صبحى شحاتة يكتب: يا شبح!!

يا شبح !!من أكثر الكلمات تداولاً الآن، لاسيما بين الشباب، ينادون بعضهم بها:

يا شبح.

والشبح فى مختار الصحاح هو:

الشخص.

وأضيف: أنه الشخص غير المحدد، إن كان رجلاً أم امرأة، شاباً أم عجوزاً، موجوداً أم وهماً وظناً.

سألت شاباً، كان يجلس بجوارى فى المقهى ومافتئ ينادى الرائح والغادى بها، عن معناها لديه، وكنت جاداً واخبرته لتأكيد جديتى:

إننى كاتب تهمنى معانى الكلمات لأننى أستخدمها فى الكتابة، فضحك وقال :معرفش.. سمعتها من الناس، وهى مش شتيمة ولا أى حاجة.

الشبح اسم عام غامض ينطبق على كل شيء وليس على شيء محدد؛ يعنى غياب التمييز بين الأفراد بل غياب الأفراد انفسهم فيه، فالكل تحت هذا الاسم المطلق اللازمنى لا شيء، لا أحد، شبح.

لكن هذا اللا أحد موجود بوصفه حضور الغياب، غائب فى حضوره.

شيوع اسم الشبح من الجميع إلى الجميع، إقرار بالغياب وقبول الغياب بلا شجن وتأسٍ أو نقد، أنه نوع من رفض الوجود غير المحدد هذا، غير المميز هذا.

ولأن اللغة المتداولة مجلى لنفوس وعقول مستخدميها، والفرد هو اللبنة الأساسية، فى البناء الاجتماعى وثقافة حقوق الأنسان واحترامه وخصوصيته وفرادته غائبة ومغيبة أمام ثقافة الأستبداد والتسلط والتنميط والتبويب والفهرسة والخانات؛ يتحول الفرد الفريد النادر إلى شبح، وجود غائم، لا يظهر تماماً، لا تتضح معالمه، هو الجميع، ولا أحد، له ألف وجه، حسب الطلب، ومليون حضور حسب السياق، يعيش فى عالم برزخى ما بين الحقيقة والوهم، الوجود واللا وجود.

الاسم فى الثقافة الفرعونية، هو الشخص نفسه، ينادى به فى حياته وعند قيامه من موته فى العالم الآخر:

قم باسمك.

ومازالت الأمهات عندما يغضبن على ابنائهن وبناتهن يدعين عليهم:

يامخفى/ مخفية، الاسم.

الاسم إذن هو الخلق، الفصل، التحديد، الظهور.

فى الأوديسة خدع أوديسيوس وحش الأسكيلوب الذى سأله:

من أنت يامن اصبتنى بالعمى؟

قال أوديسيوس:

اسمى لا أحد.

لذا لم تستطع الوحوش التعرف على أودسيوس أبداً.