سهيلة فوزى

الاسم "عدوية" والفعل "حسن الأسمر"

الجمعة، 05 مايو 2017 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

انتصف ليل سهرة صيفية تحتضن فرحا شعبيا فى أحد أحياء القاهرة المزدحمة، سكون ثقيل يخيم على الحضور، وهنت قواهم بعد وصلات الرقص الصاخبة، فقدوا شهيتهم للتمايل من جديد، استراحوا إلى مقاعدهم الحديدية الصغيرة المكسوة بالقطيفة الحمراء الداكنة المتراصة فى السرادق.

 

ليست ثمة فروق جوهرية بين سرادقات الأفراح والعزاء فقط بضعة تفاصيل صغيرة، الأنوار البيضاء المتلألئة تسطع فى ليل ازداد ظلاما حزنا على رحيل مفجع، والأنوار ذات الألوان الباهرة تزف عريس وعروسه إلى حياتهما الجديدة. الفرقة الموسيقية "الدى جى" فى الفرح، يقابلها شيخ معمم يتصدر السرادق فى العزاء، الموسيقى صاخبة راقصة فى سرادق الفرح، بينما تلاوة القران تملأ سماء سرادق العزاء.
 

 فى تلك اللحظة التى أسند فيها الجميع ظهورهم إلى المقاعد قد يخطئ المار بالسرادق فى التقدير فى أى أمر نُصب؟.. وداع عزيز أم فرحة عروس؟ عيون يائسة تطل من الشرفات كانت تحلم بأمسية صاخبة حتى الصباح تتشارك فيها الفرحة ولو من بعيد، يقع على عاتق الفرقة الموسيقية "الدى جى" الآن مهمة إحياء الفرح من جديد.
 

 تتسرب الموسيقى إلى الآذان.. تتمايل الأجساد مع الكلمة.. تتعذب الأنفس بشجن صاحب صوت يشدو: يا ويلي.. يا ويلى.. يا ويلى.. عذابى وياك يا عذابى، يا أغلى ناسى وأحبابى من القسوة أنا يا ويلى.. تتراقص السماعات من شدة الصوت المنبعث منها تتساءل معه.. أعملك أيه شغلتنى؟ أعملك أيه حيرتنى؟
 

تدب الحياة من جديد فى الحضور يهجر الجميع مقاعدهم يبتسم فتى "الدى جى" فرحا بعصاه السحرية التى ابتلعت الخمول وأعادت الروح لسرادقه الصغير من جديد.

حان وقت تبادل الرسائل بصوت "حسن الأسمر" بموسيقاه الصاخبة الشرقية وصوته القريب إلى قلوبهم يبوح بما تُخفيه الأفئدة، تُردد الشفاه مع حسن الأسمر ما عجزت عن قوله طويلا، فيصرخ شاب بملء فمه " أنا بحبك وبريدك ابعتلى جواب فى بريدك.. يعلم ربى إنى بريدك وأعمل أيه شغلتنى" لن يلومه وقتها أحد فـ"حسن الأسمر" هو صاحب ذلك الاعتراف. وحدها هى فقط تدرك أنه اعترافه لها فتبادله الرد بنفس الصوت والحماس تلومه على طول انتظارها: يا ساقينى من دمعة عينى العمر راح وإنت نَسينى لو مرة تغلط وتجينى وأعمل أيه شغلتنى.
 

لم يكن "حسن الأسمر" مجرد مطرب شعبى صاحب صوت مميز ولكنه كان صاحب اختيارات مميزة أيضا للموسيقى والكلمة، فعبر باختياراته عن مزاج شريحة كبيرة من الجمهور تستميله دوما حالة الشجن فى الغناء والأصوات الطربية القوية.


وجه "حسن الأسمر" الضاحك على أغلب ألبوماته كان فخا أجاد -رحمه الله- إعداده بإحكام طوال مشواره الفنى، توحى الصورة أنك أمام مطرب شعبى مقبل على الحياة يعدك بوجبة غنائية مبهجة كضحكته الرائقة، لكنه أبدا لم يفعل، ما إن تستمع إلى صوته حتى تتمايل كالفرخ الذبيح موسيقى صاخبة لا تملك تجاهها إلا المحبة والتناغم معها والتمايل وصوت دافئ ينساب معها بالآهات راثيا حاله وظلم الدنيا.

 حالة خاصة تصنعها صوت "الأسمر" وكان تمايل مديحة كامل فى فيلم "بوابة إبليس" على موال سألونى أكثرها تعبيرا عن تلك الحالة، أشبه لترنح فرخ مذبوح بألم الكلمات والموسيقى والصوت الشجى حالة خاصة امتلك ناصيتها "حسن الأسمر" بحرفية ومهارة شديدة، وقدرات صوتية هائلة.
 

حسن الاسمر واحد من أهم مطربى اللون الشعبى وأكثرهم قربا من الناس، يشعر كثيرون أنه واحد منهم، تلك المحبة التى انغرست فى قلوب كثيرين كانت سببا وراء اتجاه الحاج مصطفى زغلول تاجر المعدات الثقيلة ومواد البناء إلى دخول عالم إنتاج شرائط الكاسيت البعيدة تماما عن مجال خبرته، جاء الحاج مصطفى للقاهرة عائدا من ليبيا حيث عمله وتجارته لزيارة والدته بالقاهرة، فلاحظ انشغالها الدائم بالاستماع لألبوم مطرب جديد، ولما استفسر منها عن سر اهتمامها به قالت إنها تحب هذا المطرب جدا وتتمنى أن تراه، فما كان من الحاج مصطفى إلا البحث عن المطرب الجديد "حسن الأسمر"، وإقناعه بالموافقة على إنتاج ألبوماته فى شركة توستارز التى أنشأها الحاج مصطفى إرضاء لوالدته المُحبة لـ"حسن الأسمر" وتوالت بعدها ألبوماته الفنية أشهرها.. على فين يا هوى، كتاب حياتى، طعم الأيام، متشكرين وغيرها.

 

الاسم طوبة والفعل أمشير.. مثل شهير أرى فيه تشابها كبيرا بين اثنين من أهم مطربى الأغنية الشعبية فى مصر، فرغم الشهرة الواسعة لعدوية كصانع اللون الشعبى الحديث إلا أن حسن الأسمر لعب دورا كبيرا فى تقديم أغنية شعبية ذات مضمون جيد وراقى يضاهى الأغانى الشعبية لجيل محمد عبد المطلب والعزبى، بينما ظلت الشهرة الواسعة من نصيب عدوية والموهبة الحقيقية من نصيب حسن الأسمر.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

وجبه غنائية

وجبه غنائية لا .. وجبه غذائيه اه

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة