الإيرانيون يتنافسون سعيًا للرئاسة فى مشهد ثقافى قاتم

الأربعاء، 17 مايو 2017 06:30 م
الإيرانيون يتنافسون سعيًا للرئاسة فى مشهد ثقافى قاتم الرئيس الإيرانى حسن روحانى
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

وسط اتفاق عام بين المعلقين فى الصحف ووسائل الإعلام العربية والعالمية على أهمية الانتخابات الرئاسية الإيرانية فإن هذه الانتخابات المقرر إجراؤها بعد غدٍ "الجمعة" تجرى فى "مشهد ثقافى قاتم".

 

وإذ وصف معلقون الانتخابات الإيرانية المرتقبة بأنها واحدة من أهم وأصعب معارك الانتخابات الرئاسية فى هذا البلد الذى يعانى من انقسامات داخلية عميقة واختلافات حتى حول الأهداف والمصالح العليا بما فى ذلك الاتفاق النووى الذى أبرم مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة فإن إدارة الأمريكية الجديدة للرئيس دونالد ترامب تبدو عازمة على اتخاذ مواقف أكثر صرامة حيال طهران وكبح جماح تهديداتها الإقليمية.

 

ومع أن ستة مرشحين يتنافسون فى هذه الانتخابات فإن رحى المعركة الحقيقية تدور بين اثنين من المرشحين هما الرئيس الحالى حسن روحانى الذى يطمح لفترة رئاسية جديدة ومنافسه القوى إبراهيم رئيسى المدعوم بوضوح من المرشد الأعلى على الخامنئى.

 

وفى السياق الإيرانى بخصوصيته السياسية والثقافية يعبر حسن روحانى عما يسمى بالتيار الإصلاحى ويوصف بالمعتدل بينما ينتمى إبراهيم رئيسى للتيار المتشدد ويوصف بأنه "محافظ" ويتوقع بعض المحللين إمكانية أن يحل محل الخامنئى حال رحيله كمرشد أعلى للجمهورية الإسلامية.

 

وعداء الملالى الذين وصلوا لحكم إيران عام 1979ظاهر تجاه كل ما يتصل بالحداثة التى ترتبط فى أذهانهم بالغرب وسط مخاوف ظاهرة فى دوائر القيادة الإيرانية من المؤثرات الثقافية الغربية على الشباب.

 

والسيد على الخامنئى "المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية" الذى يلمح من حين لآخر لإمكانية تخليه عن موقعه القيادى فى قمة هرم السلطة بإيران لم يتورع من قبل عن التدخل حتى فى تحديد "أجندة الشعر والشعراء" فى بلاده.

 

وواقع الحال أن الشعر كان فى قلب السياسة بإيران على مدى قرون بينما كان الخامنئى قد بدأ بالتحدى الذى تشكله ثورة الاتصالات ووسائط الاتصال الجديدة لتصوره عن "الشعر الملتزم" مشيرا لاتجاه بعض الشباب لما وصفه "بالثقافة المنفلتة" فيما أطلق تهديدات "لتلك الفئة الضالة" حسب تعبيره.

 

وفيما يقال أن الخامنئى ذاته شاعر وله قصائد يظهرها للمقربين منه فقد يكون من الصعوبة بمكان أن يقدم شاعر حقيقى على تحديد المواضيع التى ينبغى أن يبدع فيها الشعراء او يضع لهم "أجندة" أو "خارطة طريق" بدعوى تطوير الشعر او حتى " استخدام الشعر كسلاح فى حرب الحق ضد الباطل وخدمة اهداف الثورة" على حد قول السيد على الخامنئى فى لقائه منذ فترة ليست بالبعيدة مع شعراء ايرانيين.

 

وكان الخامنئى قد تحدث فى لقاء مع لفيف من الشعراء الذين يقرضون شعرهم بالفارسية سواء داخل إيران أو خارجها فى دول مثل باكستان وطاجيكستان وأفغانستان عن "أياد تعمل لإبعاد الشعراء الشباب عن مهامهم الثورية البطولية" والاتجاه لما وصفه "بالموضوعات التافهة مثل الجمال والحب".

 

وفى ظل هذا التصور الذى يتصادم مع جوهر الشعر كفضاء حرية وسلطة خيال لن يكون من الغريب أو المستغرب أن يذهب على الخامنئى إلى أن الشعراء الذين "لا يخدمون أهداف الثورة الإسلامية" ولا يكتبون عما يصفه "بالموضوعات الحيوية" هم "مذنبون بجريمة وخيانة وليس لهم مكان فى الجمهورية الإسلامية".

 

والشعر قوة حقيقية فى الحياة والسياسة فى إيران التى عرف شعبها تاريخيا بحب الشعر لحد الولع حتى أنه لا يكاد يخلو بيت فى إيران من ديوان للشعر غير أن المرحلة التى بدأت منذ عام 1979 مع "نظام الخميني" تعد الأسوأ فى تاريخ الشعر والشعراء الإيرانيين الذين لم يتورع هذا النظام عن إعدام بعضهم وسجن البعض الآخر على نحو يعيد للأذهان محنة الشعراء الروس فى مرحلة حكم ستالين للاتحاد السوفييتى السابق.

 

ومن الشعراء الإيرانيين الذين أعدموا فى ظل نظام الخمينى والخامنئى سعيد سلطان وحيدر مهريفان وهشام شعبانى فيما اتجه عدد من كبار الشعراء الإيرانيين للحياة فى المنفى مثل محمد جلالى وهوشانج ابتهاج ومانوشهر يكتاى وهادى خورسندى واسماعيل خوي.

 

وعن إيران الوطن والنظام والذكريات والأسرار والحنين والثقافة جاءت "تحديقة الغزالة" التى صدرت بالإنجليزية فى العاصمة البريطانية لندن بقلم الروائى والطبيب والناشر الإيرانى اراش حجازى والذى يقول إنه استوحى العنوان من نظرة ندى سلطان "شهيدة الثورة الخضراء "التى اندلعت احتجاجا على التلاعب فى نتائج الانتخابات الرئاسية الايرانية عام 2009.

 

والمؤلف اراش حجازى كان الطبيب الذى حاول انقاذ الشابة ندى سلطان لكنها ماتت بين يديه وظهرت هذه اللقطات على اليوتيوب مما أرغمه على الفرار من إيران إلى بريطانيا خشية الموت على يد النظام الحاكم فى طهران.

 

ويتناول حجازى فى هذه المذكرات قصة الثورة الإيرانية والمشهد فى بلاده من الداخل فيما يصف جيله "بالجيل المحروق" جراء القمع وحملات الاعتقالات والقيود المتعددة ومن بينها العزلة القسرية عن العالم الخارجى معتبرا أن هذا الجيل قد حرقت أحلامه وأمانيه غير أنه سيبقى محبا للوطن.

 

والروائى والطبيب اراش حجازى اتجه أيضا إلى مجال النشر وولد فى إيران قبل نحو عقد واحد من ثورة الخمينى فيما يؤكد أنه أحب آية الله الخمينى فى بداية هذه الثورة بل والتقاه وكانت جدته تقول للعائلة إنها ترى صورته فى وجه القمر.

 

ويعترف أراش حجازى الذى كتب من قبل رواية "حزن القمر" بأن عائلته اضطرت لممارسة النفاق حتى يتسنى لها الحياة فى ظل النظام الذى حظى بتأييدها فى البداية غير أنه سرعان ما أظهر حقيقته القمعية وعدائه للحريات وحقوق الإنسان.

 

ويسرد حجازى فى" تحديقة الغزالة" التى كتبها بلغة جمعت ما بين الجمال والبساطة الكثير من الوقائع المحزنة مثل عمليات الإعدام بعد محاكمات صورية لمن يشتبه فى معارضته لنظام الحكم ومن بينهم بعض أصدقاء والده الذى كان أستاذا جامعيا بكلية الهندسة فيما سجن البعض الآخر لمدد طويلة .

 

وبسبب الخوف من القبضة القمعية للنظام كما يقول حجازى عمد كثير من سائقى سيارات الأجرة لوضع لافتة "يرجى عدم النقاش" داخل السيارات فيما ازدهرت "ثقافة التهريب" التى تشمل الكتب وأشرطة الأفلام الأجنبية.

 

ويتناول حجازى فى هذه المذكرات قصة الثورة الإيرانية والمشهد فى بلاده من الداخل فيما يصف جيله "بالجيل المحروق" جراء القمع وحملات الاعتقالات والقيود المتعددة ومن بينها العزلة القسرية عن العالم الخارجى معتبرا أن هذا الجيل قد حرقت أحلامه وأمانيه غير أنه سيبقى محبا للوطن.

 

ويستدعى المؤلف بعض الوقائع الدالة على "القهر الثقافى" مثل إرغام الطلاب فى المدارس على قراءة كتب بعينها فى المكتبات وإعدام أى كتاب يعتبره نظام الحكم مخالفا لمبادىء الثورة أو الأخلاق من وجهة نظر هذا النظام الأمر الذى دفع المواطنين الإيرانيين ومنهم عائلته إلى اللجوء لما يسميه اراش حجازى "بالثقافة البديلة".

 

ورغم أن المرشحين الستة فى الانتخابات الرئاسية الإيرانية لا توجد بينهم سيدة واحدة، فإن هناك تقارير صحفية تشير إلى أهمية دور المرأة فى هذه الانتخابات المرتقبة من منظور القوة التصويتية حيث تمثل النساء ما يقل قليلا عن نصف عدد الناخبين.

 

ومن هنا سعى الرئيس الإيرانى الحالى حسن روحانى للظهور بمظهر الحريص على حقوق النساء فى مواجهة المرشح المتشدد إبراهيم رئيسى الذى لا يخفى مواقفه المناهضة للمرأة العاملة والتى تتشابه مع مواقف المرشد الأعلى على الخامنئى وإن كان قد عمد فى الأيام الأخيرة لحملته الانتخابية للتخفيف من حدة هذا العداء على أمل الفوز بجزء من أصوات النساء.

 

وقد انتهزت الصحفية والكاتبة والمذيعة الإيرانية كامين محمدى فرصة ظهور روايتها الأولى "شجرة السرو" للتأكيد على أن وطنها أكبر بكثير من نظام حكم يقمع المثقفين ويدفعهم للعيش فى المنفى وتحدثت بصورة مستفيضة عن الأدب الإيرانى وقدمت للقراء فى الغرب قائمة مقترحة بأفضل عشرة كتب عن إيران.

 

وتنوه كامين محمدى لصحيفة الجارديان البريطانية إلى أن الأدب الإيرانى ثرى ومتنوع بما فى ذلك الأدب المعاصر معتبرة أن هذا الأدب إنما يعكس حضارة بلادها العريقة وثقافتها الغنية.

 

وولدت كامين محمدى فى إيران عام 1969 وانتقلت مع عائلتها للمنفى خلال عام 1979 الذى شهد إندلاع الثورة الإيرانية لتعيش فى بريطانيا فيما تقيم حاليا بإيطاليا، وجاء كتابها الأول "شجرة السرو" عن إيران فى القرن العشرين عبر رواية تتناول ثلاثة أجيال من النسوة هى كامين ذاتها ووالدتها وجدتها.

 

وتتحدث كامين فى شجرة السرو عن إيران الجميلة كما عرفتها فى أيام الصبا، منوهة بأن الغرب يرتكب خطأ فادحا عندما يختزل إيران فى مجرد تهديد نووى محتمل سواء كانت قصة الأسلحة النووية حقيقة أو وهما.

 

وتقول كامين محمدى للقراء فى الغرب إن إيران كما عرفتها فى طفولتها تمثل لها نسيم الياسمين والابتسامة الهانئة والضحك من أعماق القلب وحكايات الحب وليالى السمر على البلاط الفيروزى وشقفات الرمان الياقوتى التى تهواها الخالات والعمات وهن يتبادلن البوح والأسرار فى ضوء القمر بينما يلهو الصغار فى بلد له عبق تاريخ عريق أثر فى الثقافة الغربية ذاتها.

 

واعتبرت كامين صدور روايتها الجديدة فرصة سانحة للحديث بنوع من التوازن عن إيران التى لا يعرف الغرب عنها إلا قصص التعذيب والقهر والكبت واضطهاد المعارضين مع تسليمها بأن هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان فى بلادها كانت وراء قرار عائلتها بالخروج من الوطن والعيش فى المنفى.

 

وإذ تستعيد طرفا من ذكرياتها مع الأدب والأدباء الإيرانيين الذين زرعوا بذور التمرد والإبداع فى عقول الشباب مثل "جلال آل أحمد" الذى تعرض لاضطهاد فى ظل نظام الشاه ومات عام 1969 فى ظروف غامضة والأديبة سميمين دانشوار- ترى الكاتبة المصرية الدكتورة نوال السعداوى إن الثورة الإيرانية عام 1979 كانت فى بدايتها ثورة شعبية شارك فيها الملايين من أجل العدل والحرية والكرامة حتى سقط حكم الشاه غير أن هذه الثورة اختطفت من جانب "الملالي" وبالتعاون مع الأمريكيين "رغم العداء الظاهرى بينهما".

 

ولاريب أن المشهد الايرانى الراهن بتدخلاته فى السنوات الأخيرة فى الخرائط والوقائع على الأرض العربية كان مجافيا لآمال حسن الجوار فضلا عن التواصل الطبيعى بين حضارتين تجمعهما الكثير من الوشائج والتجليات الثقافية الظاهرة حتى على مستوى اللغة والمفردات كما ان رموزا ثقافية مثل عمر الخيام حاضرة بقوة فى الثقافة العربية مثلما هى حاضرة فى الثقافة الفارسية.

 

وقد يشعر القاريء اليوم بكثير من الدهشة عندما يجد المفكر الاستراتيجى المصرى جمال حمدان الذى رحل عن هذه الحياة الدنيا منذ أكثر من 24 عاما يتحدث عن "ظاهرة القفز الضفدعى لتركيا الباحثة عن دور والصراع التركي-الإيرانى على الزعامة فى الشرق الأوسط" !..وكأن جمال حمدان يعيش لحظتنا الراهنة وهو يقول فى مطلع تسعينيات القرن العشرين :"تركيا وبلا مواربة تعمل على فرض زعامتها على الشرق الأوسط وإيران تنافسها فى ذلك طبعا"!.

 

وإذا كان بعض الكتاب والمعلقين فى مصر قد نوهوا فى سياق الجدل الحالى حول الانتخابات الرئاسية بأهمية قراءة التجربة الايرانية بشكل نقدى فان هذه القراءة تبدو مطلوبة باعتبار ان ايران طرف رئيس من دول الجوار للعالم العربى فيما يبدو جليا ان الاهتمام الغربى بالثقافة الإيرانية يأتى لأسباب عملية وبنظرة منفعية بل إن هناك اتجاهات ثقافية غربية لا تخفى نواياها فى إمكانية "القيام باختراق ثقافى عميق فى إيران لتغيير أو تعديل معادلة النظام الحالى فى طهران بما يتلاءم أكثر مع مصالح الغرب".

 

والقراءات الغربية للتجربة الإيرانية غزيرة ومستمرة ومتجددة كما يتجلى فى كتاب صدر بالانجليزية بعنوان :"ايران الثورية : تاريخ الجمهورية الإسلامية" ,وفى هذا الكتاب سعى المؤلف مايكل اكسورثى لاستكشاف جديد للتطورات فى إيران منذ ثورة 1979 والتى أفضت لما يسميه "بديمقراطية زائفة" ,فالنظام السياسى فى إيران متوتر وقضية الديمقراطية لم تجد حلا كما يقول المؤرخ البريطانى والدبلوماسى السابق مايكل اكسورثى الذى ذهب فى كتابه الى انه منذ عام 2009 قررت الحلقة العليا للنظام التخلى عن سياسة الزعيم الراحل الخمينى فيما يتعلق بالتوازن بين الفرقاء والأجنحة المتعددة والاتجاه بدلا من ذلك لأسلوب القوة الغاشمة ضد المعارضين وهو توجه يضعف فى الواقع الدولة الايرانية ولا يمنحها قوة".

 

وقد تكون "الثقافة" هى الساحة الأكثر خطورة وتعقيدا فى المشهد الإيرانى الراهن جراء الافتقار للحريات بالمعايير المتعارف عليها عالميا فى بلد يحظى بموروث ثقافى وحضارى عريق وقدم للإنسانية روائع تشهد على الثراء الإبداعى للإنسان الإيراني.

 

ومع أنه من المستبعد أن تفضى نتائج الانتخابات الرئاسية المرتقبة فى إيران لتغيرات جوهرية فى المشهد الثقافى فإن أى مثقف جدير بهذه الكلمة يتمنى أن يتحرر هذا المشهد من لونه القاتم وينعتق المثقفون فى إيران من القيود والأحزان ويتبدد الغبار الذى يغطى جبين الإبداع الإيراني.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة