فيروس غامض ينتشر بين أفراد عائلة ولا تموت إلا فتاة واحدة، وجبات مدرسية تتسبب فى تسمم غذائى للطلاب فى الفيوم فتشتكى بعدها بنى سويف والمنيا وغيرها من المحافظات من نفس الأعراض، تتعدد الحوادث الغريبة بشكل متتالى ولا نعلم لهذه الظاهرة سبب، وتكون الأعراض المرضية فيها غير حقيقية ومع ذلك تنتشر على نطاق واسع.
واتضح أن هذا الفيروس الغامض لم يكن إلا إصابة لطفلة بعدوى فى حميات إمبابة ذهب على إثره كل أفراد العائلة للمستشفى بنفس الأعراض، ولكنهم لم يشتكوا فعليا من شىء، وتبين أن الوجبات المدرسية التى اشتكى منها الطلاب على نطاق 6 محافظات لم تكن كذلك ولم تؤدى للتسمم الغذائى فى كل هذه المناطق، ولكن هذا ما يسمى بـ"عدوى الوهم" التى تنتقل بالإيحاء لتظهر أعراضها على المحيطين.
وهناك الكثير من هذه الحالات، فهى ليست مجرد حوادث عابرة بل إنها تحدث لنا أيضا ولغيرنا من الأصدقاء وأفراد العائلة وزملاء العمل، ففى كل مكان هناك شخص يعانى من عدوى الوهم، والتقينا بعدد من هؤلاء الأشخاص الذى رووا تجاربهم مع الشعور بالمرض بالإيحاء، فمنهم من عانى من الصداع والتهاب الأعصاب ووصل الحال لآلام سرطان الثدى.
تأثير الإيحاء
عدوى التهاب الأعصاب
قالت أمنية فوزى، خريجة صحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إنها تتأثر كثيرا بأى مرض يصيب أحد من أهلها أو أصدقائها وتمرض مع ملاحظة أى مرض يصيبهم، مؤكدة أن أبسط ما تشعر به هى آلام الصداع ووصل معها الأمر لحد الإصابة بالتهاب الأعصاب فى أيديها وأرجلها.
وأضافت فوزى، "كانت والدتى تعانى من التهاب فى الأعصاب وبعدها شعرت بنفس الأعراض وتألمت كثيرا، حتى شك من فى البيت أننى أعانى بالفعل من هذا المرض، وليس هذا الموقف هو الوحيد بل إن صديقتى المقربة كان لديها آلام فى الظهر فشعرت بنفس الآلام وفى نفس المكان الذى تشتكى منه"، لافتة إلى أن هذا الألم يستمر معها والأعراض المرضية إلى أن يشفى الشخص الآخر الذى يعانى فعلا من المرض.
تجارب الأطباء أنفسهم مع توهم المرض
من جانبها، قالت الدكتورة منال عبد الكافى، طبيب مقيم بمستشفى الأقصر الدولى، إن لديها تجارب كثيرة مع هذه الحالة، خاصة خلال فترة الدراسة، فكل "راوند" تمر به فى تخصص ما تشعر بأعراض أمراضه، وعلى سبيل المثال كانت تصاب بالسعال دائما فى "راوند" الصدرية وتعانى من مشكلات فى العين فالمحاضرات الخاصة بالرمد، وتستمر الأعراض معها حتى تنتهى مدة أيام "الراوند".
وأكدت عبد الكافى، أنها ليست الحالة الوحيدة، ولكن كان لها رفيق يشعر بنفس الأعراض، ومن الطريف وقتها أنه كان يخاف ما قد يشعر به عند حضور "راوند" النساء، مضيفة "كنت آخذ علاج من أدوية خاصة بالعرض المرضى الذى أعانى منه ولا يأتى بنتيجة حقيقية لأن المرض فى الأساس كان نفسيا ولم أكن أعلم ذلك فى البداية".
وفى ذات السياق، أوضحت سارة محمد، خريجة صيدلة إكلينيكية، أن الدراسة كانت تشمل على مواد كثيرة من مناهج الطب، وكانت تدرس عن علاج الأمراض النفسية وعندما يتحدث الدكتور عن مرض تشعر به، فشعرت بالفعل بأعراض الاكتئاب الحاد "major "deppression، وعانت من الدخول فى عزلة والحزن بلا سبب وعدم الرغبة فى أى شىء، وعند دراسة أنواع الصداع عايشت فترة كبيرة تعانى من صداع رهيب لا يذهب بمسكنات ولا له أسباب وكشفت عند كل التخصصات تقريباً إلى إجراء رسم مخ، ولكن كب شىء سليم كان سليم.
وأضافت محمد، أنها فى آخر سنة من الكلية، كان هناك جزء عن المنهج عن سرطان الثدى، فعانت من آلام شديدة فى الثدى و إحساس بكتل فيه، ومن كثرة خوفها كشفت وعملت تحليل الكشف عن المرض "mammography"، وتعجبت الطبيبة من خضوعها لمثل هذا التحليل فى هذا السن المبكر.
وهم الايحاء
عدوى الوهم تتنقل بين أفراد الأسرة
أشارت مها العسيلى، باحثة فى الإعلام والمواد الإخبارية، إلى أن والدتها تعانى دائما من التعب بمجرد رؤية زميل فى العمل يشتكى من أحد الآلام، حتى إنها تكشف وتجد نفسها مريضة بالفعل، مؤكدة "كنت دائما أنصحها أنه مجرد احساس ويجب أن تواجهه إلا أنه وفجأة أصبحت أخاف من سيرة المرض أو رؤية أعراضه وأشعر به".
وتابعت العسيلى، أنها كانت تتأثر جدا بإعلانات السرطانات وتخاف منها وتشعر بأعراضها حتى زاد الأمر وذهبت للكشف وبالفعل وجدت ورم خميد واستأصلته، ومن بعدها أصبح لديها فوبيا من أى شىء عن الأمراض وكذلك والدتها.
ابتسام تقمصت دور المريضة فصدقته
تجربة ابتسام رفعت، خريجة كلية إعلام جامعة القاهرة، كانت مختلفة عن غيرها من التجارب، حيث إنها كانت مع صديقتها وتريد الخروج معها وعدم حضور المحاضرة ومع ذلك لا يمكنها أن تفقد درجات الغياب، وعندها فكرت أن تمثل دور المريضة أمام الدكتور الذى وافق على خروجهما وخرجت مستندة على صديقتها وتمثل الشعور بالدوخة، والغريب أنها بالفعل تغلبها شعور الدوخة ودرجة حرارتها ارتفعت ولا تتمكن من الخروج بل عادت للمنزل تعبانة لأيام.
تتعب من القراءة عن أعراض المرض
فى هذا الصدد، قالت ريم وجيه، ليسانس آداب، وربة منزل، إنها تشعر بأعراض المرض من خلال القراءة، فكلما قرأت عن مرض تجد أعراضه تظهر عليها، مثلًا عند قراءة بعض المضاعفات أو الآثار الجانبية لدواء معين تعانى من حالات مشابهة لذلك، ويحدث لها أمور غريبة أيضا عند سماع تفاصيل عن المرض من أحد الأصدقاء.
مشاهدة الأفلام تصيبنى بالأمراض
"أهلة طارق"، معيدة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى بالإسكندرية، تروى تجربتها المزعجة مع المرض بالإيحاء، والتى تتكرر بكثرة عند مشاهدة الأفلام، وحدوث أى أعراض مرضية أمامها، مؤكدة "يكون عندى وسواس بكل أعراض المرض، وأذهب للدكتور ولكن دون جدوى ولكن الأمر أصبح يضايقنى كثيرا، لأنه يأتى لى بشأن مشكلات فى الإنجاب فى المستقبل أو أمراض خبيثة.
العلاج بالإيحاء
وهم عدوى أنفلونزا الطيور
من جانبها، أوضحت شروق فؤاد، متخصص موارد بشرية، أنه عند انتشار أنفلونزا الطيور، وتحدث الأخبار عن حالات الوفيات الناتجة عنه، بدأت تشعر فعليا بأعراض منه من سخونة واحتقان للحلق وانسداج للأنف مع الارتعاش وعدم القدرة على الوقوف، واقتنعت بشكل كامل أنها مصابة بانفلونزا الطيور وأخذت كل الاحتياطات بوضع كمامة لتجنب باقى العائلة من العدوى، ولكن الجميع لا يصدقونها ومرت أيام حتى أصبحت أفضل وبدون أى أدوية.
الإيحاء ما بين أسلوب علاجى ووهم العدوى
فسر جمال فرويز، استشارى الطب النفسى بالأكاديمية الطبية، فكرة انتقال المرض من شخص لآخر بالإيحاء، وكذلك توهم المرض على أن كل منها له تفسيره الطبى واسمه فى الطب النفسى، قائلا: " هناك مرض يسمى توهم المرض (hypochondriasis)، يتوهم فيه الشخص المرض ويخاف جدا من الإصابة به، حتى إن أحيانا يظهر عليه شحوب وضعف عام وضربات قلب زيادة وهكذا.
ولفت إلى أن هناك آخرين يشعرون إذا تعرض شخص لمشكلة ما أنهم يشاركونه الأعراض، وتكون خاصة فى السن الصغير وصولا لسن الـ 22 سنة وهذا ما يفسر ما حدث فى حالات الوجبات المدرسية بشكل خاص، فيحدث لهم شىء يسمى بالمشاركة فى الأعراض الهيستيرية.
وتابعت الدكتورة هبة السويدى، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن هناك تجربة أجراها الأطباء على شخص محكوم عليه بالإعدام عند تنفيذ الحكم من خلال الشرح له أنه سيموت بقطعهم لثلاث شرايين له ثم سينزف ثلاث ساعات متواصلة ويموت بعدها، وبالفعل دخل غرفة العمليات وتعرض لجرح بسيط وليس لقطع شرايين ووضعوا صوت لتنقيط ماء بجانبه ليتخيل أنه صوت الدماء التى تسقط منه، وبالفعل مات بعد ثلاث ساعات بالإيحاء.
الإيحاء
كيف يستخدم الإيحاء فى العلاج الحقيقى للأمراض؟
وعلى جانب آخر، أوضحت السويدى، أن أسلوب الإيحاء الذاتى فكرته هى السيطرة على جسمك وأفكارك، فهو وسيلة استخدمت طبيا للعلاج أيضا، وبدأت منذ قدماء المصريين حيث ابتكار فكرة النوم العلاجى، ثم ظهر بشكل علمى وتجارب حية فى الثلاثينات من العصر الجديد وأصبح اتجاه عالمى.
وأضافت العيسوى، أن أول من اعتمد هذه الوسيلة قال إننا من الممكن أن نتخلص من مشكلاتنا من خلال رسالة لعقلنا الباطن، والفكرة تعتمد على أن المخ يرسل أربع موجات كهربائية مختلفة وكل واحدة منها تحدد درجات النوم والاستيقاظ، ومنها موجات الألفا التى تكون عند حالة ما قبل النوم وما قبل الاستيقاظ، مؤكدة أن العقل الباطن يمثل 90% من تصرفاتنا والمخزون الشخصى وهو ما يبرر الكثير من ردود أفعالنا اللاشعوريا.
مشكلات صحية ونفسية يتعامل معها العلاج بالإيحاء
فيما أكدت دكتورة هبة العيسوى، أنه من السهل جدا فى ذلك الوقت أن يعالج الطبيب حالات الإدمان واضطرابات الأكل النفسية، وكذلك تفيد فى القضاء على الأعراض النفس جسدية مثل ارتفاع ضغط الدم والفوبيا، لافتة إلى تقليل جرعات الدواء فى الكورس العلاجى لأن مفعول الإيحاء يكون أسرع من أداء الدواء نفسه، ويمكن أن يقوم به المريض بنفسه من خلال تسجيل له أو الكتابة على ورقة متعلقة أمامه، وعند الدخول فى هذه المرحلة يبدأ بإقناع نفسه بجمل مثل أنا ليس مريض ويجب أن أسامح نفسى وأنا لا أشعر بالألم.
وسلط الدكتور ماهر الضبع، أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية، الضوء على العلاج بالإيحاء أو ما يسمى علميا "البلاسيبو"، والذى يساعد المريض كوسيلة علاجية ليست طويلة الأمد ولكن ذات مدى قصير، ويمكن أن تكون فعالة فى حالات مثل الاكتئاب والمشاعر السلبية وحالات التوتر والقلق وعادات التدخين.
وأكد الضبع، أن البلاسيبو هو سبب من 30 لـ 40 % من زيارة الطبيب، موضحا أن المريض إذا قال له شخص آخر أن "دكتور معين" هو من سيجد عنده الحل، سيصدقه تماما ويذهب له، وبنسبة 40% ستختفى الأعراض مع دخول عيادة الطبيب، و60% دواء ومهارة الطبيب الفعلية.
بركات أعمال الزار والدجالين جزء من أسلوب الإيحاء الذاتى
كشفت الدكتورة هبة العيسوى عن حقيقة أعمال الزار من خلال التأكيد على استخدامهم لأسلوب الإيحاء، والتمهيد لكل الظروف المحيطة لتكون بشكل معين، فيرى الشخص البخور والدخان والمنظر المشوش الذى يؤثر على دماغه ويجعله يستجيب لهذا الجو الايحائى المعين، فالجسم يبدأ فى التفاعل مع هذا المحيط.
وحددت الدكتورة أسماء عبد العظيم، فكرة الدجل باستخدام أسلوب الإيحاء فى توصيل الرسالة التى يبلغها الدجال، أن التمتمة والحروف غير المفهومة تمثل 7% من محتوى الرسالة التى يوصلها للشخص، و38% من نبرة الصوت، بالإضافة إلى 55% لغة الجسد وتضم نظرة العين وحركات الأيد المخيفة التى يستخدمها ليؤكد أن هناك أشياء تحدثه من الخارج ويتفاعل الشخص مع ذلك وقد يغشى عليه وغيرها من الأعراض التى تحدث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة