الليبى هشام مطر الفائز بجائزة بوليتزر.. ويدخل التاريخ بسيرته الذاتية

السبت، 15 أبريل 2017 01:22 م
الليبى هشام مطر الفائز بجائزة بوليتزر.. ويدخل التاريخ بسيرته الذاتية الكاتب الليبى هشام مطر
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يشكل فوز المبدع الليبى هشام مطر بجائزة بوليتزر هذا العام فى أدب السيرة الذاتية عن روايته "العودة" حدثا مهما للإبداع العربى ككل بقدر ما يمثل فرصة للاطلاع على عالم هذا الكاتب والروائى الذى عاش شطرا من سنوات الصبا فى مصر.

 

و"العودة" التى فازت مؤخرا بجائزة بوليتزر الأمريكية بمثابة "دفتر يوميات للعودة للوطن بعين روائى وقلم يعبر بحساسية فائقة عن المكان والزمان"، وهى سيرة ذاتية للمؤلف فى قالب روائى وقد ترجمت من الإنجليزية إلى عدة لغات ومن المنتظر أن تترجم للعربية قريبا.

 

ويقول الناقد جون ويليامز، فى صحيفة نيويورك تايمز، إن هذه السيرة الذاتية تشكل "كشف حساب لخبرات وتجارب هشام مطر، الذى "يعيش الوطن فيه مهما رحل وابتعد وتنقل بين البلدان الأخرى".

 

وقضى هشام مطر سنوات طفولته ما بين طرابلس والقاهرة فيما يعمل حاليا كأستاذ جامعى فى "كلية برنارد" بجامعة كولومبيا وهى الجامعة التى تمنح جوائز بوليتزر فى مجالات عدة تتوزع مابين الصحافة والأدب والموسيقى.

 

فيما قد يشعر البعض بنوع من الالتباس حيال وصف كتاب فى السيرة الذاتية بالرواية فإن هشام مطر ينتمى بوضوح لتلك النوعية من المبدعين التى ترفض التصنيفات الجامدة وهى ظاهرة لافتة فى الغرب على وجه الخصوص حيث "النص العابر للأنواع" لتتداخل أطياف الإبداع عابرة للحدود التقليدية وليصعب الآن تصنيف نص ما لمبدع بصورة صارمة ككتاب أو رواية أو سيرة ذاتية.

 

وفى العام الماضى كانت جائزة بوليتزر للسيرة الذاتية من نصيب كتاب "الأيام البربرية - حياة التجوال" لـ ويليام فينيجان.

 

وهذه الجوائز التى تحمل اسم الصحفى الأمريكى جوزيف بوليتزر، يرجع تاريخها إلى عام 1917 وتتوزع جوائز البوليتزر ما بين مجالات الصحافة والرواية والشعر والموسيقى والمسرح والتاريخ والسيرة الذاتية والعلوم العامة ويبلغ مجموع فئات الجائزة 21 فئة.

 

ومع أن جوائز بوليتزر التى أعلنت مؤخرا لهذا العام تحمل شعار "التفوق فى الصحافة" وتوصف أحيانا بأنها "أوسكار الصحافة" فإن "الأدب لا يعد يتيما تماما على مائدة البوليتزر" فينتظر النقاد كل عام إعلان اسم الرواية التى فازت بالجائزة ومن ثم فإن لجوائز بوليتزر أهميتها فى الحياة الثقافية الأمريكية.

 

وإذا كانت جوائز البوليتزر الأكاديمية الأمريكية فى الأدب لا ترقى إلى مصاف جوائز نوبل فإن البوليتزر التى أكملت عامها المائة لا تقل أهمية عن جوائز المان بوكر البريطانية وتمهد الطريق أمام الفائز ليصبح نجما عالميا فى الأدب المكتوب بالإنجليزية.

 

ولقارئ الرواية الفائزة بجائزة بوليتزر فى السيرة الذاتية والتى كتبت "بإنجليزية أنيقة" أن يرى ويلمس بوضوح التفاعل الخلاق بين الشعبين الليبى والمصرى فى إبداعات هشام مطر منذ فاتحة الكتاب وظهور المؤلف مع والدته وزوجته فى إحدى قاعات مطار القاهرة الدولى انتظارا للطائرة التى ستقلهم إلى بنغازى.

 

والقارئ سيرى أيضا قدرة هذا المبدع الليبى على التجول بسلاسة لافتة وبسرد أشبه بالموسيقى عبر العديد من الأزمنة والأمكنة فيما يشكل العام 1969 لحظة محورية لأحداث رواية "العودة" وهو العام الذى شهد ما عرف بثورة الفاتح من سبتمبر.

 

ومع ذلك يعود هشام مطر فى كتاب "العودة" لحقبة الاحتلال الإيطالى لليبيا وهو يتأمل قصة حياة جده، كما يتأمل الحاضر وعربدة الميليشيات التى تسعى لفرض سطوتها على الشعب الليبى بعد أن استغلت ما عرف "بالربيع العربى" وحالة الفراغ بعد الإطاحة بنظام حكم العقيد الراحل معمر القذافى.

 

وكانت اللجنة المانحة لجوائز بوليتزر هذا العام قد نوهت بأن رواية هشام مطر مرثية للوطن والأب بضمير المتكلم فيما تعج الرواية "بأشباح الماضى" وشىء من اللوعة حيال الحاضر الليبى فلم يتحقق بعد حلم هذا المبدع الليبى بشأن "ليبيا الجديدة" بعد ما عرف "بالربيع العربى".

 

ولد الروائى والشاعر هشام مطر عام 1970 فى نيويورك ودرس الهندسة المعمارية ويعيش حاليا مابين نيويورك ولندن فيما يكتب إبداعاته بالإنجليزية والطريف أنه عمل أحيانا فى مهن متعددة ومختلفة إلى حد كبير مابين الممثل المسرحى وعامل البناء ومجلد الكتب وعازف الجيتار فضلا عن النحت.

 

ويؤمن هذا المبدع الليبى "بقوة الحكى" أو ما يسميه "بسلطة الحكايات"، خاصة لهؤلاء الذين كتبت عليهم معاناة أوضاع إنسانية صعبة ولم يعد أمامهم من سبيل غير الخيال للإفلات من سطوة القيود.

 

وكانت رواية "فى بلد الرجال" أولى روايات هشام مطر وترجمت من الإنجليزية إلى 28 لغة من بينها العربية، بينما جاءت روايته الثانية بعنوان: "تشريح اختفاء" واختيرت فى عام 2011 من بين أفضل الكتب الصادرة بالإنجليزية.

 

وصاحب رواية "فى بلد الرجال" التى رشحت من قبل لجائزة مان بوكر يتبنى توجهات مضادة لنظام العقيد الراحل معمر القذافى، وكان والده الذى انتمى للمعارضة قد تعرض للاعتقال فى مطلع تسعينيات القرن الماضى بينما تتناول رواية "العودة" وهى فى الواقع سيرة ذاتية للمؤلف تفاصيل عودته إلى ليبيا بعد ثلاثة عقود عاشها خارج الوطن وهاجس البحث عن "الأب المفقود ومعرفة مصيره".

 

وبكلمات مؤثرة حقا، قال هشام مطر إنه اعتاد تصور عدم إمكانية فقد المرء لمن يحبهم غير أنه من الصواب أيضا التسليم بأن الموت حق فيما شعر بعد أن عاد لبلاده وتأكد من موت والده أنه لا مهرب من التسليم بتلك الحقيقة.

 

ولا يخفى هشام مطر أيضا أنه كان يشعر بالقلق حيال أنشطة والده كمعارض للنظام السابق فى ليبيا، كما يوضح أنه كان يحاول إقناع والده الراحل بأن الطريق الحقيقى للتغيير نحو الأفضل سواء على الصعيد الاجتماعى أو السياسى يتمثل فى التعليم والثقافة.

 

ولأن تحدث بعض النقاد بالغرب فى سياق تناول السيرة الذاتية لهشام مطر الفائزة بجائزة بوليتزر عن "الفراغ المؤلم" الذى قد يلهم الروح لكنه يتعبها فإن "ثيمة البحث عن الأب المفقود" حاضرة فى أغلب كتابات هذا المبدع الليبى الذى منح عضوية "الجمعية الملكية للأدب" فى بريطانيا وإن أكد على أن كل كتاب له جاء بتوجه مختلف وذائقة مغايرة وحساسية تختلف باختلاف دوافع الكتابة.

 

وإذ قال: "لابد أن نجد طريقا نصون به صفاء العدالة من الانتقام" لا يخفى هشام مطر شعوره بالأسى حيال الواقع الليبى وعمليات القتل وممارسات الإرهاب من جانب الميلشيات التى تسعى لاستمرارية "غياب الدولة" لتعيث فسادا فى الأرض الليبية فيما يؤيد هذا المبدع الليبى فى مقالاته الصحفية وطروحاته ضرورة وجود جيش وطنى فاعل وشرطة تحفظ الأمن ضمن مؤسسات للدولة فى ظل نظام حكم ديمقراطى وأجواء من الانفتاح والتنوع والتعددية.

 

ولا ريب أن هشام مطر بات علامة مهمة فى مسيرة الإبداع الليبى والعربى على وجه العموم وإن جاءت إبداعاته أصلا بالإنجليزية فيما يتردد اسمه بقوة فى الصحافة الثقافية الغربية كأحد نجوم السرد الجديد.

 

إن فوز هشام مطر بجائزة بوليتزر لأدب السيرة الذاتية هذا العام يشكل حقا مفاجأة سعيدة للثقافة العربية التى ينتمى لها هذا المبدع الليبى، مبدع يعرف أرض الكنانة جيدا ويقاسمه كل مصرى الأمل فى انتصار الشعب الليبى على الميليشيات الظلامية وعناصر الإرهاب لتكون ليبيا وطنا للإبداع وأرضا للرخاء ويطوى شعبها الشقيق دفتر الأحزان.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة