شددت الدكتورة عناية عز الدين وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية في لبنان، على أن التأخر في تبني وإقرار قانون انتخاب عادل يسمح بتمثيل كافة فئات الشعب وطوائفه دون أن يشعر أحد بالهيمنة والغبن أو العجز عن التمثل في الحياة السياسية هو خطيئة بحق الوطن وحق استقراره وسلمه الأهلي وإنسانه.
وأوضحت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، خلال فعاليات مبادرة "نساء للسلام" في رحاب جامعة الجنان في طرابلس، التي أقيمت بمناسبة الذكرى السنوية الرابعة لرحيل الدكتورة منى حداد يكن "امرأة السلام"، أن الشعب اللبناني يشعر بالقلق وتعاظم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتزايد الفقر والضغط على تماسك العائلة والمجتمع.
وينشر "اليوم السابع" النص الكامل لكلمة وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية اللبنانية، خلال إطلاق مبادرة "نساء للسلام" في رحاب جامعة الجنان في طرابلس. وإلى نص الكلمة:-
شرف كبير لي أن أكون اليوم هنا في طرابلس، الفيحاء، مدينة العلم والعلماء، هذه المدينة المنذورة للعطاء والإبداع والتسامح. هي المدينة التي ساهمت مع مدن أخرى على امتداد الساحل اللبناني بنشر الحضارة وصياغة الأحرف الأولى لمفهوم العروبة فيما بعد.
في زمن الحروب وفي زمن اغتيال المدن ذات التاريخ العريق والدور الثابت في الحضارة الانساني، نجتمع من أجل السلام في جامعة الجنان الرائدة والخلاقة، هذا الصرح التربوي الكريم الذي لا يفصل بين العلم والثقافة.
والحق يقال أيتها السيدات وأيها السادة أني أعرف طرابلس جيدا وهي من المدن التي بيني وبينها علاقة خاصة ولي فيها أحبة و أصدقاء، إلا أني أعبر عن أسفي الشديد لأن الظروف لم تسمح لي بأن أتعرف عن قرب على تلك السيدة النموذج والقدوة التي أثبتت أن لا انفصام بين المرأة الملتصقة بالتزامها وبين الخوض في غمار مقتضيات الحداثة.
إن المتتبع لنشاط وأعمال وسيرة الدكتورة منى حداد يكن يدرك مدى اعتزازها بهويتها المشرقية التي تنتمي إلى كل إرث الرسالات السماوية. لقد كانت منى يكن ظاهرة وقدوة من خلال اعتدالها ونشاطها ومن خلال توليها المواقع الإدارية والقيادية. لم تسمح أن يقف أمام انخراطها في كل مجالات الحداثة أي مانع أو عائق. فشكرا لك سيدة منى وجعل الله عملك هذا ميزاناً لك لديه ورحمةً وأجرا ومثوبة ومقاماً.
أيتها السيدات وأيها السادة لقد أحسنتم اختيار عنوان ذكرى الراحلة العزيزة "امرأة سلام" في ذكرى الحرب الأهلية. فما احوجنا اليوم إلى رجال سلام (ونحن نجتمع اليوم في صرح يحمل اسم أحد أهم رجال السلام في لبنان، رجل سلام حتى الشهادة رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رشيد كرامي) ونساء سلام في زمن تغذية النزعات المذهبية والفتن الممتلئة قتلا ودمارا في بلادنا العربية والإسلامية.
وما أحوجنا إلى الخوض الجدي والرصين والمسؤول في قضية جوهرية حول كيفية بناء السلام وحفظه في وطننا الصغير. فقد أن الآوان بعد كل التجارب التي مر بها اللبنانيون أن لا نكتفي بالكلام الوجداني أو النظري حول ثنائية الحرب والسلام، وأن ننتقل إلى الخطوات العملية التي تبدأ بالتنمية البشرية والرهان على الطاقات الإنسانية التي يزخر بها لبنان وذلك من خلال إرساء ثقافة تكافؤ الفرص واعتماد السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تثبت الشباب اللبناني وتحد من هجرة الأدمغة وعلى رأس هذه السياسات يأتي الإنماء المتوازن. وهذا ليس خياراً من بين خيارات أخرى، هو نص دستوري ورد في الطائف وتطبيقه من أوجب الواجبات، بهذه الطريقة نعزز ثقافة الحوار كبديل عن العنف ونرسي قيم قبول الآخر، الشريك في الوطن واحترامه.
واسمحوا لي أن أشير في هذه النقطة إلى الدور الخاص الذي يمكن للنساء أن يقمن به في التربية على السلام، وهو دور مهم كبير ومؤثر بدءا من الدور التربوي داخل الأسرة وصولا إلى دورهن في مواقع القرار حيث الأمل بنساء قائدات ووزيرات وأعضاء في المجالس النيابية يصنعن السلام من خلال امتلاكهن، وربما بالفطرة، لمهارات حل الخلافات بالحوار وتدوير الزوايا والمرونة، إضافة إلى عامل مهم وهو أن النساء عادة يدفعن الثمن الكبير في الحروب عندما يفقدن الابناء والأزواج والأحبة. من هنا أهمية هذا اللقاء اليوم وإطلاق مبادرة نساء للسلام ضمن فعاليات معرض الكتاب.
أيها الحضور الكريم أن مشاهد الأطفال الممزقة والعائلات المشردة على طريق الهجرة، واللاجئين المنتشرين في كل مكان، ومشاهد القتل المجاني في المساجد والكنائس والمعابد، في الطرقات والمتاجر، في الأعياد والمناسبات ودون مناسبات، إنما يشكل انهيارا كاملا لمنظومة القيم التي سعى إليها كل الأنبياء في هذه الأرض التي أرادها الله مهبطا للرسالات وجعلها مباركة وفرض فيها التحية سلاما.
إن لقاءنا هذا يجب أن يحمل دعوة واضحة للوحدة والاعتدال والتسامح ونبذ الفرقة واليوم ومع الاستقرارالأمني الخاص الذي نعيشه في لبنان ونحن نرى ما حولنا مشتعلا أجد نفسي مضطرة لأطلق نداء خاصا لساسة هذا الوطن بضرورة الالتفات إلى تحصين حالة الاستقرار هذه.
إنها مسؤوليتكم أيها الساسة اليوم قبل الغد.
ندائي اليوم لكافة القوى السياسية والأحزاب أن سلمنا الأهلي واستقرارنا الوطني أمانةٌ في أعناقكم لا ينبغي لكم أن تفرطوا بها لأي سبب كان وتحت أي شعار كان.
إن تأخركم اليوم في تبني وإقرار قانون انتخاب عادل يسمح بتمثيل كافة فئات الشعب وطوائفه دون أن يشعر أحد بالهيمنة والغبن أو العجز عن التمثل في الحياة السياسية هو خطيئة بحق الوطن وحق استقراره وسلمه الأهلي وإنسانه.
أيها الساسة ما قيمة نائب هنا أو نائب هناك بالزيادة أو النقصان أمام تصدع وحدتنا الوطنية وانكسار أحلام شبابنا وأملهم بمستقبل أفضل أو لحظة ألم واحدة لمواطن أو لأم في هذا البلد الحبيب.
لا تستهينوا بالفراغ أو اقرار قانون انتخاب مجحف فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى التضامن لإقفال كل الأبواب التي تؤثر على وحدة نسيجنا الوطني. ولا تستهينوا بالكلام واللغة فأول الحروب كلمة كما قيل قديما. واليوم نشهد استعادة لغة مقيتة تعيد إحياء النزعات المذهبية والطائفية كما نشهد للاسف طرح لمشاريع قوانين ترفع من منسوب التوتر. ليس في الكلام مبالغة فالتاريخ اللبناني شاهد على ذلك وكما هو معلوم فان حرب 1958 من أحد أسبابها قانون انتخاب وضع في العام 1957 وفصل على قياس حسابات شخصية ضيقة ومصالح فئوية مفرقة وغير جامعة. ولا أعتقد أن من مصلحة أحد اليوم استعادة لا لغة الحروب ولا مشاريع قوانين انتخابية لا تنتج الا ضربا للاستقرار والوحدة الوطنية.
إن الشعب اللبناني يشعر بالقلق وتعاظم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتزايد الفقر والضغط على تماسك العائلة والمجتمع.
وأنا من موقعي الوزاري في التنمية الإدارية أتلمس كل تلك الهواجس والمخاوف، ومن موقعي كمواطنة أتلمس أمل اللبنانيين وانتظارهم لبوادر تبعث في نفوسهم آمالا جديدة تجعلهم أكثر اطمئنانا في وطنهم وثقة بنظامهم وساستهم.
لقد تأملنا و تفاءلنا جميعا بالتوافق الجديد الذي شهده لبنان خلال المرحلة الماضية والذي تمت ترجمته بانتخابات رئاسية وحكومة ضمت معظم القوى السياسية وسميت حكومة استعادة الثقة.
إن الثقة اليوم تقتضي الاتفاق على قانون انتخابي يطلق دينامية جديدة للأجيال والفئات كافة وتفتح فرص التمثيل السياسي. يعني قانون انتخابي نسبي بدوائر موسعة بالحد الأدنى ويلحظ الكوتا النسائية.
في الختام كل الشكر لكم لتشريفي بأن أكون معكم في هذه المناسبة العزيزة وكلي اعتزاز باختياركم لي كواحدة من نساء السلام، تحية للتي تجمعنا اليوم، تحية لروحها، لنشاطها، لسيرتها العطرة، للنموذج الخاص الذي قدمته، لعائلتها الكريمة، لزوجها الوحدوي الرؤيوي، لأولادها الذين يكملون المسيرة والدرب، ولأبناء طرابلس الذين احتضنوها وساندوها. والتحية لكم جميعا، تحية أمل، أمل بمستقبل أكثر إشراقا وسلاما والسلام عليكم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة