أكرم القصاص - علا الشافعي

طارق الخولى

كلنا أقباط وليذهب «المتحذلقون» إلى الجحيم

الأربعاء، 17 مايو 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ ثورة 1919 وحتى الآن يلعب المتربصون على وتر الطائفية لضرب العلاقة الوثيقة بين مسلمى ومسيحيى مصر، ومن ثم السعى نحو إسقاط الدولة المصرية، وهو ما حدث فى سلسلة عمليات حرق الكنائس بعد فض اعتصام رابعة، وما تبعها من تفجير عدة كنائس مؤخرًا، فبالإضافة إلى مسعى شق الصف يرتجى أيضصا خلق توترات دبلوماسية لمصر مع شركائها الدوليين بالذات بعد النجاحات المحققة على المستوى الخارجى فى الفترة الماضية، وإدخال مصر فى دوامة لا تنتهى من النزاع الطائفى الوسيلة الأقدر على اقتتال الشعوب وتدمير الدول.
 
اصطلاح قبطى تأتى جذورها الأولى من حضارتنا الفرعونية فيذهب البعض إلى أن أصلها يرجع إلى كلمة «حاكبتاح»  الهيروغليفية التى تشير إلى مدينة «ممفيس» والبعض الآخر أرجعها إلى كلمة «جيبتو» عاصمة مصر العليا فى السابق لتحور الكلمة فى عهد الإغريق إلى «إيجيبتوس Αιγύπτιος» ليسود هذا المصطلح لفترة طويلة لوصف أهل مصر دون أى تمييز أو تحديد لطائفة دينية بعينها، فعندما وعينا على الدنيا وجدنا عند اقتراب أعياد الأقباط المسيحيين تأتينا عبر وسائل الإعلام على لسان رجال الدين والمثقفين كلمات موسمية اعتدنا عليها منذ كنا صغارًا عن علاقة التسامح بين المسلمين والمسيحيين، فيرسل شيخ الأزهر وكبار رجال الدولة برقيات التهنئة إلى بابا كنيسة الإسكندرية لا تخلو من تأكيد علاقات الأخوة والتسامح ليرد البابا بكلمات لا تقل تسامحًا وتأكيدًا على علاقة المحبة بين كل المصريين.
 
وتبقى العلاقات الإنسانية اليومية فى الأحياء الشعبية والريف والصعيد بين المسلمين والمسيحيين هى الأكثر قدرة على التعبير عن علاقة دفء دامت لقرون طويلة بين كل المصريين بجميع عقائدهم الدينية فلا يمكن أن يسقط من ذاكرتى وأنا طفل وابن مناطق شعبية- هى شبرا والشرابية- جارتنا أم إستر السيدة العجوز الطيبة التى كانت تملأ جيوب ردائها البسيط بما نشتهى من الحلوى لتعطينا دائمًا ما لذ وطاب وعلى وجهها البشوش ابتسامة حانية وطيبة لتعبر عن حالة إنسانية لا مبتغى لها سوى الحب المجرد من أى غرض، كما لا يمكن أن أنسى ذكرياتى فى مدرستى سانت كاترين الخاصة التى كانت بها أغلبية مسيحية من مدرسين وطلبة وعاملين وكان يقع على سطح المدرسة مسجد نصلى فيه ونحفظ فيه القرآن الكريم كما أتذكر الدادة أم سامى- المسيحية- التى كانت تعاملنا جميعًا مسلمين ومسيحيين كأولادها دون تفريق فعشت الحلقة الأولى من حياتى بين أصدقاء كلهم مسيحيون لم نشعر يومًا بأننا مختلفون فى شىء.
 
هذه العلاقة الحميمة بين المصريين المسلمين منهم والمسيحيين وحتى اليهود جسدتها السينما المصرية لتكون بمثابة توثيق تاريخى لهذه العلاقة الضاربة فى عمق التاريخ،فتعددت النماذج المسيحية على الشاشة الفضية لتركز على فكرة التعايش فيما بينهم داخل المجتمع المصرى بداية من شخصية المسيحى فى «برسوم أفندى يبحث عن وظيفة» سنة 1923 وهو فيلم كوميدى صامت قصير يشارك فيه برسوم صديقه المسلم فى البحث عن وظيفة، ليأتى فيلم «الشيخ حسن» عام 1951 ليثير ضجة لدى طرحه فيمنع عرضه ليعرض عام 1954 بأمر من الرئيس عبد الناصر، حيث تدور قصته حول زواج الشيخ حسن بـ«لويزا» المسيحية لتظهر بعدها سلسلة أفلام «حسن ومرقص وكوهين» و«فاطمة وماريكا وراشيل» وغيرها من إبداعات السينما المصرية التى عكست علاقات المصريين بعضهم ببعض على مدار عقود متعاقبة من غياب التعصب وتقبل الآخر.
 
ليعكر صفو هذه العلاقة الممتدة كل فترة بعض التصريحات من «المتحذلقين»، أو وقوع بعض الأحداث هنا أو هناك بين الأقباط مسلمين ومسيحيين سببها بعض تراكمات التطرف الدخيل علينا لنجد أنفسنا نواجه فى بعض الأحيان حروب شوارع يغذيها سقوط الدماء فيصاحب ذلك استنكار شعبى جمعى تسوده عبارات متطايرة فى كل مكان عن الإخاء والمحبة فيما بيننا فقد تكون من باب أننا نذكر أنفسنا بأصلنا الطيب الذى لا يعرف التطرف ولا الغلو الذى تحمل راياته قلة خبيثة لم ولن تستطيع أن تلعب على أوتار النزاع الطائفى بين كل المصريين، فإنهم فى رباط إلى يوم القيامة، فلقد حبا الله مصر ديموغرافيا فمن ينظر إلى التوزيع السكانى يجد أن مصر من الدول القليلة فى المنطقة التى لا يسود فى أى من مناطقها تمركز طائفى أو أغلبية دينية شمالًا أو جنوبًا أو شرقًا أو غربًا مما يجعل تقسيمها على أساس دينى أمرًا يستحيل حدوثه مهما خطط المتآمرون الذين قسموا طائفيًا السودان والعراق ولبنان وغيرهم.
 
المصريون جميعهم على قلب رجل واحد ولن يستطيع أحد أن ينال من وحدة الصف أو يثير الفتنة الطائفية بينهم فعلى من يظهرون فى وسائل الإعلام أن يبتعدوا فى حديثهم عن ما يمكن أن يفرقنا فنحن فى أمس الحاجة إلى التأكيد على مفاهيم التسامح والإخاء والتعايش فيما بيننا درءًا للتطرف الذى لا ينحصر فى المتشددين من الجماعات التكفيرية والإرهابية فحسب، حيث إن التطرف مرض والمتطرف جانى وضحية إما لجهل مدقع أو حتى من أخذته العزة بالإثم، فالمتطرف لايجوز أن يكون سوى إنسانيًا أو متزنًا نفسيًا أو مستنير فكريًا، فالتطرف مخضب بلونى السواد والحمرة فهو غلظة وقتامة وكآبة وانغلاق ودماء فكم من أمم هدمها التطرف وكم من بحور دم جرت كمجرى الأنهار بإيعاز متطرف فالتطرف أبوالفتنة منجبها ومشعلها ومغذيها.
 
لكن مصر عندما تذكر عبر التاريخ تنعت بالتسامح ونبذ التطرف، فالمصرى لا يهوى التطرف ولا يجنح إليه، فالتطرف يثير حفيظته ويستدعى اشمئزازه فيزحف من جذور جيناته الأصيلة النفور فيعتزل المتطرف ولو كان ابن أمة فالجنس القبطى بطبيعته وسطيًا دينيًا وحياتيًا وإنسانيًا فعلى مدار تاريخ طويل وممتد من التسامح قلما هب إلينا التطرف واردًا ومحمولًا من ثقافات ودول جوار لتبدأ مراحل معتادة من المواجهة بداية بالاستيعاب ثم محاولات الترويض فالتطبيع فالتطويع فإذا ماباءت بالفشل انتهت بالانقضاض فالانكسار فالانحسار فالانقراض لينهزم فى كل نهاية التطرف وينتصر المصريون.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة