بعد فوز الكاتب سمير الفيل بجائزة الدولة التشجيعية، يرى عدد كبير من المثقفين فى مختلف أنحاء الجمهورية أنه جدير بجوائز أرفع منها، كالتفوق والتقديرية فلأول مرة بعد خمسين عاما من الكتابة تكرم الدولة كاتبا يعيش بعيدا عن القاهرة وله عطاء ثقافى واسع.. اليوم السابع تلتقى بالفائز وتجرى معه حوار مختلف.. وإلى نص الحوار..
ـ هل تأخرت الجائزة؟
ـ بالقطع، لكننى فى كل الأحوال أكتب للقارئ، ولا تهمنى الجوائز. أضع نفسى باستمرار فى مواجهة العالم كى أكشف عبر السرد عن حقائق مختبئة وراء القشرة الصلبة التى تغلف السطح.
ـ بدأت شاعرا معروفا ثم انتقلت للقصة.. ما السر وراء ذلك؟
ـ بدأت كتابة القصيدة سنة 1969 وهى السنة التى واجهت فيها مصر العدو الإسرائيلى بحرب الاستنزاف، وقدمنى عبدالرحمن الأبنودى فى قرية كفر البطيخ ، وكان معه إبراهيم رجب ملحن أغنية "يا بيوت السويس" بعودة. تلك البداية جعلتنى كاتبا ملتزما، وسواء كتبت شعرا أو نثرا فالعين الراصدة واحدة. حدث التحول الكبير مع رغبتى فى كتابة عمل سردى، يمجد الشهداء فى حرب أكتوبر 1973 فكانت رواية "رجال وشظايا" التى نشرت بعد ذلك فى الهيئة العامة للكتاب سنة 1990.
ـ حدثنا عن مجموعتك الفائزة "جبل النرجس"؟
ـ لقد كتبت 14 مجموعة قصصية خلال عقد ونصف من الزمن، كانت من بين المجموعات الأخيرة "جبل النرجس"، وهى قصص تدور فى مدينة دمياط، وضواحيها، عن شخصيات تعيش واقعا شرسا بعد إقرار سياسة الانفتاح، فإذا بها تتعثر وتفقد الكثير من أحلامها. المجموعة تعالج فكرة الفقد ، وغياب العدالة الاجتماعية، واستبصار الأخطار فى عالم تسوده رياح الفوضى.
توجد قصص أخرى تتعامل مع أساطير محلية كانت تسود الواقع فى الثلاثين سنة الأخيرة. قد تجد المدينة حاضرة كما فى قصة " البلكونة" أو أن صورة الشهيد توشك أن تنسى" عين حلوان "وهناك قصص تتعامل مع أفكار كبرى مثل الموت " الطريق إلى المقبرة"، وثمة قصص أخرى تتناول فترة الطفولة والذهاب إلى رأس البر "حكايتى مع الجارية"، وهناك قصص ساخرة تنتقد منظومة التعليم "هندسة"، وهناك قصص فيها لعب فنى حميد "حرنكش".
ـ يقول تقرير لجنة القصة عن تجربتك فى المجموعة: "يمتلك الفيل تجربة فنية طويلة ظهرت واضحة فى هذه المجموعة حيث تماسك البناء الفنى ، واللغة الفنية الراقية القادرة على التعبير بوضوح عما يقصده الكاتب".. ما تعليقك؟
ـ تخضع الكتب المقدمة لجائزة الدولة التشجيعية للجان قراءة ، تفحص الأعمال المقدمة وتقدم تقريرها بأسباب الفوز ، وهو ما فعلته لجنة المجلس الأعلى للثقافة، إنها بالقطع لجنة تضم خبراء فى فن السرد، وما كتبوه هو جزء من الحقيقة، فبالإضافة لما سجلوه أعتقد أننى أنوع فى التقنيات، وأتفاعل مع البيئة بشكل فيه احتراف ولكنى أجد نفسى بعيدا عن المباشرة واللغة الزاعقة، وأحرص على أن أخلص لغتى من العاطفة والإسراف فيها والهدف هو أن يكون النص صادقا، وممتعا فى آن واحد.
ـ كيف تختار شخصياتك؟
ـ أعيش فى المدينة ، وقبل عملية الكتابة ، أهبط إلى الأسواق ، ابتاع واشترى حاجياتى ، وأجلس على المقهى أتكلم مع أصدقائى عن كل شىء حتى يتفتق ذهنى عن فكرة ما ، فأمسك طرف الخيط ، وأعكف على كتابة نصى القصصى .
ـ كتب الشاعر الراحل سيد حجاب عن تجربتك الشعرية.. لماذا هجرت الشعر؟
ـ سؤال صعب ، لا أملك إجابة محددة عنه ، ولكننى خلال فترة إصدار دواوينى الخمسة ، كنت أرسل قصصى لتنشر بمجلة "إبداع" فلفتت النصوص انتباه الدكتور عبدالقادر القط، رئيس التحرير، لكننى تفرغت منذ سنة 2001 للقصة القصيرة تماما.
ـ ما سبب ارتباطك بما يسمى "أدب الحرب".. هل هو اختيار فنى أم فكرى؟
ـ فى سنة 1974 أقيمت أول مسابقة قومية للنصوص التى تعالج فكرة حرب أكتوبر 1973 ، وقد حازت قصتى "فى البدء كانت طيبة" الجائزة الأولى على مستوى مصر، وأقيم حفل كبير بنادى الضباط بالزمالك حضرته، وتم تدشينى كاتبا للحرب، فى السنة التالية حدث نفس الشىء بقصة "أحزان الولد شند" وهكذا وجدتنى معروفا كأديب للحرب مع مجموعة كتاب منهم: قاسم مسعد عليوة، سمير عبد الفتاح ، السيد نجم، معصوم مرزوق، محمد عبدالهادى وآخرين.
ـ هل ظهرت الشخصية الدمياطية فى قصصك ؟
ـ بالطبع ، وهو ما نجده فى مجموعتى "صندل أحم" والنصوص تحكى مسيرة صبى فى معرض بيع الأحذية، وقد أدرك الولد طبيعة العلاقات الإنسانية فى البلدة. نفس الشيء تجده فى مجموعة "هوا بحرى" وقصص المجموعة مكثفة ومركزة جدا لعوالم البحر فى عزبة البرج ورأس البر. بدون أى قصد سوف تتسلل شخصياتك لتكون من لحم ودم كلما كنت قريبا من الحدث ومتورطا فيه بشكل أو بآخر.
ـ هل ترجمت قصص لك؟
ـ ترجم لى الدكتور عبدالله الطيب بالإنجليزية "انطولوجيا القصة العربية" بولاية هيوستن بأمريكا، والسيدة آسيا السخيرى ترجمت لى بالفرنسية، لكن أكثر ما أسعدنى أن الناقد الدكتور السيد فضل قرر تدريس قصصى منذ عامين فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
ـ ما مشروعك القادم؟
ـ أفكر فى معالجة أحداث ثورة 2011 من منظور سردى مختلف، المسألة صعبة جدا، لقربنا من الأحداث لكن مخيلة الكاتب لن تعدم وجود وسائل فنية للتناول الجمالى المدهش لحدث مثير كهذا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة