مايكل فارس

"تواضروس" والعصيان المدنى بالكاتدرائية

الإثنين، 15 مايو 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فَيَقُولُ لَهُ : مَا هذِهِ الْجُرُوحُ فِى يَدَيْكَ ؟ فَيَقُولُ : هِى الَّتِى جُرِحْتُ بِهَا فِى بَيْتِ أَحِبَّائِي.. هذه من أشهر الآيات فى الكتاب المقدس، تعبر عن عمق الألم الذى ينال الفرد حينما يتلقى طعناته لا من أعدائه بل من أحبائه، و تلقى "تواضروس" ، عدة ضربات قاسية من الأساقفة بالكنيسة لاتفاقه مع البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، على عدم إعادة طقس المعمودية، بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية.

 

(1)

العصيان المدنى للأسود العجوزة والسلفيين

 

يقول الفيلسوف جون راولز :" يمكن تعريف العصيان المدنى على أنه عمل عام ، سلمي، يتم بوعى كامل، ولكنه عمل سياسي، يتعارض مع القانون ويطبق فى أغلب الأحوال لإحداث تغيير فى القانون أو فى سياسة الحكومة" ، فهل تشهد الكاتدرائية عصيانا على سياسات البابا تواضروس الثانى .

الكنيسة القبطية مؤسسة قادها البابا تواضروس عقب توليه الكرسى الباباوى لمؤسسيه فهو خبير فى فن الإدارة وقام بعمل عشرات اللوائح التنظيمية، من رؤيتى أرى أنه إصلاحى من الدرجة الأولى يسعى جاهدا للانفتاح مع الكنائس الأخرى، ليذيب جبال الثلج التى بُنيت فى عهد البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، الذى قام بتربية أسود قوية فى عهده كانت تزأر دائما ومنهم من كان متشددا فى التعامل مع الطوائف المسيحية الأخرى، هم تيار "السلفيين الأرثوذكسيين"، ويكفرون الطوائف الأخرى مثلما يفعل بعض المتشددين المسلمين مع المسيحيين، ورحل البابا ليترك أسود عجائز ، منهم من توارى خلف الظل، وأخرى لم تعترف بعد بأنها أسود عجائز، ترى فى نفسها أنها تستطيع أن تزأر فى عهد جديد، فيقومون باستخدام شباب قبطى وحركات قبطية ليدشنوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى والــ"فيس بوك"، لمهاجمة كل كبيرة وصغيرة للبابا تواضروس، قرروا العصيان "المدنى" على سياساته الإصلاحية.

(2)

حينما يسيطر الغضب على الحكمة.. سترتكب الخطايا المتسربلة بثوب الفضيلة
 

فى واقعة غريبة لم تشهدها الكاتدرائية المرقسية من قبل ، ولم يستطع أحد أن يتخيل أن تحدث ، أن يمتنع المركز الإعلامى بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، عن تغطية زيارات البابا تواضروس الثانى للخارج ، فقد توجه البابا يوم 29 إبريل الماضى إلى إيطاليا ليقضى أسبوعا ويوم 5 مايو توجه إلى بريطانيا ليقضى أسبوعين ، غضب الكنيسة على البابا سيطر على حكمة"المركز الإعلامى"الحائز على جائزة الأيزو للجودة.

بعد قرابة أسبوعين من تغيب البابا تواضروس عن صفحة المتحدث الرسمى باسم الكنيسة ، ظهر خبر استقبال الملكة اليزابيث الثانية للبابا تواضروس الثانى فى قلعة ويندسور ، ولكن بعد نشر السفير البريطانى بالقاهرة جون كاسن صورة للقاء الذى جمع البابا والملكة ، من خلال حسابه الرسمى على موقع التغريدات المصغرة "تويتر" معلقا عليها بالقول: "لأول مرة فى لقاء تاريخى".

أرى أن صفحة المتحدث الرسمى باسم الكنيسة تم استخدامها ضد أعلى سلطة كنسية للأقباط الأرثوذكس، ننتظر أن تُعلن لنا الإجابة ومعرفة سر عدم نشر أخبار البابا مع احترام ذكائنا .

والأساقفة الذين هاجموا البابا تواضروس لاتفاقه مع البابا فرانسيس ، بابا الفاتيكان ، على عدم إعادة طقس المعمودية، بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية، عددا منهم خالفوا طقوس التعميد ذاتها، مثل الأنبا إبرام أسقف الفيوم، ففى تصريحات منسوبه له فى سياق اعتراضه على الاتفاقية، قال إن سيدة كاثوليكية سنها 70 عاما أرادت أن تصبح أرثوذكسية فلم يقم بتغطيسها، ولكنه صلى الصلوات فقط ورشمها .

والسؤال هو: كيف يرفض الأنبا إبرام إعادة التعميد ولم يمارس طقوس التعميد بالتغطيس بسبب سنها ؟  تحت بند الرحمة والظروف الاستثنائية لم يمارس الأنبا إبرام طقس التعميد بالتغطيس ، فلماذا لا نعترف بالمعمودية الكاثوليكية، ويكون لدينا مرونة فى ذلك من أجل وحدة الكنائس، "العقول المتحجرة والقلوب المغلقة"، بهذه العبارة وصف البابا تواضروس المهاجمين لاتفاقه مع البابا فرانسيس خلال لقائه مع أقباط إنجلترا قائلا:"عقولهم متحجرة وقلوبهم مغلقة وتردد أصواتها الأكاذيب والكنيسة لديهم رخيصة".

(3)

ويكمن الألم بين..الحقيقة المدركة والصمت المقنن

يُخيل إلى عدة أسئلة تدور فى ذهن البابا تواضروس ، ماذا لو سأل نفسه أو حتى المتحدث الرسمى باسم الكنيسة قائلا : "لماذا لم تنشروا أخبار زيارتى لإيطاليا وبريطانيا كالمعتاد؟، هل يعلم الإجابة أن هذا عصيان مدنى على قرار تاريخى وإيجابى هام اتخذه ليسجل فى تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية ؟ ، أم سُيرد عليه ، اعتراضا على اتفاق قداستك مع بابا الفاتيكان حول عدم إعادة سر المعمودية .

يُخيل لى عدة أسئلة تدور فى ذهن ذاك الذى لو خرجت كلمة"غير متزنه" من فمه لقلبت موازين كثيرة ، فى ظل استهداف إرهابى للأقباط ؟ وضغط وغضب قبطى من صمته تجاه الأحداث أمام العالم ؟ أبرزها..ماذا أقول ؟.

فبعدما التقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالبابا ، عقب تفجير الكنيسة البطرسية ، قال"أوضاع المسيحيين فى مصر تحسنت بعد 30 يونيو" ، رفض الشباب القبطى ما صرح به البابا حينها ، فهم يرون أحداث كارثية للأقباط سواء فى العريش وكوم اللوفى فى المنيا وطريقة تعامل الدولة بعيدا عن كاميرات الفضائيات وأقلام الجرائد ، كما أن وضع التشدد والتعامل مع الأقباط ما زال "أمنيا" بسياسات قديمة ، ولكن هل مطلوب من البابا أن يصرح بكل شىء ؟ هل يحرج  الدولة أمام العالم فى ظرف تاريخى حساس ، أعلم أن البابا يعلم جيدا مكامن الأوجاع ، إلا أنه من العبث أن نتوقع أن يُحرج دولته التى تحارب من أجل البقاء والوجود فى الداخل والخارج .







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة