وقف سعد زغلول باشا، وزير الحقانية، أمام الجمعية العمومية «البرلمان» مدافعًا عن مشروع الحكومة بمد امتياز قناة السويس لبريطانيا 40 عاما، حسب كتاب «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة» للدكتور مصطفى الحفناوى «الجزء الرابع- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة».
كان دفاع «سعد» يوم 4 إبريل 1910، وكان المشروع مرفوعًا من الحكومة إلى الجمعية العمومية التى تحدث الخديوى عباس حلمى الثانى أمامها أثناء افتتاحها يوم 9 فبراير 1910، طالبا من النواب إعطاء الرأى فيها، وشمل المشروع «مد أجل الامتياز إلى أربعين سنة أخرى، على شرط اقتسام الأرباح فى هذه المدة بين الحكومة وشركة القناة مناصفة، وفى مقابل إعطاء الشركة نصف الأرباح عن المدة الجديدة»، حسبما يؤكد عبدالرحمن الرافعى «محمد فريد رمز العطاء والإخلاص» عن «دار المعارف- القاهرة».
كانت قناة السويس بهذا المشروع ستبقى تحت سيطرة بريطانيا حتى عام 2008، على أساس أن فترة الامتياز الأولى تنتهى عام 1968، وبإضافة فترة الامتياز الثانية «40 عاما» تمتد السيطرة حتى عام 2008، وكانت حكومة بطرس باشا غالى، رئيس مجلس النظار «الوزراء»، هى صاحبة المشروع الذى دفع «إبراهيم الوردانى» إلى قتل «غالى» يوم 20 فبراير 1910، ويذكر «أحمد شفيق باشا»، رئيس ديوان الخديوى عباس الثانى، فى مذكراته «الهيئة العامة لقصور الثقافة- القاهرة» أنه قبل أن يفتح مع الوردانى محضر التحقيق الرسمى سأله وكيل الحقانية: «لماذا فعلت فعلتك بالباشا؟»، فأجاب غاضبا: «لأنه خائن للوطن».
قاد الزعيم محمد فريد، رئيس الحزب الوطنى، الحملة ضد المشروع، ووفقًا للرافعى: «كان طى الكتمان لمدة عام، وكان فى عزم الوزارة إنفاذه بسرعة حتى لا يزعجها احتجاج الصحف الوطنية، حتى تمكن فريد من الحصول على نسخة منه وبادر إلى نشرها فى جريدة اللواء»، وتابع ذلك بسلسلة مقالات «دلت على سعة إلمامه بدقائق المسألة المصرية وملابساتها من الوجهتين السياسية والمالية»، وأمام الغضب الشعبى قرر الخديوى عباس الثانى إحالة المشروع إلى الجمعية العمومية، على أن يقوم سعد زغلول بالدفاع عن رأى الحكومة باعتباره وزيرا للحقانية، وبعد إحالته قررت «الجمعية» تشكيل لجنة لدراسة المشروع دراسة مستفيضة، وأعدت اللجنة تقريرها واجتمعت الجمعية العمومية بجلسة 21 مارس لمناقشته، وفى جلسة يوم 4 إبريل وقف سعد زغلول مدافعا عن المشروع من مذكرة أعدتها الحكومة، وفقا لما يذكره «الرافعى»، قائلاً: «المشروع متعلق بالاستقبال، وقدرة الإنسان فى الأمور الغيبية قدرة بعيدة الاحتمال، ولذلك اختلفت الظنون والأفكار فى هذا المشروع اختلافا كثيرا، ونحن يجب علينا أن نفهم هذا الاختلاف، ولكن الذى لا ينبغى هو أن يفهم المخالف للآخر، أن هذا سيئ القصد والنية».
استمرت المناقشات فى جلسة يوم 7 إبريل «مثل هذا اليوم» 1910، ويقول الرافعى: «أراد سعد باشا أن يستأنف دفاعه عن المشروع، فرأى الأعضاء الاكتفاء بما قاله فى الجلسة السابقة، فاعترض على ذلك بأن هذه مقاطعة غير جائزة، وقال: «يقوم أحد رجال الحكومة ليتكلم فبأى حق يقطع عليه الكلام؟ قمت لأقول ملاحظاتى على أقوال اللجنة، فكيف أمنع من ذلك؟ يجب على الجمعية العمومية أن تسمع كلام الحكومة أولا» إلى أن قال: «إنكم استعملتم هذا السلاح ضدى اليوم، وسيستعمل غدا ضدكم، فاحذروه والرأى لكم»، ورد عليه إسماعيل باشا أباظة، بأن المسألة استوفت بحثا من جانب الحكومة والجمعية، وبعد مناقشة وجيزة أخد الرأى على قفل باب المناقشة، فتقرر ذلك بالأغلبية، ثم أخذ الرأى على المشروع بالنداء بالاسم، فقررت الجمعية رفض المشروع بالإجماع، ماعدا مرقص سميكة باشا والوزراء». كان الرفض عملا جليلا رائعا من الجمعية العمومية، ورائعا من أعمال الحزب الوطنى بزعامة محمد فريد وفقا لـ«مصطفى الحفناوى»، مضيفًا: «كان وقع الرفض على الإنجليز كالصاعقة»، وعن حماس الشعب المصرى قال: «كانت قاعة الجمعية العمومية غاصة بالنظارة «الحكومة»، ولما صدر القرار التاريخى شوهد الزائرون والموظفون والصحفيون يعانق بعضهم بعضا، ويتبادلون التهانى الحارة، وتألفت مظاهرة من خمسة عشر ألف مصرى، ولأول مرة فى شوارع القاهرة منذ احتلال إنجلترا لمصر دوى هذا الهتاف: «ليسقط جيش الاحتلال، فلتسقط إنجلترا»، ويستخلص «الحفناوى» من هذا الهتاف معنى «أن الأمة عرفت الحقيقة، وفهمت أن جيش الاحتلال هو شركة قناة السويس، وأن هذه الشركة هى إنجلترا المحتلة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة