محمد الشحات يكتب: "نقطة نظام" لصبحى موسى تمثيلات الهزيمة وتفكيك أنساق الفساد

الإثنين، 08 مايو 2017 08:00 ص
محمد الشحات يكتب: "نقطة نظام" لصبحى موسى تمثيلات الهزيمة وتفكيك أنساق الفساد الدكتور محمد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى روايته الأخيرة "نقطة نظام"، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية 2017، يقدّم الروائى المصرى صبحى موسى تمثيلًا Representation سرديًا وثقافيًا هو بمثابة إعادة تأويل للجملة الثقافية المتداولة "الشعب يريد إسقاط النظام" التى راجت مع موجات الربيع العربى 2011، وظلت هذه الجملة/المقولة/الشعار متصلةً بنبض الشعوب العربية قدر اتصالهم هم أنفسهم بها وبما تبثّه فيهم من طاقة ثورية خلّاقة، فأمست أيقونةً دالةً على كل رغبة شعبية حقيقية فى التحرّر والتطهّر من أى نزعة كولونيالية أو رغبة تسلطية استبدادية.

لكن "النظام" فى هذه الرواية، تحديدًا، لا يحضر بمعناه السياسى المباشر فحسب الذى يعنى السلطة الحاكمة أو من يشكّلون المرجعية السياسية والسلطة التنفيذية فى أية دولة، بل يتشكّل فى متن الرواية معجونًا بمحمولاته الثقافية والاجتماعية والأيديولوجية التى تصله بعالم فانتازى أو أسطورى يغلّف وعى الشخوص الذين هم بسطاء ومهمّشون يحيون على الخرافة ويقتاتون على بصيص الأمل الذى قد تزرعه فيهم مقولات أرباب الخرافة وعُبّاد الميتافيزيقا.

"نقطة نظام" رواية تسعى إلى تفكيك "النظام"، أو تقويض النسق الذى يحكم قلب النظام، سواء كان نظامًا سياسيًا باطشًا، أو نظامًا ميتافيزيقيًا يبثً روح الجهالة والخرافة ويسعى إلى تغييب العلم، أو غيرها من أنظمة وأنساق (عالمثالثية) استبدادية تهيمن على العقول وتكبّل الحناجر قبل الأيدى والأقدام.

نقطة نظام
 
اللافت للنظر أن رواية "نقطة نظام" التى تتغيّا تفكيك هذه المقولة الثقافية/ الشعار إنما تستعين بالفانتازيا Fantasy بوصفها استراتيجية سردية تتمثّل عالماً متخيّلًا يبئِّر على قرية مصرية مجهولة الاسم والموقع، دون أن تفقد هويتها الثقافية أو الجغرافية؛ الأمر الذى يجعل من هذه القرية الصغيرة أنموذجًا دالًا على "قرية كونية صغيرة"، لا بمعنى "العولمة"، بل بوصفها المعادل الموضوعى لقرى ومدن مصر كلها، وما مرّت به من تحولات سوسيوثقافية مأزومة كان من نتائجها ذلك الفساد "الممؤسَس" الذى لم يُنتج إلى الآن سوى الهزيمة تلو الهزيمة فى أزمنة الميتافيزيقا وتغييب الواقع وتهميش العلم ووأد المعرفة التى هى سبيل كل حضارة مدنية.

يعمل الراوى محيى الدين -الذى يتضمّن اسمه حمولة عرفانية تصله بمحيى الدين بن عربي- صحفيا بإحدى الصحف العربية فى القاهرة، كما ينتسب إلى عائلة لها تاريخها  المعروف فى القرية بخفّة العقل والطيش. يقرّر محيى الدين العودة إلى القرية لكتابة رواية عن قريته البائسة، مستعيدًا فيها ذكريات الطفولة والصبا، ومستدعيًا فى الوقت ذاته ذاكرة القرية من خلال عمّه زايد الذى يكتسب حضوره الفاعلية الكبرى فى إمداد الراوى بكل ما يحتاجه من معلومات وأحداث.

تمثّل "نقطة نظام" مرويّة تسعى إلى قلب الأدوار وزعزعة الفوارق الطبقية، سواء بين الأفراد أو العائلات أو بين البلدان المتجاوة داخل الدولة ذاتها. هكذا، تلتهم القرية المدينة التهامًا سرديًا فى هذه المدوّنة الروائية، بوصف ذلك تعويضًا ثقافيا عن وضعية التهميش والتجريف اللذين تعرّضت لهما القرية المصرية منذ سنوات عدّة، بحيث تغدو الكتابة أو الحكي، هنا، نسقًا ثقافيًا يؤكّد رغبة الراوي، ومن ورائه المؤلف المضمر، فى محو تاريخ القرية المدنّس بالفساد والخرافة والجهل، والذى يعادل رغبته المضمرة فى محو تاريخ الدولة (المصرية) المهيمن والزائف. فضلًا عن ذلك، تنهض تيمة الرواية على اختفاء قطاع كبير يمثّل ثلث بيوت القرية وقصورها إثر انفجار مفاجئ مجهول المصدر، وهى منطقة تابعة للأثرياء منهم؛ أولئك الذين ارتقوا فى درجات السلّم الطبقى بفعل أموال البترودولار، دون تعزيزٍ من منظومة قيم أصيلة أو معرفة رصينة؛ الأمر الذى تعود معه هذه المنطقة من القرية إلى سابق عهدها، عندما كانت مسرحًا مهجورًا لا يسكنه إلا الغرباء أو الغجر أو المهمّشون، وكل من ليس لهم الحق فى أن تطأ أقدامهم أرض القرية الخضراء.  

ورغبةً فى التخفيف من حدّة مثل هذه المعالجة التخييلية الثقافية للجملة الثقافية "الشعب يريد إسقاط النظام"، يستعين الراوى الصحفي، ومن ورائه بالفعل المؤلف الضمنى ثم المؤلف الحقيقي، بلغة ساخرة، محمّلة بالباروديا، تنهض على إحداث المفارقات الكوميدية التى تتسق فى جوهرها وطبيعة نص فانتازى يمدّ الخيوط إلى نهاياتها، ويتأمّل إرهاصات الثورة المصرية قبل بزوغها فى هدوء وتؤدة. فالنظام (السياسي) لا يسقط استجابةً لرغبات الشعوب الثائرة، المتعطّشة للحرية والعدل؛ لأن ثمة أنظمة أخرى (اقتصادية، تعليمية، دينية، ..) كامنة فى البنية العميقة لهذه المجتمعات، ينبغى التعامل معها أولا، حتى يكون مقبولًا تفكيك أنساق الفساد المستشرى فى أجساد الشعوب المهزومة والمأزومة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة