كرم جبر

مصر عادت رغم أنف الكارهين

الأحد، 21 مايو 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
العدالة تحتم أن تسترد الدولة أراضيها المغتصبة، فكل شبر ملك للمصريين جميعا، وليس حفنة من أصحاب الأيادى الطويلة، والعدالة تقتضى أن يعود الحق لأصحابه ولو بعد حين، وإذا كان فتوات الأراضى يمتلكون النفوذ والبلطجة والأسلحة، ويخيفون الجميع بسطوتهم وإجرامهم، فالدولة تمتلك القانون وقوات إنفاذه، وذراعيها الطويلة تغطى البلاد طولا وعرضا، ومهمتها الأساسية هى حماية ممتلكات الشعب، وإقامة ميزان العدل وإشاعة الأحساس بالطمأنينة، وأننا نعيش فى دولة قوية، وليست غابة يأكل فيها القوى الضعيف.
 

الدولة ليست جلادا ولا منتقما

 

مصر عادت لأن الدولة القوية عادت، ومن لا يرى ذلك فهو مصاب بانعدام الرؤية، والقوة لا تعنى أدوات الردع، والقوات والجيش والشرطة والدبابات والطائرات، ولكنها هيبة الدولة واحترامها والإذعان لقوانينها، وأن يشعر الجميع بأن القانون هو السيد والحكم، وليس إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وفى قضية اغتصاب أراضى الدولة، كانت الكلمة العليا للأقوياء، وكانت الحدود تقام على الضعفاء، والآن انعدل الميزان وأصبحنا على مشارف مرحلة استعادة الحقوق.
 
لم يكن ممكنا أن تكشر الدولة عن أنيابها، لاسترداد حقوق الشعب المغتصبة إذا لم تكن قوية وواثقة، وفى غضون أسبوعين فقط، أنجزت ما لم يتحقق فى عشرات السنين، استردت ملايين الأمتار، وفتحت ذراعيها لمن يريد التصالح وتصحيح الأوضاع، نزولا على روح القانون، التى تعلى قدر الرحمة فى تنفيذ أحكامه القاسية، فالدولة ليست جلادا يرغب فى الانتقام والتشفى، ولكنها حارس أمين لا يظلم ولا يتجبر، وإذا اتسمت قرارتها بالعدل، ساد الارتياح والشعور بالطمأنينة.
 

 عاد السهر واختفى وحوش الليل

 

عودة الدولة القوية لم تكن مفاجئة إلا للغافلين عما يحدث فى مصر على أرض الواقع، وأول مظاهرها وقوف البلاد على قدميها فى زمن قياسى بعد رحيل الإخوان، وكان أشد المتفائلين يتوقع أن تستمر الفوضى سنوات طويلة، وبعضهم كان يقول: «مصر ضاعت وعليه العوض»، وكانت البلاد تنام فى أحضان الخوف وتستيقظ على أصوات الرصاص، والآن عاد الهدوء والسهر إلى ما بعد منتصف الليل، واختفى وحوش الليل الذين كانوا يروعون الناس ويسرقون السيارات ويغتصبون النساء، إلا قطعان منفردة تهيم على وجوهها فى الظلام، وترتعد خوفا من العقاب المنتظر.
 

بداية سقوط لوبى الفساد والفاسدين

 

عادت الدولة القوية وحافظت على نسيح شعبها فى الأحداث الجسام، وتجسدت قوة الدولة فى وقوف المصريين على قلب رجل واحد لتجاوز المحن وتخفيف الأحزان، فهذا الشعب هو عمود الدولة وكيانها، وكما كان قويا ومصطفا ومتحدا، اكتست دولته بنفس الصفات، واستطاعت أن تحمى نسيجها الوطنى من التمزق، ورسخت الروح المصرية الأصيلة بالتعايش السامى بين أبناء الديانات المختلفة، تحت مظلة الدولة التى لا تفرق بين أبنائها فى الحقوق والواحبات، وتطبق عليهم جميعا قواعد العدل والمساواة، فلا تفرقة ولا تمييز ولا محاصصة، وقد حاولت قوى الشر تحت مظلة الجماعة الإرهابية، أن تضرب تلك الثوابت التى هى عصب حكم البلاد، فكاد مصيرها الفشل والغضب والاستنكار.
 
استرداد الأراضى المغتصبة لا يعنى فقط استعادة حقوق الشعب، ولكن المعنى أكبر بكثير، وأهم سماته استعادة الوعى والتمسك بالحق، فلا تخشى من يزعم أنه صاحب سلطة أو نفوذ، لأن سلطة الدولة هى الأعلى ونفوذها الأقوى، ولا يرهبها سلاح آلى وجنازير وسيوف، فالدولة فى يدها أسلحة تقهر جيوشا وليست عصابات، ولا تذعن لاستقواء لوبى الفساد وجماعات الفاسدين، فرئيس الدولة هو الذى أعلن الحرب، ولا فرق بين عدو خارجى يقهر كرامة شعبها، وعدو داخلى يستنزف ثروات شعبها، وفى كل الأحوال، فوقف العدوان وإزالة آثاره واجب وطنى، لا تقدر عليه إلا دولة قوية متعافية، تحترم شعبها وتسهر على تحقيق العدل.

ينقصنا استعادة القوة الناعمة

 

ينقصنا فقط استعادة قوة الدولة الناعمة، وإيقاظ الثقافة والعلوم والفنون والآداب، التى كانت تسرى فى روح الأمة وتلهمها بالخيال وتسلحها بالحماس، وانتصرنا فى معارك كثيرة بالقوة الناعمة قبل الخشنة، وكانت سلاحنا الفعال فى الهزائم والانكسارات، وهل نسينا الحماس الوطنى المتدفق كالنهر بعد هزيمة 67، فارتفعت الروح المعنوية ذروتها «رغم الجرح ومر الزاد وعاشت مصر»، ورغم المحنة لم نر فى بلادنا لصا يسرق أو جشعا يرفع الأسعار أو مغتصبا يتخفى بالظلام.
 
نشتاق لاستعادة القوة المصرية الناعمة، التى تحالف ضدها أشقاء فى الخارج ومتآمرون فى الداخل، ونجحوا فى تجريد كثير من المصريين من هويتهم الثقافية، التى هى حجر الزاوية للهوية الوطنية، وجرجروا فى كهوفهم شبابا يفجرون أنفسهم فى أبناء وطنهم، ويقتلون الأبرياء ويعتبرون الشعب هم الأعداء، ومسحوا عقولهم من أفكار حب الوطن، وملؤها بالألغام والديناميت والمتفجرات.
 

هوية الوطن هى السياج الذى يحميه

 

هوية الوطن هى السياج القوى الآمن الذى نحتمى به فى الانتصارات والانكسارات، والأفراح والأحزان، وقديما قالوا إن المصريين فى المحن يصبحون روحا واحدة فى جسد واحد، فلا تجد نشازا ولا شذوذا ولا دعاة للفرقة والتشرزم والتناحر، وقوة الوطن تكمن فى الحفاظ على هذه الثوابت وتعظيمها وإعلائها.
مصر عادت وعودتها ضربة قاصمة تؤرق مضاجع المتربصين بها والكارهين لتعافيها، ففى قوتها ضعف لهم، وفى انهيارها علو لشأنها، وفى ضياعها استمرار وبقاء لأطماعهم، وكلما اشتدت أصابهم الضعف، وكلما اجتازت أزمة صدرت لهم عشرات الأزمات، ولكن الله يحرسها والشعب يحميها ورجالها الأشداء ساهرون عليها.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة