يبدو أن القدر له كلمته، ففى اليوم الذى يحتفل فيه المصريون بذكرى العاشر من رمضان، والتى نجح فيها الجيش فى العبور إلى شرق القناة، وتحرير سيناء، بعد احتلال دام لست سنوات، إلا أن دورة السنة، جعلت العاشر من رمضان يواكب هذا العام الخامس من يونيو، وهو ذكرى النكسة، والتى تسببت فى احتلال جزء من أرض مصر ، عام 1967
.
ففى عام 1967 فوجئ المصريون، بطائرات العدو الإسرائيلى تدك المطارات، واستطاعت إسرائيل فى تدمير أكبر عدد من الطائرات وهى فى أماكنها، وبعد فترة وجيزة، جاء قرار الانسحاب من المشير عبد الحكيم عامر، وظلت سيناء تحت قبضة إسرائيل من يونيو 1967 إلى أن تم تحريرها فى السادس من أكتوبر 1973
عبد الحكيم عامر
يقول الفريق صلاح الحديدى، فى كتابه شاهد على حرب 1967، وفى مقال نشر فى أخبار اليوم بتاريخ مايو 1974، وسجله أمين هويدى، فى كتابه "أضواء على نكسة يونيو وحرب الاستنزاف"، " كل المراقبين والمعلقين يجمعون على أن إسرائيل بدأت حربها فى يونيو 1967 بهذه الضربة الجوية المركزة ضد المطارات المصرية، فى الساعة الثامنة وخمس وأربعون دقيقة، والواقع أن هذا القول غير صحيح بصفة عامة، وغير دقيق بالقدر اللازم، إذ أنه حدث هجوم برى إسرائيلى، على الحدود المصرية قبلها بسبعين دقيقة، وتم احتلال موقع متقدم داخل الحدود، كانت تدافع عنه سرية مشاة مدعمة فى منطقة أم بسيس الأمامية، ومن المرجح أن تكون فعلته إسرائيل كجس نبض أخير لرد الفعل المصرى".
وذكر قصة أم بسيس أيضا اللواء عبد الحميد الدغيدى _وفقا لنفس الكتاب_ فى حديثه لآخر ساعة عام 1974 ، حيث قال "موضوع أم بسيس غريب جدا، وقد سمعت به أثناء محاكمتى".
امين هويدى
ويسرد أمين هويدى، الذى شغل منصب وزير الحربية عقب نكسة يونيو، لحظة الانسحاب التى أمر بها المشير عبد الحكيم عامر، فقال: "أخبرنى الفريق فوزى، وكان وقتئذ رئيسا لهيئة أركان حرب القوات المسلحة، أنه فى وقت مابعد ظهر يوم 6 يونيو 1967 ، استدعاه المشير عامر وكلفه بوضع تصور عام لسحب قواتنا من سيناء على أن يتم ذلك فى أسرع وقت ممكن، وتنفيذا لهذا الأمر اجتمع كل من الفريق محمد فوزى ومعه الفريق أنور القاضى رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، واللواء ممدوح جاد تهامى، من قوة العمليات الحربية، ووضعوا تصورا لعملية الانسحاب، وكتب التصور على ورق وبعد نصف ساعة كان ثلاثتهم أمام المشير عامر ليعرضوا عليه نتيجة الدراسة، وجدوه وقد أسند رجله على سلة المهملات وهو ينظر نظرات زائغة إلى لاشىء، وقرأ اللواء تهامى عليه الدراسة وهنا علق المشير:"ثلاثة ليالى يافوزى، ده أنا أصدرت أوامر الانسحاب خلاص".
من النكسة للانتصار كانت هناك حرب الاستنزاف ، وهى الحرب التى استطاعت فيها مصر أن تحقق نتائج كبيرة ضد العدو الإسرائيلى، ويعتبرها كثير من المؤرخين العسكريين، حربا مستقلة، لها نتائجها الكبيرة والمبهرة والتى لم يلتفت إليها المواطنون كثيرا.
ومرورا بحرب الاستنزاف، وحتى حرب العاشر من رمضان ، يظل طعم الانتصار هو الأفضل أمام الشعب المصرى، الذى استطاع أن يتغلب على كل ما واجهه من تحديات.
يقول المشير أحمد إسماعيل، فى كتاب وثائق حرب أكتوبر للكاتب موسى صبرى:" كانت الجبهة عبارة عن جنود متفرقين على الشاطئ الغربى بلاوحدات تجمعهم، وعدد من الدبابات من مختلف الأنواع، بدون قيادات، مبعثرة هنا وهناك، المعنويات هابطة بعد الانسحاب وبعد تفوق العدو الرابض على الضفة الشرقية، يزهو بانتصاره، ولايفصلنا عنه أكثر من مائتى متر ، وكانت أمامى مهام كثيرة فى ذلك الوقت، هى إعادة بناء القوات المسلحة، وإنشاء دفاعات على الجبهة، وإعادة ثقة الجنود فى أنفسهم وقاداتهم، وإعادة الضبط والربط، وإعادة تدريب القوات وتنظيم الوحدات، وكانت مهمة شاقة فعلا.
أحمد إسماعيل
يقول المشير أحمد إسماعيل فى مكان آخر بنفس الكتاب، ردا على سؤال متى بدأت القوات تعرف ساعة الصفر، فرد على المحاور:" لقد جاء هذا بأسلوب تدريجى، بحيث يعرف القادة والقوات التوقيت المناسب لتحقيق مهمتهم، ففى 6 أكتوبر صدرت الأوامر للطيارين بالإقلاع، وكانوا يتساءلون هل سنقلع لنضرب أو أنها مناورة تدريبية، وصدرت لهم الأوامر فى اللحظة الأخيرة والوقت المناسب".
وفى رده على سؤال كيف أمضى أيام ما قبل العاشر من رمضان، رد المشير أحمد إسماعيل قائلا: "منذ أول أكتوبر وأنا فى مركز العمليات، أتابع كل مايجرى، الصدى اليومى على العدو، تحركاته، وكنت أشعر أنه لايوجد صدى، وكان عملنا يجرى بهدوء".
فى مقال بعنوان "قصة الساعات الأخيرة لخط بارليف" لبول إيدى، نشر فى الصنداى تايمز، فى فبراير 1974، وكان بول قد حصل على تسجيل لجندى إسرائيلى، استطاع أن يسجل كل اللحظات الأولى للحرب، ونجا بالتسجيل، فأعاد بول صياغة مادار، ويذكر الجندى آفى فى التجسيل قائلا: "المصريون ينزلون قوارب الكوماندوز _الصاعقة المصرية_ فى المياه المواجهة لنا مباشرة، أنهم يعبرون الآن بصواريخ مضادة للدبابات على الضفة الشرقية، عدد قليل من دباباتنا يندفع نحو المصريين، مدفعية العدو تطلق نيرانها، القذائف تسقط قريبة منا".
فى تسجيل نادر لارئيل شارون نشره الكاتب الكبير موسى صبرى، وذكر أن المخابرات العسكرية المصرية تحتفظ به، قال :" لقد كان شارون يتحدث إلى قائد طائرة هيلكوبتر وهو يبكى صارخا ويقول "الموقف خطير ، أمامى 250 قتيلا وجريحا، أرسلوا بسرعة طائرات هليكوبتر ، لتساعد فى نقل الضحايا".
ربما تسجل تلك القصص وغيرها، كثير من المواقف التى تؤرخ للحرب، وتوضح مدى الجهد المبذول والعمل للوصول إلى لحظة الانتصار، والعمل على أن تكون هناك خطة موضوعة ومدروسة، تتلافى الأخطاء، وتحاول التغلب على الصعاب.
من جهته يقول اللواء فؤاد حسين، الضابط السابق بجهاز المخابرات الحربية، إن هناك صورة وعكسها مابين يونيو 1967 و العاشر من رمضان 1973 ، ففى الأولى كان هناك عدم وعى كامل، وكنا نثق فى أنفسنا دون معلومة أو تسليح حقيقى، بل كنا نعتبر أن دخول إسرائيل هو أمر هين ولكننا لا نفعله ترفعا منا.
ويضيف اللواء "حسين" أن لحظة دخول إسرائيل سيناء، كانت قاسية للغاية، وكانت النكسة تمثل لنا شيئا مؤلما وفظيعا، فكيف لنا نحن نتغنى بقوتنا، ونجد أنفسنا دون طائرات أو قوة تحمى حدودنا الشرقية.
ويسرد اللواء فؤاد حسين، والذى كان أحد أبرز ضباط المخابرات الحربية فى مكافحة التجسس بتلك الفترة، بأن الفريق محمد صادق، مدير المخابرات الحربية، أمر بنسف قطار مصرى، كنا قد تركناه وراءنا فى سيناء، وكان ينقل الدبابات والمعدات التى تركناها فى انسحاب القوات، فطلب الفريق صادق بنسفه وهو ما تم بالفعل.
ويضيف اللواء "حسين"، أن الوضع على العكس تماما فى حرب 1973 ، كان هناك غياب للمعلومات بشكل كامل لدى الإسرائيلين، وكنا ناجحين فى حرب الخداع الاستراتيجى، حتى أن الإسرائيليين لم يتوقعوا فى أى لحظة أن مصر ستهاجمهم، وكانت حرب العاشر من رمضان، بمثابة الكارثة التى وقعت فوق رؤوسهم.
السادات
جمال عبد الناصر
موسى صبرى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة