د. عباس شومان

مباشرة الأسباب

الجمعة، 02 يونيو 2017 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قال تعالى: «هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا»
 
قال الله جل وعلا: {هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعا} [البقرة:29]، أى أوجد عن علم وتقدير على ما اقتضته حكمته جلّ وعلا، وعلمه؛ ما فى الأرض لكم، واللام فى﴿ لَكُمْ ﴾: لها معنيان؛ المعنى الأول: الإباحة، كما تقول: «أبحت لك»؛ والمعنى الثانى: التعليل: أى خلق لأجلكم.. 
 
فهذه الآية تفيد قاعدة أصولية: هى أن الأصل فى الأشياء الإباحة والطهارة، ما لم يرد نص بتحريمها، حتى إن الله تعالى ليؤكد أن الإباحة والطهارة تشمل كل ما خلق الله فىالدنيا فيقول جل وعلا : {جَمِيعا} أى كل ما فى الدنيا.
 
فالأصل فى المخلوقات الطهارة والإباحة إلا ما دل الدليل على نجاسته أو دل الدليل على حرمته، فمن خرج على هذا الأصل يحتاج إلى دليل، فالأصل فىالبيوع -مثلا- الحل، قال الله جل وعلا: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275]، فمن قال: هات دليلا على أن هذا البيع حلال، قلنا له: لا نحتاج إلى دليل، بل تحتاج إليه أنت إن قلت: إنه حرام.
 
والمعنى الثانى للام هو التعليل، أى خلقها لأجلكم، ولأجل أن تنتفعوا بها، وعلى هذا فإن من ضاقت عقولهم وحرموا على الناس ما خلق الله من مباهج الحياة فانزووا فى ركن من أركانها، وانعزلوا عن الخلق كأنهم لا يلتفتون إلى قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التى أخرج الله لعباده والطيبات من الرزق) فمثل هؤلاء يحتاجون إلى أدلة واضحة تحرم الدنيا وما فيها من زينة ظاهرة. وإنى لأعجب من هؤلاء كيف يتبنون الدعوة إلى ترك الدنيا ليتملك أسبابها غيرنا فتضعف الأمة، بدلا من الدعوة إلى مباشرة أسباب الأرض لنحقق الخيرية ونكون أمة تقود ولا تقاد.
 
ولعل هذه الآية تحمل فى ثناياها دعوة كذلك إلى أن يمسك كل إنسان لسانه فلا يتكلم فى دين الله إلا بما يعلم، ولا يفتى إلا بما يتمكن فيه ويحصل أدواته.
فليفرح الله بخلق الله، وليقبل على دنياه بالعمل والنشاط، وليباشر الدنيا ليكون أداة فاعلة فى تقدم الأمة لا فى تأخرها.
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة