د. خالد أبو الليل

خارج السياق

الأربعاء، 10 مايو 2017 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدا الدكتور جابر نصار ، رئيس جامعة القاهرة، خارج السياق العام، وهو يعلن رغبته في عدم التقدم للترشح لرئاسة جامعة القاهرة، تلك الجامعة العريقة، التي يحظى من يترأسها بقدر كبير من الاهتمام المجتمعي والإعلامي والسياسي. وهو المنصب الذي يطمح إليه الكثيرون من أبناء هذه الجامعة طموحا مشروعا، وهو المنصب الذي شغله جابر نصار لمدة أربع سنوات، تمكن خلالها من تحقيق عدد من الإنجازات المهمة، سواء على مستوى الميزانية أو المشروعات التنموية بالجامعة، أو على مستوى البحث العلمي والدراسات العليا، أو على مستوى شئون التعليم والأنشطة الطلابية، أو على مستوى الرسالة الثقافية التي انشغل بها طيلة هذه المرحلة، ويشهد على ذلك تلك المسابقات الثقافية والعلمية التي أعلن عنها، مثل مسابقة اختيار أفضل مقرر عن الحوار بين الشعوب ليكون مقررا لكل كليات الجامعة، أو مسابقة الحلول الإبداعية لتطوير التعليم، أو مسابقات حول الرموز الفكرية والثقافية ومشروعاتهم الفكرية مثل علي عبد الرازق وطه حسين وقاسم أمين، أو من خلال تلك الندوات الثقافية التي جعل قبة الجامعة مسرحا لأحداثها، فاستضافت رموز الفكر المصري المستنير المعاصر، على اختلاف توجهاتهم، في حوارات مفتوحة مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، والتي ستصدر في كتاب قريبا. 
 
غير أن الأهمية الكبرى هو فتح نافذة جامعة القاهرة لربطها بالمجتمع المصري ، وهو ذلك الهدف الذي كنا نتمناه جميعا ، ونطمح لتحقيقه، وهو ربط الجامعة بالمجتمع ، وكسر هذا الحاجز ؛ لتصير الجامعة في خدمة المجتمع. أهداف كثيرة سعى إلى تحقيقها جابر نصار مع إدارة الجامعة ، أنجز الكثير منها ، وشرع في تنفيذ بعض منها. لا يشوب هذه المرحلة بعض الآراء التي اختلفت معه، سواء حالف هذا أو ذاك الصواب أو جانبه، بل إن ذلك الاختلاف في الرؤية يعد أمرا مطلوبا وصحيا يثري الحياة الجامعية، ولكن لا ينفي هذا الاختلاف معه ما يتسم به الرجل من جرأة وشجاعة على اقتحام كثير من القضايا التي لم يجرؤ البعض على فتحها، وكذلك لا نستطيع إنكار دوره التنويري الذي عاشته الجامعة طيلة الفترة الماضية ، أو نشاطه المكثف في أعماله، ومتابعة كل صغيرة وكبيرة، بل قبل كل هذا قدرته على كسر ذلك الحاجز بينه وبين الطلاب، سواء في مكتبه الذي صار مفتوحا لكل صاحب مشكلة أو راغب في مقابلته، أو حتى خارج هذا المكتب، إلى غير ذلك مما كان واضحا وجليا للجميع. 
 
ولكن هناك سؤالين مهمين بالنسبة لي وأنا أتابع رد الفعل الجامعي والمجتمعي حول هذا القرار. أولهما: لماذا يعلن نصار قراره هذا، بل يصر على الاستمرار فيه رغم تمسك معظم أبناء الجامعة به، طلابا وعاملين وأعضاء هيئة تدريس؟ (مع وجود من يرحب بذلك القرار بالطبع). فهناك من يتمنى استمرار جابر نصار رئيسا للجامعة ليكمل تلك المسيرة الإصلاحية التي بدأها، وهي مسيرة- حقيقة- متواصلة، فتاريخ الجامعة عامر بالإصلاحيين والتنويريين، ولكن كاريزما جابر نصار بدت مختلفة، خاصة أنه جاء بالانتخاب، كما أنه انفتح على كثير من الملفات التي كانت مغلقة لدهر طويل، فهو لم يكن رئيس جامعة تقليدي يقبع في مكتبه، أو يعيش ببرج عاجي، منفصلا عن المجتمع الجامعي بكل أفراده، بل كان حريصا على مشاركة هذا المجتمع معظم مناسباته، لدرجة أنه كان أحيانا ينتقل من تلك الكلية إلى أخرى ليفتتح مؤتمرا أو يعاين مشكلة، وبين هذا الحدث وذاك بضع دقائق. قد يأتيك بموعد أو بدون موعد، تراه بين الطلاب وكأنه واحد منهم، يفكر بعقولهم، ويعايش قضاياهم وهمومهم وآمالهم وآلامهم ، وكلما وجد فكرة طيبة أثنى عليها، وطالب مقترحها بتنفيذها فورا. وتراه يتابع إحدى المحاضرات متعرفا على بعض المشاكل. ونظرا إلى الظروف التي تمر بها البلاد استغنى عن كثير من دعم الدولة للجامعة، مفعلا تنمية موارد الجامعة الذاتية، وبرغم دعوته بالتقشف، فإنه لم ينادِ بذلك مع البحث العلمي، ففي عهده زاد دعم الجامعة للبحث العلمي والباحثين، فضاعف من مكافآت النشر الدولي، والمشاركة في المؤتمرات الخارجية. في عهده بدت ساحة جامعة القاهرة عامرة بالندوات الثقافية والغنائية والعلمية والمعارض الفنية والخيرية. 
 
ثاني السؤالين:  لماذا بدا هذا القرار غريبا؟ لا يستطيع جابر نصار أو غيره إنكار الرغبة في الاستمرار في منصب رئيس الجامعة، بكل ما لهذا المنصب من سحر وإغراءات، ولكن الصراع- فيما أظن- داخل جابر نصار كان بين مقاومة هذه الإغراءات وبين الانتصار لروح المبدأ. ففي داخله مبدأ يؤمن به جابر نصار وأبناء جيله، ممن حرمتهم ظروفهم الجيلية من الوصول إلى تحقيق كثير من أهدافهم، لولا ما أحدثته ثورتا يناير 2011  ويونيه 2013 في زلزلة الوضع المصري المتجمد. ذلك الكيان الذي سيطر على مجريات الأحداث السياسية والثقافية فيه جيل امتد عمره لفترة طويلة قضت على طموحات أجيال أتت بعده. جيل غلبت عليه الأنانية في السيطرة على كل شيء، وعدم ترك فرصة للأجيال الجديدة الناشئة كي تعبر عن نفسها، فهم كانوا يخشون أي حراك أو تغيير يهدد وجودهم. عانى جابر نصار وجيله من ذلك الغبن الاجتماعي، فرفعوا- ونرفع معهم- شعار تداول المناصب، وألا نقع في الخطأ الذي سبق أن وقع فيه سابقونا. شعار لا استمرار في منصب أكثر من فترة أو فترتين؛ حتى لا ندفن مواهب وأجيالا جديرة بأن تعبر عن نفسها. عاش جابر نصار هذا الصراع بين وهج المنصب وبريقه، وبين الانتصار لروح المبدأ الذي يرفعه. فبوصفه إنسانا يتمنى الاستمرار في المنصب، ولكنه انتصر للمبدأ الذي رفعه، وهو انتصار لقيمة اجتماعية وسياسية مهمة أحوج ما نكون إليها، ربما يكون في دعمها ونشرها لتصير أمر عاديا في المجتمع، ما يمكن أن ينهض بالمجتمع كله، ويرتقي به.  
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة