أعلنت وزارة العدل رفضها لمشروع القانون المقدم من مجلس النواب، بشأن هيئة الخبرة القضائية، والذى قدمه المستشار بهاء أبوشقة، رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، وأكثر من عُشر أعضاء المجلس.
وطالب قسم التشريع بوزارة العدل، برئاسة المستشار أحمد محب، بأخذ رأى كل من، مجلس القضاء الأعلى عملا بالمادة 185 من الدستور، والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة عملا بالمادة 6 من القانون رقم 118 لسنة 1964، ووزارة المالية عملا بالمادة 27 من القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة، واستطلاع موقفهم من مشروع القانون.
وقال قسم التشريع في ملاحظاته، التى حصل "اليوم السابع" على نسخة منها، إن التحقق من استيفاء النصوص التشريعية لأوضاعها الشكلية يعتبر أمرا سابقا على الخوض في عيوبها الموضوعية، والمشروع تضمن إنشاء هيئة قضائية أسبغ عليها وصف "هيئة الخبرة القضائية"، ما يتصادم مع الأحكام الواردة بالدستور الذى تضمن تنظيم الجهات القضائية واختصاص كل منها، ولم يعد جائزا وجود جهات قضائية أخرى، أو هيئات ذات اختصاص قضائى، وهى التى حددها الدستور حصرا
ولفت قسم التشريع بوزارة العدل، إلى أنه من المقرر وفق المبادئ الدستورية أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أيه جهة عهد إليها المشرع بالفصل فى نزاع معين، يفترض أن يكون اختصاص هذه الجهة محددا بقانون، وأن يغلب على تشكيلها العنصر القضائى، الذي يلزم أن تتوافر فى أعضائه ضمانات الكفاية والحيدة والاستقلال، وأن يعهد إليها المشرع بسلطة الفصل فى خصومة قرارات حاسمة، وهو ما لم يتوفر فى المشروع المقترح.
وتضمنت الملاحظات أيضا، أن المادة 184 من الدستور نصت على أن السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقا للقانون الذى يبين صلاحياتها، إذ تضمنت نصوص الدستور تنظيما متكاملا لجهات القضاء، وتحديد اختصاص كل منها على نحو يمتنع معه على المشرع إنشاء جهات أو هيئات أخرى تنازع الجهات القضائية اختصاصاتها أو تنتزعها منها، وهى القضاء العادى، ومجلس الدولة، والمحكمة الدستورية العليا والقضاء العسكرى.
وأشار قسم التشريع، إلى أن الدستور بالفصل الخامس يبين الهيئتين القضائيتين، وهما النيابة الإدارية وقضايا الدولة، إذ تنص المادة 196 على أن "قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة، تنوب عن الدولة فيما يرفع منها أو عليها من دعاوى، وفى اقتراح تسويتها وديا فى أى مرحلة من مراحل التقاضى، والإشراف الفنى على إدارات الشؤون القانونية بالجهاز الإدارى للدولة بالنسبة للدعاوى التى تباشرها، وتقوم بصياغة مشروعات العقود التى تحال إليها من الجهات الإدارية، وتكون الدولة طرفا فيها وفقا لما ينظمه القانون.
وتنص المادة 197على أن "النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة، تتولى التحقيق فى المخالفات الإدارية والمالية، وكذا التى تحال إليها، ويكون لها بالنسبة لهذه المخالفات السلطات المقررة لجهة الإدارة فى توقيع الجزاءات التأديبية، ويكون الطعن فى قراراتها أمام المحكمة التأديبية المختصة بمجلس الدولة، كما تتولى تحريك ومباشرة الدعاوى والطعون التأديبية أمام محاكم مجلس الدولة، وذلك كله وفقا لما ينظمه القانون. ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى، ويكون لأعضائها كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية. وينظم القانون مساءلتهم تأديبيا".
وتنص المادة 199 على أن "الخبراء القضائيون، وخبراء الطب الشرعى، والأعضاء الفنيون بالشهر العقارى مستقلون فى أداء عملهم، ويتمتعون بالضمانات والحماية اللازمة لتأدية أعمالهم، على النحو الذى ينظمه القانون".
ومن المقرر قانونا أن "المحاكم هى التى تتولى السلطة القضائية، فإذا ما قدر المشرع ملاءمة إسناد الفصل فى بعض الخصومات استثناء إلى إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائى فإن سلطته فى هذا الشأن تكون مقيدة بعدم الخروج على نصوص الدستور"، وحيث إن الدستور قد عرف السلطة القضائية وأوصافها وأعضاءها وحددهم فى المواد 184 و185 و186، واستقرت أحكام المحكمة الدستورية العليا على أن "السلطة القضائية هى إحدى سلطات الدولة الثلاث، وتقوم على ولاية القضاء، وتستقل بشؤون العدالة فى مصر فى مقابل السلطتين التشريعية والتنفيذية"، فإن مصطلح الهيئة القضائية فى النظام القانونى المصرى إن هو إلا اسم جنس تندرج تحته عدة أنواع، منها جهات تمسك بزمام العدالة، وتنفرد على وجه الاستقلال بالفصل فى القضايا على أسس موضوعية، ووفقا لقواعد إجرائية منصفة فى ذاتها، أخصها المحكمة الدستورية العليا ومحاكم جهتى القضاء العادى والإدارى بمختلف درجاتها، ومنها جهات قائمة بذاتها، وهى هيئة قضايا الدولة، وهيئة النيابة الإدارية، وأسبغ عليهما الدستور صفة الهيئة القضائية.
وأوضح المجلس أن النص على ندب الخبير هو بمثابة تفويض جزئى من القضاء لأهل الخبرة، ببحث موضوع محدد ذى طابع فنى يستعصى على القضاء، كنوع من العون له، توطنه للحكم فى الدعاوى كالمسائل الحسابية والهندسية بشعبها المختلفة، وغيرها من المسائل ذات الطبيعة العلمية والفنية التى لا يمكن للقضاة البت فيها دون الالتجاء إلى أهل الخبرة، أما المسائل القانونية فالقضاء أحق بها، ومن ثم لا يجوز أن ينتدب الخبير للإدلاء برأيه فى مسائل قانونية بحتة هى حكر على القضاة، ومن ثم فالخبرة هى نوع من الشهادة تساعد القاضى على تكوين رأيه فى النزاع المطروح.
وأوضح قسم التشريع فى ملاحظاته، أن من المستقر عليه فى محكمة النقض أن المحكمة غير ملزمة برأى الخبير الذى ندبته لإثبات حقيقة الحال، ولكن لها أن تأخذ بما لها من سلطة فى تقدير الأدلة بتقرير الخبير الاستشارى الذى تطمئن عليه، دون أن تناقش تقرير الخبير المنتدب فى رأيه المخالف له، كما أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة الخصوم إلى طلبهم بتعيين خبير فى الدعوى متى وجدت فى أوراقها والقرائن الأخرى ما يكفى لإقناعها بالرأى الذى انتهت إليه.
ومن المقرر أن رأى الخبير لا يخرج عن كونه عنصرا من عناصر الإثبات التى تستقل محكمة الموضوع بتقريرها، دون معقب عليها فى ذلك، فمن حقها فى حدود سلطتها التقديرية الأخذ بالتقرير المقدم من خبير فى الدعوى، ولها أن تأخذ ببعض ما جاء به مما اطمأنت إليه، كما أكدت الملاحظات أن المشروع المقترح خلا من تنظيم خبراء مصلحة الطب الشرعى، الأمر الذى يتعارض مع نص المادة 53 من الدستور "مبدأ المساواة فى الحقوق والواجبات"، كما لم ينظم المشروع أيضا أمر خبراء الجدول.
وتضمنت الملاحظات أن المادة 16 من المشروع المقترح شملت معاقبة التعدى على أعضاء الهيئة بعقوبة مماثلة للتعدى على أعضاء هيئة المحكمة، إذ تقرر حصانة مماثلة لتلك الممنوحة لأعضاء السلطة القضائية، رغم أنها مقصورة عليهم، الأمر الذى يتعين معه حذفها، وكذلك المادة 18 من المشروع التى تضمنت أنه لا يُساءل عضو الهيئة جنائيا وعسكريا عما يرد فى التقرير، فما هو المقصود بعبارة عسكريا؟ فضلا عن أن ذلك مخالف لنص المادة 97 من الدستور، المتضمنة أن حق التقاضى مضمون ومكفول للكافة، الأمر الذى يتعين معه حذفها.
كما طالب قسم التشريع بحذف المادة 20 من المشروع، التى تتضمن أن الخبراء القضائيين والهيئات والجهات القضائية دون غيرهم، لورودها فى الدستور على سبيل الحصر، وأيضا حذف المادة 22 التى تمنح عضو الهيئة الحق فى دخول الأماكن والعقارات والأراضى الزراعية التى يلزم معاينتها أو دخولها، الأمر الذى يتعارض مع نص المادة 58 من الدستور، التى تنص على أن للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر أو الاستغاثة لا يجوز دخولها ولا تفتيشها ولا مراقبتها أو التنصت عليها، إلا بأمر قضائى مسبب يحدد المكان، والتوقيت والغرض منه.
وطالب القسم أيضا فى ملاحظاته، بحذف المادة 35 من المشروع، التى تتضمن التحقيق مع أعضاء الهيئة فى المخالفات التى تقع من الخبراء بمعرفة التحقيقات بالتفتيش الفنى بالهيئة دون غيرها، وهو ما يتعارض مع نص المادة 197 من الدستور بشأن اختصاص النيابة الإدارية، باعتبارها هيئة قضائية مستقلة تتولى التحقيق فى المخالفات الإدارية والمالية، كذلك اختصاص النيابة الإدارية بالتحقيق مع شاغلى الوظائف العليا، إضافة إلى حذف المادة 58 بشأن الواجبات والالتزامات والمميزات والحقوق أو الضمانات المقررة لأعضاء الهيئات القضائية، والتى تتعارض مع مواد الدستور، إذ منح المشروع للخبراء حصانة قضائية مقصورة على الجهات والهيئات القضائية دون غيرها.
وضمن الملاحظات، طالبت بحذف المادة 64 من المشروع، التى تتضمن أن يكون رئيس الهيئة بموجب هذا القانون ضمن تشكيل مجلس الهيئات القضائية الوارد بالقانون رقم 192 لسنة 2008، إذ تنص المادة الثانية منه على أن "يرأس مجلس الهيئات القضائية رئيس الجمهورية، ويشكل من وزير العدل وأعضاء الجهات القضائية، ولما كانت الجهات القضائية واردة على سبيل الحصر بالدستور، ولم يعد جائزا وجود جهات قضائية أخرى أو هيئات ذات اختصاص قضائى غير التى حددها الدستور حصرا"، وأخيرا حذف المادة 68 إذ تتضمن إشارة للقانون 47 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة، رغم إلغائه، كما أن الخبير لا يقوم بعمله إلا إذا صدر حكم بندبه من القاضى، الذى يحدد له مأمورية تنصب فقط على المسائل الفنية والواقعية دون المسائل القانونية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة