دق جرس التليفون، فأمسك سامى شرف بالسماعة، وكان الرئيس أنور السادات هو المتحدث على الطرف الآخر.
كان "شرف" مديراً لمكتب الرئيس، وهو نفس الموقع الذى شغله مع جمال عبدالناصر، وقال له السادات كلمات مقتضبة: "يطلع غداً خبر فى الجرائد من سطر واحد: تقرر إقالة على صبرى من جميع مناصبه"، كان "صبرى" يشغل فى هذا الوقت منصب نائب رئيس الجمهورية، ومسؤولاً عن متابعة إعداد سلاح الطيران وسلاح الدفاع الجوى للمعركة ضد إسرائيل، وطبقاً لمحمد حسنين هيكل فى كتابه "أكتوبر 1973 - السلاح والسياسة" عن "مركز الأهرام للترجمة والنشر - القاهرة"، فإن جمال عبدالناصر هو الذى أسند لـ"صبرى" هذه المهمة، وأعطاه رتبة "فريق جوى"، وشملت المهمة أن يكون ضابط اتصال مع السوفيت، وبالتحديد فيما يخص احتياجات هذه القوة الضاربة الحامية التى كانت لوازمها أهم البنود فى الاتفاقيات القائمة والجارية مع الاتحاد السوفيتى.
كان "شرف" أثناء اتصال السادات يشارك فى اجتماع "لجنة العمل" يوم 2 مايو "مثل هذا اليوم" 1971، وحسب شعراوى جمعة، وزير الداخلية وقتئذ: "كانت هذه اللجنة تعمل إلى جوار جمال عبدالناصر، ثم استمرت أيام أنور السادات، وكان عليها أن تدرس ما يحال إليها من موضوعات، وخاصة ما يتعلق بتحضير أجهزة الدولة كلها للمعركة جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة، وكان عليها كذلك دراسة المستجدات السياسية التى تتعلق بقرارات قد تؤثر على سير المعركة، ويضيف شعراوى فى مذكراته "شهادة للتاريخ" إعداد محمد حماد "مركز الأهرام للنشر": «كانت اللجنة تتكون من عبدالمحسن أبوالنور أمين عام الاتحاد الاشتراكى "التنظيم السياسى الوحيد الموجود وقتئذ"، محمود رياض وزير الخارجية، شعراوى جمعة وزير الداخلية، محمد فوزى وزير الحربية، سامى شرف مدير مكتب الرئيس، مدير المخابرات العامة".
ويكشف "جمعة" رد الفعل الذى أحدثه اتصال السادات، قائلاً: "فوجئنا جميعا بالسرعة والحدة التى يتحرك بها أنور السادات، وهالنا أن يتصرف بهذه الطريقة مع شخصية بحجم وقيمة على صبرى، وكان من غير اللائق على الأقل استخدام لفظة "إقالة"، وحاول الأخ سامى شرف إقناع الرئيس السادات أن يجعلها "استقالة" لكنه رفض، فقال له: "طيب نجعلها "إعفاء"، ورفض أيضا، يضيف "جمعة": انقلب مناخ الجلسة، وتحولت دفة المناقشات داخلها، ودارت كلها حول تحليل موقف السادات، وتوقعاتنا حول الخطوات التى يزمع اتخاذها بعد ذلك، وكان الجميع فى حالة ثورة عارمة، وفى هذه الأثناء أبلغ "شرف"، "على صبرى بالخبر"، فعلق: "كنت أتوقع ذلك، ولم أكن أستبعده"، يؤكد جمعة، أنه قال لصبرى يومها: "السادات فتح على نفسه معركة".
كان اللافت أن القرار جاء فى اليوم التالى لخطاب السادات فى عيد العمال، الذى هدد فيه من أسماهم بـ"مراكز القوى"، "راجع ذات يوم 1 مايو"، وجاء بعد اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى الذى نوقش فيه إعلان "اتحاد الجمهوريات العربية" بين مصر وسوريا وليبيا، الذى وقعه السادات مع الرئيس الليبى العقيد معمر القذافى، والرئيس السورى حافظ الأسد، وقاد "صبرى" معارضته فى مواجهة السادات باجتماع يوم 25 إبريل 1971، والمعنى فى إقدام "السادات" على هذه الخطوة ضد الرجل الذى يعد صاحب ثانى أرفع منصب سياسى فى مصر "نائب الرئيس"، وأرفع منصب فى المجموعة التى تعارض السادات من داخل النظام، يلخصه "هيكل" بقوله: "كانت إشارة لكل من يعنيهم الأمر أن أنور السادات ممسك بحزم بزمام الأمور، حتى وإن كانت هناك مواقع أخرى للقوة والسلطة فى مصر، وأنه إذا كان على صبرى معتبرا فى رأى كثيرين، الصديق الأول للاتحاد السوفيتى، فإن أنور السادات أزاحه بقرار منه، ومعنى ذلك أن حريته مقيدة بما يريده أو لا يريده الاتحاد السوفيتى، وأن أنور السادات وإن لم تكن فى يده كل المفاتيح، ولكن الباب ليس عصيا عليه"، ويقود هذا الرأى لهيكل إلى البعد الخارجى فى هذا الموضوع، ففيما تمت الإقالة قبل زيارة وزير الخارجية الأمريكية وليام روجرز إلى مصر بأيام، التقى السادات بالسفير السوفيتى فى القاهرة يوم 22 إبريل وقال له طبقا لهيكل، وتأكيد السادات فيما بعد: "لقد قررت تصفية على صبرى".
بعد انتهاء اجتماع "لجنة العمل"، خرج شعراوى وسامى شرف، ومدير المخابرات العامة اللواء أحمد كامل، وساروا فى الحديقة، ودار الحديث بينهم حسب تأكيد شعراوى، عن الخطوات المقبلة، وطريقة تفكير السادات، والإجراءات التى يمكن أن يتخذها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة