«43» حالة وفقا للأرقام المعلنة من قبل هيئة التأمين الصحى، مصابة بمرض نقص الإنزيمات التعويضية، وتحصل على العلاج اللازم لها بعد صدور أحكام قضائية لصالحها تلزم الهيئة بذلك، ولكن على الرغم من توافر العقار بعد سنوات عانى فيها الأهالى من اختفائه، فإن شكواهم مازالت تتجدد بين الحين والآخر بسبب تأخر صرف الجرعات العلاجية اللازمة لأطفالهم، مما أدى إلى تدهور حالتهم الصحية وإصابتهم بأمراض مضاعفه.
المرض يحدث تغييرا فى الشكل ويسبب مشاكل بالجهاز التنفسى
قبل الاطلاع على دفتر حكايات الأطفال المصابين بهذا المرض ومعايشة معاناتهم فى الحصول على العلاج اللازم لهم، تجدر الإشارة فى البداية إلى طبيعة وأسباب الإصابة بهذا المرض الذى يعد أحد الأمراض الوراثية الشائعة فى مصر والناجمة عن زواج الأقارب، وهناك 10 أنواع له، منها ما يصيب الذكور والإناث، ومنها ما يقتصر على إصابة الذكور فقط، ولكن بصفة عامة تتفق جميعها على بعض المظاهر، منها التغيير فى ملامح الوجه وحجم الرأس لتصبح أكبر من المعتاد، بالإضافة لحدوث مشاكل فى الجهاز التنفسى والقلب وعظام المفاصل وتضخم فى الكبد والطحال ويصل عدد المصابين به والذين تم تشخيصهم حتى الآن حوالى 500 طفل، يحصل ما يقرب من 43 منهم فقط على العلاج اللازم.
سبعة عشر عاما، قضاها محمد زكى، ابن محافظة القليوبية، فى معاناة مع ابنه الأكبر، قبل أن يرزقه الله بطفل آخر لم يكمل عامه العاشر بعد، مصابا أيضا بالمرض نفسه لتتضاعف بذلك آلام الأسرة وتطول رحلتها فى مشوار علاج الطفلين.
اكتشاف زكى لإصابة نجله الأول بالمرض، حدثت بعد ميلاده بشهرين عندما لاحظ تغيرا فى أطرافه، وقتها بدأ سؤاله عن طرق علاجه، ولكنه فوجئ بأن المرض ليس له علاج متوفر فى مصر، وعندما رزق بطفله الثانى فوجئ بإصابته بالمرض نفسه، والسبب وراء ذلك هو زواج الأقارب، اقتصر دور الأب والأم على إعطائهما مجموعة من المكملات الغذائية وفاتح الشهية وجلسات الكهرباء حتى حدثت الانفراجة منذ عامين وصدر حكم لصالحهما يلزم التأمين الصحى بعلاج نجليه بالدواء المستورد.
يقول الأب: خصصوا لنا مبلغا ماليا فى التأمين الصحى لاستيراد العلاج اللازم لحالة أبنائى من أمريكا، وبالفعل وصل الدواء ولكنه ظل لدى الشركة المصرية لتجارة الأدوية فترة طويلة، ولكننا فوجئنا بعد ذلك باعتراف الشركة أن العقار غير صالح بسبب سوء تخزينه، فتم استيراد جرعة جديدة أقل فى الكمية وهى التى يتم إعطاؤها لابنينا فى الفترة الحالية، حيث إننا نأتى للمركز القومى للبحوث كل يوم خميس لإعطائهما الجرعات، ولكن لا نعلم موعد وصول الجرعة الثالثة ونخشى تأخيرها فتتدهور صحة الصغيرين.
ويشرح الوالد معاناة ابنيه قائلا: مازال كريم ابنى الأصغر يستطيع القراءة والكتابة ولكن نظيره الأكبر فقد القدرة على الحركة ولم أعد قادرا على حمله والذهاب به يوميا إلى المعهد، وأصبح اعتمادنا الأساسى على أحد الجيران لتوصيله بواسطة الدراجة البخارية.
تقول الأم: نحضر لهما المعلمين فى المنزل خاصة وأن نسبة ذكاء ابنى الأكبر أصبحت لا تتعدى 10% ونتيجة للصعوبة التى يقابلها فى إمساكه بالقلم للتعلم استخرجنا له من إدارة الأزهر أوراقا تفيد بمعاملته ككفيف لكى يخضع للاختبارات الشفهية فقط وليست التحريرية.
تأخر العلاج يؤدى لتدهور حالة الأطفال
قصة أخرى بطلها الطفل مصطفى ذكى ابن محافظة الغربية، ذو الثمانية أعوام، وهو أحد مصابى مرض نقص الإنزيمات التعويضية «الميوكوبولى ساكريدوزيس»، تقول والدته إن تأخر العلاج أدى لتدهور حالة نجلها وضاعف من الأمراض التى يعانى منها، حيث أصبح مصابا بتضخم فى الكبد والطحال والشريان الرئوى، وتضيف الأم: «حاولت منذ أكثر من عام التواصل مع هيئة التأمين الصحى لصرف العلاج لطفلى، إلا أن ذلك لم يحدث بحجة عدم توافر الاعتمادات المالية، وحاليا أجرى له كشفا دوريا كل 6 أشهر، ولكن تبقى المشكلة الكبرى، وهى علاج الأمراض الناجمة عن تأخر علاجه والتى تحتاج لمبالغ كبيرة».
«عبدالرحمن» محروم من المدرسة ويعيش على المكملات الغذائية
حالة أخرى أخذت دورها واحتلت مكانا داخل غرفة حقن الإنزيمات التعويضية فى مركز التميز الطبى التابع للقومى للبحوث، «عبدالرحمن» طفل لم يتجاوز العاشرة بعد، يعانى من المرض نفسه ونتيجة لتأخر العلاج عنه تدهورت حالته وأصبح طريح الفراش لا يقوى على الحركة نهائيا، تقول أمه: «فى البداية عندما لاحظت تغيرا عليه أجريت له التحاليل والفحوصات اللازمة هنا فى المركز، ولكن وقتها تم إخبارى أن العلاج غير متوفر فى مصر وتكلفته باهظة جدا، فانتظرت وبدأت الحالة تتدهور تدريجيا، وبعدما كان قادرا على الجلوس معنا فى المنزل والذهاب إلى المدرسة توقف فجأة عن كل شىء منذ ثلاث سنوات، وظلت الحالة تسوء يوما بعد يوم، وكلما عرضته على طبيب عجز عن مساعدته واكتفى فقط بالتجريب فيه».
مراحل العلاج وجدواه.. نهائى أم تحت التجربة؟!.. يبدأ بتكليف الشركة المصرية لتجارة الأدوية باستيراده وينتهى بحقنه للمرضى فى «القومى للبحوث».. و«التأمين الصحى»: العلاج قيد البحث والتجربة.. و«القومى للبحوث»: نهائى ومعتمد من الــFDA
ثلاث مراحل يخضع لها الأطفال مرضى نقص الإنزيمات التعويضية «MPS» تبدأ أولا بتشخيص المرض مرورا بتكليف هيئة التأمين الصحى للشركة المصرية لتجارة الأدوية باستيراده، وصولا إلى حقن الأطفال بالإنزيم التعويضى فى مركز التميز الطبى التابع للمركز القومى للبحوث، وفيما يلى شرح تفصيلى لهذه المراحل ودور كل جهة لتنفيذها.
أولا: مرحلة التشخيص
تتمثل مهمة قسم الوراثة البيوكيميائية فى مركز التميز الطبى التابع للقومى للبحوث، فى تشخيص مثل هذه الأمراض الوراثية النادرة وعمل خريطة بأماكن انتشارها وتوزيعها على مستوى الجمهورية.
تقول الدكتورة إكرام فطين، أستاذ الوراثة البيوكيميائية: تشخيص المرض يتم عبر ثلاث مراحل ،الأولى والثانية عن طريق البول والتأكيد يكون عبر قياس نسبة نشاط الإنزيم المسبب للمرض، ليتم تحديد نوعه، والسبب الرئيسى وراء هذا المرض وغيره من الأمراض الوراثية هو زواج الأقارب الذى يكون العامل الأساسى فى إصابة 88% من الحالات به.
وأوضحت «فطين» أن علاج المرض عبارة عن حقن الأطفال بالإنزيم التعويضى من خلال جلسة أسبوعية تستمر مدى الحياة، مشيرة إلى أهميه هذا الإنزيم ودوره فى تحسين الحالات والتقليل من التضخم فى الكبد والطحال وتحسين الوظائف الحركية للمفاصل ومشاكل الجهاز التنفسى.
ثانيا: مرحلة الاستيراد
يحصل الأطفال المرضى على العلاج بموجب الأحكام القضائية الصادرة لصالحهم والتى تلزم هيئة التأمين الصحى بتوفير العلاج اللازم لهم وبناء عليه تكلف الهيئة الشركة المصرية لتجارة الأدوية باستيراد العقار وفقا للميزانية المخصصة لذلك.
الدكتور شريف السبكى، رئيس الشركة المصرية لتجارة وتوزيع الأدوية سابقا، يقول إن الشركة تقوم باستيراد جميع أدوية الأمراض النادرة مثل الميوكو بولى الذى تستورده من أوروبا وأمريكا، مشيرا إلى أن هيئة التأمين الصحى تعهد إلى الشركة بشراء هذه الأدوية بجرعات محددة لعدد من المرضى، وهم 43 مريضا وفقا للرقم المعلن من قبل الهيئة.
وردًّا على لوم أهالى المرضى لهيئة التأمين الصحى بسبب تأخيرها للعلاج مما يؤدى لتدهور حالة الأطفال، يقول الدكتور على حجازى، رئيس هيئة التأمين الصحى، إن هؤلاء الأطفال لم يحدد لهم حتى الآن علاج مسجل ومسعر فى العالم يعالج المرضى المصابين به، وأنه مازال قيد البحث والدراسة، ولم يصل بعد إلى مرحلة العلاج النهائى وأى طبيب يقوم بكتابته للمرضى يضع نفسه تحت طائلة القانون لأن الدواء غير مسجل أو مرخص فى مصر أو العالم، دون الرجوع للجهات المختصة سواء المجالس الطبية أو هيئة التأمين الصحى لأنها المختصة بذلك.
وأشار على حجازى إلى أن الهيئة وجهت طلبا إلى وزير الصحة بتوفير 201 مليون جنيه لعلاج الأطفال لمدة ثلاثة أشهر، على أن يتم رفع الطلب إلى رئيس الوزراء، مشيرا إلى أن تكلفة علاج الــ43 طفلا فى السنة تحتاج إلى 804 ملايين جنيه، مؤكدا أن ميزانية الهيئة لا تتحمل مطلقا هذه المبالغ، وهذا يضع الهيئة فى مأزق كبير.
واستكمل رئيس هيئة التأمين الصحى قائلا إن الطفل الواحد يتكلف فى العام من 13 إلى 20 مليون جنيه، وكشف عن أن المركز القومى للبحوث لديه وحدة بحثية لتقديم العلاج للمصابين بالأمراض الوراثية بعد تشخيصها.
وتابع: العلاج الحالى الذى يحصل عليه الأطفال لم تثبت فاعليته بشكل نهائى حتى الآن، ولكنه لا يتسبب فى إلحاق الضرر بهم نهائيا وليس له آثار جانبية على صحتهم مطلقا، لكنه فى النهاية إطار بحثى ربما يحقق فوائد للمريض.
تحليل الدواء وتسجيله
من المعروف أن أى دواء يتم تسجيله لابد أن يخضع للتحليل من قبل هيئة الرقابة والبحوث الدوائية، وبالتالى فعدم تسجيل علاج هذا المرض قد يعنى عدم خضوعه للتحليل، وهذا ما علق عليه مجموعة من المختصين مؤكدين أن هناك قرارا وزاريا يعفى بعض الأدوية المستوردة من الخضوع للتحليل، كما أن حصول العقار على موافقة من قبل الإدارة الأمريكية للغذاء والدواء FDA وموافقة أخرى من قبل بلد المنشأ يعفيه من التسجيل مجددا فى البلد المورد إليه.
وهذا أيضا ما أكدته الدكتورة رشا زيادة، رئيس الإدارة المركزية لشؤون الصيدلة بوزارة الصحة والسكان، قائلة: إن المرضى يحصلون على هذه الأدوية على مسؤولية الجهة التى تستورد المستحضر والأطباء الذين يعالجون به.
وفيما يتعلق بحديث الدكتور على حجازى حول عدم الاعتراف بالعلاج بشكل نهائى وخضوعه لمرحلة البحث والتجربة، يقول المحامى عوض السيد، المتبنى قضية الأطفال المصابين وحقهم فى العلاج، متسائلاً: لو كان قيد البحث والتجربة فلماذا إذن تصرفه المجالس الطبية للأطفال وتعطيهم الجرعات كاملة؟ وهناك ما يقرب من 500 حالة تم تشخيصهم ولكن 50 منهم تقريبا فقط هم الذين يحصلون على العلاج بعدما حصلوا على أحكام قضائية تلزم التأمين الصحى بذلك.
فيما أكدت الدكتورة إكرام فطين، أستاذ الوراثة البيوكيميائية بمركز التميز الطبى، التابع للمركز القومى للبحوث، أن هذا العلاج نهائى وليس تجريبى أو بحثى، مشيرة إلى اعتماد كثير من الدول العربية والأوروبية عليه فى علاج الحالات المصابة بمرضMPS، قائلة: لو لم يكن هذا العقار مسجلا فى الخارج ما دخل مصر واعتمد عليه الأطفال المرضى لتحسين حالتهم، وفيما يتعلق بعدم تسجيله حتى الآن هنا فهذا أمر يرجع لوزارة الصحة.
المرحلة الثالثة: حقن الأطفال بالإنزيمات التعويضية
مركز التميز الطبى التابع لـ«القومى للبحوث»، هو المكان الذى يتلقى فيه الأطفال المصابون الجرعات العلاجية أسبوعيا عبر حقنهم بالإنزيمات التعويضية التى تصل إليهم من قبل هيئة التأمين الصحى، كما يقوم الفريق الطبى فى المركز أيضا برصد وضع المرضى قبل وبعد العلاج ومدى الاستجابة، ويرسل تقارير خاصة بذلك للوزارة، وتعطى نسخة منها لأهالى الأطفال المصابين، وبناء عليه يتم تحديد إن كانت الحالة فى حاجة لجرعات إضافيه أم أنها لم تستجب للعلاج، وقالت الدكتورة إكرام فطين أستاذ الوراثة البيوكيميائية لـ«اليوم السابع».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة