هذا العام وجود عملين مأخوذين عن نصوص أدبية الأول هو لا تطفئ الشمس للأديب إحسان عبد القدوس والثانى هو واحة الغروب للروائي بهاء طاهر.. وإذا كان إحسان عبد القدوس صاحب الصوت الأعلى في السينما المصرية حيث تم تحويل الكثير من نصوصه الأدبية إلى أعمال سينمائية لا تزال تمتعنا حتى الآن، وفي كل مرة نشاهدها، أما الأديب الكبير بهاء طاهر ورغم تميز العديد من أعماله والتى تصلح لتحويلها إلى أعمال فنية إلا أن السينما والتليفزيون لم يتعاملا مع أدبه إلا في حدود قليلة جدا، ويبدو أن ذلك يعود لعوالمه الخاصة والأجواء التى تتطلبها بعض أعماله وهو ما يترجم إلى كلفة إنتاجية عالية، تلك العوالم المتفردة هي ما جعلت الأديب الكبير يوسف إدريس والذي احتفى بقصة طاهر الأولي في مجلة الكاتب،  يصفه بأنه كاتب «لا يستعير أصابع أحد».

وعلى مدى سنوات رحلته في الكتابة التي بدأها عام 1964م، ظل بهاء طاهر سائراً على الطريق التي بدأ بها خطواته الأولى. فأسس بكتابته عالماً متفرداً بخصائصه، ومكانة متميزة في الأدب العربي المعاصر.  لذلك عندما تم تحويل نص " خالتى صفية والدير" إلى عمل تليفزيونى حقق الكثير من الشعبية والجماهيرية ، وقام ببطولته النجم المبدع الراحل "ممدوح عبد العليم " والنجمة "بوسي" وهو العمل الذي جعل شخصيات الرواية والعمل التليفزيونى "حربي" و"صفية" "والمقدس بشاي" تحولت إلى أيقونات محفورة في الوجدان الشعبي  تماما مثل النقدي والأدبي.

واحة الغروب

 "خالتى صفية والدير" تلك الرواية والتى تبلورت  فيها مهارة بهاء طاهر السردية التي يرويها صبي، على طريقة الراوي العليم، ونستطيع من خلالها أن نتعرف الى أدق التفاصيل في عالم الصعيد بين طبقاته وشرائحه المختلفة، بخاصة بين الأقباط والمسلمين، ودور الدير في حماية بطل العمل، «حربي»، من بطش قريبه الباشا.. هي رواية ونص بديع عن الحب والكره والموت عن تناقضات الحياة والمجتمع، وجميعنا لا نزال نتذكر "حربي".. والذي أصبح هو ممدوح عبدالعليم والذي "قفل" الشخصية بقوة ادائه وإحساسه العالي لكافة مفردات الشخصية  ويصعب أن نتخيل ممثلا آخر في نفس الدور مسلسل «خالتى صفية والدير»، الذى أنتجه قطاع الأخبار واستمر إنتاجه من ١٩٩٣وحتى 1994 وهو العمل الذي صور أيضا  بالأماكن الحقيقية ومنها دير «مار جرجس» بقرية المحروسة أو قرية «البلاليص»، كما أطلق عليها سابقا لاشتهارها بصناعة الفخار، والتى تقع على بعد ١٥ كيلو جنوب محافظة قنا والمعروف عنها فى ذلك الوقت أنه قرية خالية من الإمكانيات ووسائل الراحة.

خالد النبوى

أما في روايته «واحة الغروب» والتى يتم تحويلها الي مسلسل تليفزيونى يقوم ببطولته خالد النبوى ومنة شلبي وعدد كبير من الفنانين وإخراج كاملة أبو ذكرى وإنتاج العدل جروب _) هو أحد رهانات أهم الأعمال الدرامية التى تعرض في رمضان)_والذي تدور أحداثه  في واحة سيوة، إحدى واحات صحراء مصر الغربية، لتكون مسرحاً لأحداثه، حيث يغوص بهاء  في تاريخ الواحة حتى السنوات الأخيرة من القرن الــ 19، ويفتح لنا نافذة نطل منها على مجتمع شديد التعقّد بحدوده وعاداته وطبقاته، يمثّل مادّة خاماً شديدة الثراء لهذه الرواية، وعبر فصول الرواية، نرى مجتمعاً أنهكته الحدود والأسوار..والصراعات الحدود العشائرية تقسمه إلى عشيرتين كبيرتين، الشرقيين والغربيين، لم تنقطع بينهما الحروب عقوداً طويلة، تهدأ أحياناً حقباً قليلة مشحونة بالتوتر من الجانبين، ثم تندلع نارها ثانية مع أقل شرارة. والحدود الطبقية تقسم هذا المجتمع إلى فلاحين وسادة أو زجالة وأجواد. يملك الأجواد الأرض والبساتين، ويسكنون في البلدة الكبيرة، ويتحكمون بقراراتهم في كل صغير وكبير من شؤون الواحة وأهلها. أما الزجالة فهم مجندون للعمل في فلاحة الأرض. يعملون وينامون في البساتين، وممنوع عليهم دخول المدينة وعبور أسوارها بعد غروب الشمس.

 

ورغم الخلاف الذي لا يهدأ بين عشيرتي الواحة،  وما خلفه من أحقاد دفينة، تدفعهم الحاجة إلى التوحد حيال خطر أكبر يأتيهم من الخارج. هذه الخطر هو الحكومة ورجالها ومحاولاتها فرض سلطانها عليهم.. فالواحة التي عاشت على مر قرون، أرضاً مستقلة لا تخضع لأي دولة أو قوة خارجها، تقاوم خضوعها لسلطان الدولة المصرية. ترسل الحكومة جنودها ورجالها، فيثور أهل الواحة عليهم، ويمتنعون عن دفع الضرائب، ويلهب الإنجليز الذين كانوا يحتلون مصر في ذلك الوقت هذا الخلاف، فتتسع الهوة، ويستحيل على الطرفين التوصل إلى حل أو اتفاق.

خالد النبوى

يتخذ بهاء طاهر من هذه الأرض خلفية لروايته، ثم ينسج أحداثها حول خيطين يستمدهما أيضاً من تاريخ الواحة. أول الخيطين هو حادث انهيار معبد أم عبيدة بالواحة عام 1897م، والخيط الآخر هو سؤال يؤرق علماء الآثار عن مكان وجود مدفن "الإسكندر الأكبر"، والنظرية التي لم تثبت صحتها بعد عن وجود هذه المقبرة في واحة سيوة. يتناول الكاتب هذين الخيطين، بسلاسة وحرفية عالية، ويعقدهما معاً، من طريق ربطهما بشخصيتي الرواية الرئيسيتين. الضابط محمود عبد الظاهر، والذي حضر إلى الواحة منفيا  وزوجته الإنجليزية كاثرين الشغوفة بالحضارة المصرية.

منة شلبى

محمود وكاثرين هما شخصيتان تختلفان بمقدار تشابههما، وتتحركان بين جانبي طيف واسع من المتناقضات، منذ الفصول الأولى نعرف أن محمود يعيش أسيراً لماضيه، تعذبه أخطاؤه، ويود دوماً لو كان أرقى، لكنه يَعلق بهذا الماضي الذي لا يرضى عنه، دون أي جهد حقيقي لتغييره، أو إغلاق ملفاته القديمة والبدء من جديد، لذلك نراه منذ بدء الرحلة إلى الواحة يتحدث كثيراً عن الموت،_ ( تيمة الموت حاضرة بقوة في أدب بهاء طاهر دائما هناك بطل يبحث عن الخلاص ويتساءل عن فلسفة الوجود )_ فروحه اليائسة ترى أن الموت هو الخلاص الوحيد المحتمل، وحساب عقله يؤكد له صعوبة المهمة التي أوكلت إليه، واحتمال أن تنتهي حياته على يد أهل الواحة كما انتهت حياة المأمورين السابقين.. لذلك تأتى جملته الأثيرة «خوفي من وصول القافلة سالمة إلى مقصدها لا يقل عن خوفي من أن تضل الطريق. أعلم جيداً أني ذاهب إلى المكان المنذور لقتلي».

منة شلبي
منة شلبي

 

واحة الغروب هي رواية بديعة وساحرة حقا يأخذها المسلسل ويحلق في فضاء أوسع وأكثر رحابة وهو .. ما ظهر منذ الحلقات الأولي للعمل والمتعلقة بكافة التفاصيل الفنية بدءا من الصورة المبهرة والثراء البصري والأزياء والديكور والموسيقي والأداء التمثيلي الساحر لخالد النبوي بطل العمل والنجوم المشاركين حتى في الأدوار الصغيرة.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة