وفاء عبدالسلام

دورة رمضانية «الشفقة»

السبت، 24 يونيو 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دورتنا الرمضانية اليوم عن الشَّفَقَة والتى هى ضرب من الرِّقَّة وضعف القلب، ينال الإنسان، ومِنْ ثمَّ يُقال للأمِّ: إنَّها تُشْفِق على ولدها، أى: تَرِقُّ له. 
وعندما سُئل الإمام الجنيد عن الشَّفَقَة على الخَلْق ما هى؟-: «تعطيهم من نفسك ما يطلبون، ولا تحمِّلهم ما لا يطيقون، ولا تخاطبهم بما لا يعلمون»
وكان صلى الله عليه وسلم شَفِيقًا على أمَّته، رحيمًا بهم، وشَفَقَته ورحمته لم تكن خاصَّة بالمؤمنين، بل كان يُشْفِق على الكافرين ممَّن لا يدين بدين الإسلام، فصلوات ربِّى وسلامه عليه قال فى حديث الشَّفاعة: ««أمَّتى أمَّتى»» 
ولقد بلغت شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم بأمته حدًّا لا يتخيله عقل، حتى إن الأمر وصل إلى خوفه عليهم من كثرة العبادة!!، مع أن التقرب إلى الله والتبتل إليه أمر محمود مرغوب، بل هو مأمور به، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخشى على أمته من المبالغة فى الأمر فيفتقدون التوازن فى حياتهم، أو يصل بهم الأمر إلى المَلل والكسل، أو يصل بهم الحد إلى الإرهاق الزائد عن طاقة الإنسان، لذلك رأيناه كثيرًا ما يُعرِضُ عن عملٍ من الأعمال، مُقرَّبٍ إلى قلبه، محببٍ إلى نفسه، لا لشىء إلا لخوفه أن يُفرَض على أمته فيعنتهم ويشق عليهم.. 
وقال الله تعالى فى وصف شفقة الرسول بالمؤمنين: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
وتقول أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها: ««إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِ»» وفى رواية: ««وَكَانَ رَسُولُ الله يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ مِنْ الْفَرَائِضِ»» ولذلك كان كثيرًا ما يقول كلمة: ««لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى»»، دلالة على أنه يحب الأمر، ولكنه يخشى الفتنة على الأمة.. 
وعن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّ النَّبى صلى الله عليه وسلم قال: ««إذا أمَّ أحدكم النَّاس فليُخَفِّف؛ فإنَّ فيهم الصَّغير والكبير والضَّعيف والمريض، فإذا صلَّى وحْدَه، فليصل كيف شاء».. 
وقيل القلوب ظُرُوف، فقلب مملوء إيمانًا، فعلامته الشَّفَقَة على جميع المسلمين، والاهتمام بما يهمُّهم، ومعاونتهم على أن يعود صلاحه إليهم.
والمتَحَلِّى بالشفقة يتحلَّى بخُلُق تحلَّى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهلها مخصوصون برحمة الله، جزاءً لشَفَقَتهم ورحمتهم بخَلْقه. 
ومن ثمار الشفقة محبَّة الله للعبد، ومن ثمَّ محبَّة النَّاس له، فهى ركيزة عظيمة ينبنى عليها مجتمع مسلم متماسك، يعطف بعضه على بعض، ويُشفق بعضه على بعض، والشفقة مظهر من مظاهر العِشْرة الطَّيِّبة، وهى خُلق مُتعدٍّ إلى جميع خَلْق الله: من إنسان أو حيوان، بعيدٍ أو قريبٍ، مسلمٍ أو غير مسلمٍ.
والشفقة سبب للالتفات إلى ضعفاء المجتمع من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والكبار والعَجَزة، فممَّا يُــرَقِّق القلب، ويدعو إلى الرَّحمة والشَّفَقَة الاختلاط بهم وأيضا مَسْحُ رأس اليتيم يرقق القلب ويكسب صاحبه الشفقة فقد شكا رجلًا إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قسوةَ قلبِه فقال«« امسَحْ رأسَ اليتيمِ وأطعِمِ المسكينَ»» 
وضرب محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زُرعة ابن أبى زُرعة بن إبراهيم الثَّقفى مثلا رائعا من شفقة العلماء على خلق الله، فقد قيل: ولى قضاء مصر فى سنة أربع وثمانين ومائتين، فى إمارة خمارويه.
كان كثير الشَّفَقَة، رقيق القلب، يَغْرَم عن الفقراء والمستورين إذا أفلسوا، حتى كان بعضهم إذا أراد أن يتنزَّه، أخذ بيد رفيقه فادَّعى عليه عند القاضى، فيعترف ويبكى، ويدَّعى أنَّه لا يقدر على وفائه، ويسأل خصمه فيه، فلا يجيبه، فيغرم عنه.
وحكى بعض الشَّاميين أنَّه حصلت له إضاقة، فقال لبعض أصدقائه: قدِّمنى إلى القاضى فلعلَّه يعطيك عنى شيئًا أنتفع به. ففعلت، وقلت: أيَّد الله القاضى: لى على هذا الرَّجل ستون درهمًا صحاحًا. فقال: ما تقول؟ فأقرَّ. فقال: أعطه حقَّه، فبكى، وقال: ما معى شيء. فقال لى: إن رأيت أن تنظره؟ فقلت: لا. قال: فصالحه. فقلت: لا. فقال إنَّك لقيط، فما الذى تريد؟ قلت: السِّجن. فقال: لا تفعل. فأدخل يده تحت مصلَّاه، فأخرج دراهم، فعدَّ لى ستين درهمًا، فدفعتها للرَّجل، وآليت أن لا أفعل ذلك بعدها.
اللهم رقق قلوبنا و أذقنا حلاوة الإيمان






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة