يوسف أيوب يكتب:حكاية تعديلات دستورية "هزلية" منحت أردوغان صفة "نصف إله".. رئيس تركيا يحلم بالخلافة الأردوغانية على أنقاض تركة "سليمان القانونى".. و"نعم" الأخيرة للدستور تحفر قبر النهاية للسلطان الحالم

الإثنين، 17 أبريل 2017 01:13 م
يوسف أيوب يكتب:حكاية تعديلات دستورية "هزلية" منحت أردوغان صفة "نصف إله".. رئيس تركيا يحلم بالخلافة الأردوغانية على أنقاض تركة "سليمان القانونى".. و"نعم" الأخيرة للدستور تحفر قبر النهاية للسلطان الحالم حكاية تعديلات دستورية هزلية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

منذ الظهور السياسى الأول لرجب طيب أردوغان عام 1989 حينما خاض الإتنتخابات البلدية التركية على قائمة حزب الرفاه، وبعدها فى 1994 بترشحه لمنصب عمدة إسطنبول، وهو يضع أمام عينيه سليمان القانونى، أحد أشهر السلاطين العثمانيين، الذى حكم 48 سنة وتوسعت الدولة العثمانية فى عهده وتطورت البحرية العثمانية كثيرا، ووضع القوانين وواصل فتوحاته.. سليمان القانونى هو الهدف والحلم الذى يسعى له أردوغان.. يحلم بأن يكون السلطان، فهو حتى الأن "السلطان الحالم".

 

تنقل أردوغان بين الأحزاب والتيارات السياسية حتى يحقق حلمه بالوصول إلى رأس السلطة فى تركيا، بدأ بلغة خطابية متشددة، تسببت فى سجنه عام 1998 بعدما اتهُم أردوغان بالتحريض على الكراهية الدينية لأقتباسه أبياتاً من شعر تركى أثناء خطاب جماهيري قال فيه "مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذاتنا.. مآذننا حرابنا.. والمصلون جنودنا..هذا الجيش المقدس يحرس ديننا".

 

تعلم أردوغان جيداً مما حدث لأستاذه نجم الدين أربكان، فحرص منذ تأسيسه حزب العدالة والتنمية عام 2001 مع شركائه على أن يقفز سريعاً للأمام، وأن ينقلب هو على المؤسسات التركية قبل أن تلقى به خارج الساحة، أو يكون السجن مصيره، تعلم من أربكان السياسة، لكنه تنكر لأستاذه بعد ذلك، وهى عادة لازمت اردوغان طيلة حياته السياسية، فنكران الجميل هو الطريق الذى بفضل السير عليه، وأخرهم مع صديقه، عبد الله جول، الذى أنقلب عليه وهمش دوره تماماً قبل أن يزيحه تماماً من الحياة السياسية والحزبية، لينفرد هو بالسلطة.

 

جلس أردوغان على رأس الحكومة التركية فى مارس 2003 ، لكن تفكيره كان أبعد من ذلك بكثير، أنها الرغبة فى الإنفراد بحكم تركيا، بداية لإعادة دولة الخلافة، وكانت نقطة الأنطلاق الأولى له هى رئاسة الجمهورية التى وصل أليها فى 28 أغسطس 2014، بعدما قضى 11 عاماً فى رئاسة الحكومة، ورغم أن الرئاسة فى تركيا منصب شرفى، الأ أن أردوغان كان يدرك هدفه جيداً، وهو تحويل المنصب إلى كل شئ، لكن بطريقة الخطوة خطوة.

 

الخطوة الأولى كانت فى تحجيم دور القوات المسلحة التركية، التى بوصف الدستور التركى حامية للدولة العلمانية، وهى بذلك تمثل أكبر تهديد لأردوغان وأحلامه، وواصل أرودغان حملته ضد الجيش التركى إلى أن وصلنا إلى محطة "الأنقلاب العسكرى" الفاشل، الذى أحسن أردوغان أستغلاله فى سجن وطرد وتشريد الالاف من قيادات الجيش التركى، وأستبدالهم بمجموعة تأتمر من أردوغان.

 

الخطوة التالية كانت فى تجريد المعارضة من أى قوة، ووصل به المدى إلى أعتقال نواب بالبرلمان ورؤساء أحزاب، لأنهم تجرأو على رئيس تركيا، وفساده وديكتاتوريته.

 

الخطوة الثالية كانت بتكبيل يد القضاء ومن قبله الإعلام الذى كان الأكثر تعرضاً للأضطهاد من جانب أردوغان، بحملة شملت سجن مئات الصحفيين وأغلاق صحف ومواقع ألكترونية، بل وغلقة مواقع التواصل الأجتماعى فى تركيا، والتى كانت بمثابة المتنفس الوحيد للأتراك أمام ديكتاتورية أردوغان.

 

ثم جاءت الخطوة الاخيرة، وهى التعديلات الدستورية التى جرى الأستفتاء عليها أمس الأحد فى مسرحية هزلية كتب فصولها منذ أشهر أردوغان نفسه.

 

خطوات أربعة لا تعرف للديمقراطية وصفا، وصفها الوحيد أنها "ديمقراطية الديكتاتور أردوغان" التى لا تعريف لها فى قواميس السياسة، والتعريف الوحيد موجود فقط فى عقل أردوغان، الذى صعد إلى قمة السلطة فى تركيا بسلم الديمقراطية وبعد الوصول كسر هذا السلم وألقى به فى سلة التاريخ، واضعاً لنفسه تعريفات وتوصيفات خاصة به فى الديمقراطية.

 

قبل الحديث عن التعديلات الدستورية الهزلية، أود أن أشير إلى صاحب الحلم الذى يراود أردوغان دوماً فى منامه، وهو السلطان العثمانى، سليمان القانونى، الذى كان يُعرف فى الغرب باسم سليمان العظيم، وهو أحد أشهر السلاطين العثمانيين، وكان يكون صاحب أطول فترة حُكْم بين السلاطين العثمانيين، حيث قضى ستة وأربعين عامًا على قمَّة السلطة فى دولة الخلافة العثمانية، وبلغت فى أثنائها الدولة قمَّة درجات القوَّة والسلطان؛ حيث اتسعت أرجاؤها على نحوٍ لم تشهده من قبلُ، وبسطت سلطانها على كثير من دول العالم فى قاراته الثلاث، وامتدَّت هيبتُها فشملت العالم كلَّه.

 

سليمان القانونى هو الذى يريده أردوغان الأن، لا يريد فقط حكم تركيا، وإنما الخلافة الأردوغانية الجديدة، التى تشمل الدول الإسلامية، أستغل هبة الربيع العربى، وأراد فرض سيطرته على مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا، لكن جاءت ثورة 30 يونيو فى مصر لتفشل خطته، فعاد مرة اخرى إلى أحضان إسرائيل، ليعيد ترتيب أوراقه من جديد، ولينسج مجدداً خطة يعيد بها الحلم مرة أخرى.

 

لكن الحلم مرتبط لديه بالسلطة المطلقة فى تركيا، وهو ما تحقق له نسبياً بالأستفتاء "الهزلى" الذى عاشته تركيا أمس الأحد، الذى قضى تماماً على الجمهورية التركية التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك قبل 94 عاماً.. حصل أردوغان على نعم للأستفتاء، لكنها نعم مقرونة بدماء الأتراك التى سالت دفاعاً عن كرامتهم وحفاظاً على بلدهم وهويتهم من الهجمة الأردوغانية.

 

التعديلات الدستورية منحت أردوغان صفة "نصف إله"، فبيده الأن تركزت كافة السلطات، وسيبقى على رأس السلطة حتى 2029، وربما أزيد أذا أجرى تعديلاً جديداً على الدستور، سيكون فى يده السلطة التنفيذية بالكامل، يلغى مجلس الوزراء، ويتولى هو مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية، كما سيتولى صلاحيات تنفيذية وقيادة الجيش، ويحق له تعيين الوزراء وإقالتهم، وتعيين 4 أعضاء فى المجلس الأعلى للقضاة الذى يتولى التعيينات والإقالات فى السلك القضائى، وإعلان حالة الطوارئ فى حال توفر الشروط المحددة فى القانون.

 

تبقى الأن أمام أردوغان أن يحقق لنفسه "نصف الإله الآخر"، وهو ما يحاول الوصول أليه بعد تربعه قهراً وظلماً بالكامل على عرش السلطة فى تركيا، لكن المؤكد أن هذا النصف لن يتحقق، لأن قراءة التاريخ تعطينا دلائل ومؤشرات على أن أردوغان حفر قبر النهاية لنفسه ولحزبه، وينتظر فقط إعلان لحظة النهاية.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة