يوسف أيوب

التحالف الإسلامى من إيزنهاور لترامب

السبت، 13 مايو 2017 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد أسبوع تستضيف المملكة العربية السعودية القمة الإسلامية الأمريكية، بحضور الرئيس دونالد ترامب الذى قال إن: «السعودية تحتضن الموقعين الأكثر قدسية فى الإسلام، وهناك سنبدأ تأسيس قواعد جديدة للتعاون والدعم مع حلفائنا المسلمين لمواجهة التطرف والإرهاب والعنف، ولتوفير مستقبل أكثر أملا وعدلا للمسلمين الشباب فى بلدانهم»، وبخلاف ما قاله ترامب، فهناك توقعات كثيرة بأن الهدف الأساسى من قمة الرياض، هو تكوين تحالف إسلامى يكون رأس حربة فى مواجهة إيران.
 
فكرة هذا التحالف رغم أنها لم تظهر بشكل رسمى حتى الآن، إلا أنها تعيدنا إلى ما قبل عامين تحديداً، فى 15 ديسمبر 2015 حينما أعلن الأمير محمد بن سلمان، ولى ولى العهد تشكيل تحالف إسلامى بقيادة المملكة العربية السعودية، يهدف إلى «محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أيا كان مذهبها وتسميتها»، ويضم التحالف العسكرى يضم 41 دولة مسلمة، ويملك التحالف غرفة عمليات مشتركة مقرها الرياض، وقال الأمير محمد حينها: «بلا شك سيكون هناك تنسيق دولى مع جميع المنظمات الدولية ومع الدول المهمة فى العالم لهذا العمل».
 
وجاءت فكرة هذا التحالف أساساً لمواجهة الأحداث التى شهدتها ولا تزال تشهدها اليمن التى تزعج دول الخليج بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، فى ظل الدعم القوى الذى تقدمه إيران للحوثيين وحلفائهم فى اليمن، خاصة رجال على عبدالله صالح، وهو ما يهدد الأمن القومى الخليجى، من جانب إيران التى أدخلت نفسها فى مشاكل وعدوات ليست فى حاجة لها مع دول الخليج، لذلك كان تفكير المملكة هو أن يكون هناك تحرك إقليمى بغطاء دولى لمواجهة الأهداف الإيرانية فى المنطقة التى ازدادت بعد توقيع الاتفاق النووى الذى منحها هامشا كبيرا من حرية التحرك فى المنطقة، استنادا إلى توافقاتها المعلنة والسرية أيضاً مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى.
 
تاريخياً تبقى فكرة التحالف الإسلامى هى الحل الذى تلجأ له الدول الكبرى لمواجهة أزماتها خاصة فى الشرق الأوسط، حتى وإن تغيرت الوجوه والسياسات أيضاً، فإذا عدنا للوراء تحديداً لفترة الخمسينات سنجد أن دوايت آيزنهاور، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بين عامى 1953 و1961، لجأ لهذه الفكرة فى عام 1957 لمواجهة ما اعتبره المد السوفيتى فى المنطقة، وكان المقترح يقوم على فكرة إنشاء تحالف إسلامى تتزعمه تركيا ويضم السعودية والعراق وإيران، وقال آيزنهاور فى مذكراته إن بلاده كانت تنوى احتلال سوريا، وأجرى محادثات بهذا الشأن مع تركيا، إلا أنها تراجعت، وأوكلت المهمة للعراق على عهد نورى السعيد، لكن مصر أرسلت قوات المظلات إلى سوريا، معلنة مساندة الجيش السورى، بعد أن تأكدت المخابرات المصرية من وجود خطة أمريكية بمشاركة تركيا والعراق لغزو سوريا، لينتهى الأمر إلى إعلان الوحدة المصرية السورية.
 
كما قال عبدالناصر حينها: إن أمريكا كانت تسعى لإقامة قوى مضادة للثورة التى تتزعمها مصر آنذاك، وأن آيزنهاور اقترح على الملك سعود شن حملة دعائية إسلامية وإنشاء حلف إسلامى، ودعا آيزنهاور الملك سعود إلى أمريكا واستقبله شخصيا بالمطار، وعند عودة الملك إلى بلاده أعلن أن تشكيل التحالف الإسلامى لم يكن اقتراحا أمريكيا، بل كان سعوديا، من أجل خير المسلمين والدين.
 
كانت فكرة تحالف «آيزنهاور» الإسلامى فى نهاية الخمسينات، موجهة فى الأساس للاتحاد السوفيتى ولحركة التحرر الوطنى بزعامة عبدالناصر، فلجأ إلى السعودية وإيران وتركيا والعراق لمواجهة الاثنين، وبعدما فشلت فكرته، كان البديل ما أطلق عليه «حلف بغداد».
 
ما بين حلف «ترامب» الإسلامى، وتحالف «آيزنهاور» الإسلامى، تبقى إيران المعضلة، ففى الخمسينيات كانت فى قلب التحالف الذى دعمته ورعته الولايات المتحدة، لكنها الآن أصبحت الهدف الذى يسعى له ترامب بفكرته الجديد إلى القضاء على سياساتها المعتمدة على فكرة الثورية الإسلامية، وهو ما يؤكد لنا جميعاً أن السياسة دائما متغيرة ولا تخضع لمنطق واحد.
 
فإيران فى الماضى كانت حليف الولايات المتحدة، أو كما كان يطلق عليها خلال «حكم الشاه الشرطى الأمريكى فى المنطقة»، وكانت بجانب تركيا الذراع العسكرى لواشنطن، وتوثقت علاقات البلدين بالولايات المتحدة وحليفتها الأساسية فى الشرق الأوسط، إسرائيل، فكانت العلاقات بين تركيا وإيران وإسرائيل هى الأقوى سياسياً واقتصاديا وعسكرياً، برعاية أمريكية بالطبع.
 
لكن الخريطة تغيرت الآن، ولم تعد إيران الحليف القوى لواشنطن، بل أصبحت على نقيض السياسة الأمريكية، حتى حينما حاول الرئيس السابق باراك أوباما فتح جسور التواصل مع طهران، كانت النتيجة أن السياسة الإيرانية استفادت مما وفره لها الاتفاق النووى، وتمددت سياسياً فى الشرق الأوسط على حساب الحلفاء التقليديين لواشنطن، وهو ما أخل بموازين القوى فى المنطقة، إلى أن جاء دونالد ترامب محاولاً تصحيح المسار، وإعادة الأمور إلى نصابها، حتى وإن اضطر إلى الخيار العسكرى لتحجيم إيران، لذلك كانت فكرته فى اللجوء إلى الدول الإسلامية لتكون معه فى هذه المواجهة.
 
قد تفشل فكرة ترامب، وقد يكتب لها النجاح، لكن فى المجمل فإنها تؤشر لتغيرات جذرية فى المنطقة، وقد يتبعها خطوات أخرى قد لا تكون مستساغة من جانب البعض، لكنها مطلوبة من وجهة نظر الكثيرين، ومنها على سبيل المثال الأمر المطروح فى عدد من الدراسات الغربية حول أمكانية وجود علاقة من نوع ما تجمع الدول العربية خارجة دول الخليج مع إسرائيل، لمواجهة النفوذ الإيرانى، باعتبار طهران أصبحت الهاجس الذى يؤرق كل الأطراف فى المنطقة حالياً، ورغم أن هناك تسريبات عن لقاءات سرية بين الجانبين، لكن لا يمكن اعتبارها مؤشراً على أن التلاقى العلنى سيحدث قريباً، لكنه سيحدث.
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة