الأدب نافذة تطل على الحياة بكل ما فيها وإذا كانت الثقافة فى أحد معانيها تعنى رؤية ما للحياة والوجود فإن النظرة لعالم الحيوان تختلف بلا ريب من زمن لزمن، كما أن أسلوب التناول وحتى تصرفات الحيوانات فى زمن الجاحظ ودانتى مثلا أو زمن عباس محمود العقاد تختلف عن عصر ما بعد الحداثة.
والمفكر المصرى العملاق عباس محمود العقاد ذهب إلى شىء من هذا عندما قرر عقد ندوته الأسبوعية فى بادئ الأمر بجزيرة الشاى فى حديقة الحيوان بالجيزة وكان يطيب له أن يداعب رواد ندوته بتشبيه كل منهم بحيوان بعينه اعتمادا على فراسته فى المطابقة بين حيوان معين وواحد من رواد الندوة وقد بدأ العقاد بنفسه واختار أن يكون زرافة وأحسن الاختيار كما يرى الكاتب وديع فلسطين!.
فالعقاد العظيم يضيق بالأقفاص والسدود والقيود ثم إنه فارع الطول كالزرافة تماما أما الشاعر عبد الرحمن صدقى وكان بدوره طويلا عريضا فقد جعل العقاد منه "بطريقا" أو "نيجوين" وهو طائر يمشى منتصبا مختالا مرفوع الرأس.
أما الكاتب الكبير على أدهم فكان نصيبه عند العقاد الإبداع فى قفص الضبع فى حين اختار للموسيقار محمد حسن الشجاعى وكان ضخم الجثة تقمص شخصية "فرس البحر" الذى يعرف باسم "سيد قشطة" بينما أودع الكاتب عصام الدين حفنى ناصف المعروف بأفكاره الاشتراكية والماركسية قفص الدب القطبى الروسى تماشيا مع مذهبه السياسى حينئذ !.
وعندما أصدر الكاتب طاهر الطناحى كتابه "حديقة الأدباء" آثر أن يصور الكاتب الكبير توفيق الحكيم فى صورة عصفور ربما استيحاء من روايته "عصفور من الشرق" وحرص الطناحى أيضا على أن يختار لكل أديب حيوان أو طائر يناسبه.
وهكذا فطه حسين "كروان" وعباس محمود العقاد "عقاب" والعالم الأديب أحمد زكى "ديك" وعزيز أباظة "بلبل" والشاعر ابراهيم ناجى "سنجاب" وأحمد لطفى السيد "نسر" والشاعر اللبنانى ميخائيل نعيمة "طاووس" وفكرى أباظة "بولدوج" ومحمود تيمور "هدهد" وأمير بقطر "أبو قردان".
أما أحمد رامى ففراشة وأمينة السعيد "زرقاء اليمامة" وأحمد أمين "مالك الحزين" ربما لأنه لم يكن يعرف الابتسام كما يقول الكاتب الكبير وديع فلسطين.
"ولئن كان" الأديب والكاتب اللبنانى الأصل وصاحب الحضور الثقافى المتوهج فى فرنسا امين معلوف يحث فى رواية "حدائق النور" الإنسان المعاصر على البحث عن "المادة المنيرة" فى كل فكر فإن كتاب: "أرض خضراء وطيبة" لأروسولا بوكان يتناول دور الفلاحين الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية مع تركيز واضح على فكرة تحول المواطن العادى إلى مزارع لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء فى زمن الحرب.
وهكذا ظهرت فرق "فتيات الأرض" لتحل محل المزارعين الرجال الذين جندوا فى الجيش فيما تسرد مؤلفة الكتاب وهى متخصصة فى البستنة الكثير من القصص حول تحويل الحدائق والبساتين وحتى مشاتل الزهور إلى حقول لزراعة المواد الغذائية الأساسية "لأمة فى حرب".
ورغم شعور اورسولا بوكان بالأسى حيال ما حدث أيامئذ فى بلادها من تحويل حدائق الورد لحقول بطاطس فإن ذلك يشكل جزءا من ثمن النصر دفعه الإنجليز عن طيب خاطر ومن أجل مستقبل حافل بالورود!.