عبد الفتاح عبد المنعم

ماذا عن مستقبل القوة الأمريكية؟

السبت، 13 مايو 2017 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ضمن هذا الإطار العام لمرحلة إعادة التفكير فى الاستراتيجية الأمريكية، يمكننا أن نتساءل: هل حان الوقت لنتحدث عن مسار جديد لمستقبل القوة الأمريكية؟! هذا السؤال كان مدخلا لبحث خطير للباحث نور الدين قلالة وحمل سؤالا: هل ستظل أمريكا القوى العظمى فى العالم؟ هذا السؤال الذى  ما زلنا جميعًا نبحث عن إجابه له، وهو ما حاول الباحث وبنفس المنطق طرح الباحث سؤالا آخر وهو ماذا عن مستقبل القوة الأمريكية؟ صحيح أن القرن الحادى والعشرين بدأ مع توزيع غير متكافئ لموارد الطاقة، حيث تمثل الولايات المتحدة نحو ربع الناتج الاقتصادى فى العالم بـ%5 من نسبة سكانه، كما أنها مسؤولة عن ما يقرب من نصف النفقات العسكرية العالمية، وتمتلك أكثر الموارد الثقافية والتعليمية. كل هذا لا يزال صحيحا، لكن النقاش بدأ يحتد بصورة واضحة حول مستقبل القوة الأمريكية.. وقد فسر كثير من المراقبين أن الأزمة المالية العالمية عام 2008 هى بداية تراجع القوة الأمريكية، بل إن «مجلس الاستخبارات الوطنى» الأمريكى توقع أنه فى عام 2025 ستتضاءل الهيمنة الأمريكية فى العالم مع بقائها قوة بارزة.
 
والحقيقة أن فى التاريخ البشرى هناك العديد من الأمثلة عن صعود وسقوط الأمم والإمبراطوريات، فقد بقيت روما مهيمنة لأكثر من ثلاثة قرون وهى فى ذروة قوتها، لكنها انهارت فى الأخير وذابت كرجل الثلج، بعدما استفادت من جيوشها الضخمة، مثلما استفادت أسبانيا فى القرن السادس عشر من سيطرتها على المستعمرات وسبائك الذهب، وهولندا فى القرن السابع من التجارة والتمويل، وفرنسا فى القرن الثامن عشر من تعداد سكانها الكبير وجيوشها، والمملكة المتحدة فى القرن التاسع عشر من قوة تفوقها فى الثورة الصناعية وبحريتها أيضًا.
 
ويرى جوزيف س. ناى فى مقال له بمجلة «فورين أفيرز» بعنوان «مستقبل القوة الأمريكية»، أن البعض يعتقد أن الولايات المتحدة تعانى من «التوسع الإمبراطورى المفرط»، ولكن حتى الآن، فإن الحقائق لا تناسب هذه النظرية، مشيرا إلى ما أسماه «حموضة السياسة الأمريكية الحالية»، التى ستُفقد واشنطن القدرة على التأثير فى الأحداث العالمية بسبب المعارك المحلية على الثقافة، وانهيار مؤسساتها السياسية، والركود الاقتصادى.
 
وفى العموم فإن علامة هذا القرن هى دون شك الثورة المتنامية والمبهرة فى مجال تكنولوجيا المعلومات والعولمة، وهى ثورة جعلت أمريكا ترهن نسبة كبيرة من قواتها وتتخلى عن بعض أسلحتها حتى تتجنب بعض المزالق.
 
ويبدو أن مفتاح النجاح الاقتصادى فى عصر المعلومات هو نجاح السياسة التعليمية فى تدريب القوى العاملة تعليمًا جيدًا.. والظاهر أن الولايات المتحدة تبدو فى صحة جيدة من هذه الناحية فهى تنفق على التعليم العالى كنسبة مئوية من الناتج المحلى الإجمالى ضعف ما تنفقه فرنسا وألمانيا واليابان وبريطانيا.
 
وفى 2009 شملت قائمة «التايمز» للتعليم العالى لأحسن الجامعات فى العالم (ومقرها لندن) ست جامعات أمريكية من أصل عشرة، وفى دراسة أعدتها جامعة شنغهاى سنة 2010 وضعت 17 جامعة أمريكية- وليس الصينية- بين أفضل 20 جامعة فى العالم، فضلا عن أن الأمريكيين هم الأكثر حصولا على جوائز نوبل ونشر البحوث العلمية المتخصصة فى أشهر المجلات، وذلك ثلاث مرات أكثر من الصين ومن فى أى بلد آخر. ويرى باحثون أن ثقافة الولايات المتحدة القائمة على الانفتاح والابتكار سوف تبقيها مركزا للعالم حتى ولو فقدت جزءا من قوتها أو قوتها كاملة، وأن إنجازاتها العلمية تعزز توجهها الاقتصادى الصحيح، كما تدعم قوتها الناعمة، وهو المفهوم الذى صاغه جوزيف ناى فى كتابه «مُقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية»، وأصبح المصطلح يستخدم حاليا على نطاق واسع فى الشؤون الدولية من قبل المحللين والسياسيين.
 
وبالتالى فإن الحديث عن القوة «كحالة تقليدية» هى مبالغة مضللة، وفى الغالب قد لا تؤدى إلى نتائج مرضية، السؤال هو كما يجب على الولايات المتحدة أن تنفق على الدفاع والسياسة الخارجية لتحافظ على استراتيجيتها. 
 
البعض يرى أن أمريكا ليس لديها خيار سوى تقليص النفقات فى هذه المجالات، وهذا ليس هو الحال.. ومع ذلك هناك احتمال معقول أنها ستبقى الدولة الأقوى فى العقود المقبلة.
 
القوة هى القدرة على تحقيق النتائج التى نريدها، ومشكلة القوة الأمريكية فى القرن الحادى والعشرين، ليست فى التراجع فقط، وإنما فى إدراكها أن حتى أكبر بلد فى العالم لا يمكن أن يحقق النتائج، التى يريدها دون مساعدة من الآخرين.
 
بعض التقديرات تقول بأنه من غير المحتمل أن نرى عالم ما بعد أمريكا خلال العقود المقبلة، إلا أن الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية “قوة ذكية” تجمع بين مواردها ومستويات إنفاقها، التى تؤكد فى الأخير التحالفات والشبكات، التى تستجيب إلى السياق العالمى الجديد لعصر المعلومات، معظم- إن لم نقل كل- التنبؤات تشير إلى تفوق للصين والهند واليابان وحتى البرازيل على الولايات المتحدة فى العقود المقبلة، لكن التهديد الأكبر على قوة أمريكا قد لا يأتى من «دولة»، وإنما من «جهات فاعلة من غير الدول»، وإذا كانت الحكمة التقليدية تقول بأن الدولة التى لديها أكبر جيش تسود، ففى عصر المعلومات وانتشار القدرات التكنولوجية الخارقة، تنهار عقيدة الجيوش الضخمة تمامًا، وعلى العالم أن يستعد للحرب المقبلة.. حرب ستكون سينمائية، ولكن على أرض الواقع، إذا أمريكا ترى أن المستقبل إذا استمر مع العلم فإنها سوف تواصل التقدم، أما إذا لم تواصل نهضتها العلمية فإنها ستتراجع فى كل المجالات. 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة