بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلى، فى إطلاق شائعات ضد استقرار المملكة الأردنية الهاشمية، ليس فقط من خلال وسائل إعلامها بل على لسان مسئولين رسمين بحكومتها، من أجل إرباك الأوضاع هناك ورسم صورة مغايرة للواقع.
ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، تصريحات غريبة لسفيرة إسرائيل فى الأردن، عينات شلاين، والتى أعربت خلالها عن تشاؤمها حول الوضح فى المملكة الأردنية الهاشمية فى جلسة مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، جادى أيزنكوت، وتطرقا خلالها إلى تأثيرات أزمة اللاجئين السوريين فى المملكة.
الاحتجاجات فى الأردن
وكشف مسئول دبلوماسى إسرائيلى رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن اسمه لصحيفة "هاآرتس" إن الجلسة أجريت فى شهر نوفمبر الماضى، بناء على طلب أيزنكوت، مضيفا أن رئيس الأركان كان يريد معرفة الأوضاع من وجهة نظر سفيرة إسرائيل فى الأردن، الدولة ذات الأهمية الأمنية والاستراتيجية لإسرائيل.
وأضاف المسئول أنه بعد مرور بضعة أسابيع من ذلك قال أيزنكوت فى اجتماع مغلق إنه أصبح قلقا من أقوال السفيرة الإسرائيلية لدى عمان، حتى أنه قد أوضح فى ذلك الاجتماع أنه كلما دعت الحاجة، ستدعم إسرائيل الدولة الصديقة فى الشرق الأوسط.
وتقول عدة تقارير إعلامية إسرائيلية، إن هناك منظومة علاقات بين إسرائيل والأردن واسعة، يدور معظمها بعيدا عن وسائل الإعلام، وذلك بناء على اتفاقية سلام بين الدولتين وعلاقات دبلوماسية كاملة منذ أكثر من عقدين، ويعود السبب الرئيسى لعدم التصريح عن العلاقات بشكل علنى إلى الحساسية السياسية الكبيرة المنسوبة للدولتين، بسبب جمود عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
وتضيف التقارير أن أحد الأسباب الرئيسية لرغبة إسرائيل فى مساعدة المملكة الأردنية الهاشمية هو العلاقات الأمنية الوثيقة بين البلدين، ونظرا لحقيقة أن الحدود الشرقية الإسرائيلية هى الأطول، والأكثر هدوءا أيضا، ونظرا لوجود علاقات أمنية بين إسرائيل والأردن.
وفى السياق نفسه، قال المحلل السياسى الإسرائيلى الكبير والمتخصص فى الشئون العربية، تسفى بارئيل، فى تقرير له بصحيفة "هاآرتس" إنه يصعب معرفة ما الذى أثار لدى سفيرة اسرائيل لدى عمان، الانطباع بأن وضع المملكة غير مستقر، مشيرا إلى أن زعزعة الاستقرار هو مصطلح يرتبط عادة مع استقرار النظام الملكى فى الأردن، ومع فقدان السيطرة والأزمة الاقتصادية.
مظاهرات فى الأردن
وقالت مصادر أردنية للصحيفة العبرية، "إن الأردن فوجئ بما نشر على لسان السفيرة، وتعد هذه استهانة، حيث أن استقرار السلطة ليس موضع قلق فى الأردن حاليا، ولم يكن كذلك خلال الفترة التى قيلت فيها تصريحات السفيرة".
وأضافت المصادرة الأردنية: "صحيح ان هناك مصاعب اقتصادية كبيرة، وجرت مظاهرات ضد رفع الأسعار، وصحيح ايضا ان مشكلة اللاجئين السوريين تهز المجتمع الأردني، لكن هذا وضع شبه دائم فى الأردن، ومن المؤكد منذ فتح الأردن ابوابه لاستيعاب حوالى مليون لاجئ من سوريا".
وقالت هاآرتس، إن الأزمة الاقتصادية فى المملكة قاتمة، وأن البطالة تصل الى 16%، وترتفع الى حوالى ضعفى ذلك، بين الشباب والمثقفين وسكان المناطق النائية، ويصل العجز المالى الى 1.2 مليار دولار، كما أن صفقة المساعدات بقيمة 5 مليار دولار والتى قدمتها دول الخليج للأردن، لفترة خمس سنوات، انتهت فى العام الماضى، ولا توجد دلائل على تجديدها، بالإضافة إلى أن العلاقات بين الأردن والسعودية فاترة، على خلفية رفض الأردن السماح لقوات التحالف العربى الذى اسسته السعودية بالعمل من اراضيها.
وأضافت الصحيفة العبرية أنه فى الفترة الأخيرة غير الأردن سياسته تجاه نظام الرئيس السورى بشار الأسد، وأصبح، مثل تركيا ومصر، مستعدا لدعم استمرار حكمه حتى خلال فترة الادارة الانتقالية التى ستقام فى اطار اتفاق سياسى، اذا تم تحقيقه.
وقال المحلل السياسى الإسرائيلى: "إن الأردن يتمتع بمساعدات امريكية كبيرة من اجل تمويل معالجة اللاجئين، ولكن حسب المعطيات الرسمية، نجح الاردن بالحصول على نسبة حوالى 6% فقط من مجمل المساعدة المطلوبة من اجل الالتزام بالمتطلبات الضخمة لمعالجة قضايا اللاجئين، وأن هذا الأمر يلزم الأردن على توفير غرف دراسية وتفعيل وصيانة مخيمات اللاجئين وتقديم خدمات صحية ومساعدات للمحتاجين والحفاظ على النظام فى المخيمات".
وأضاف بارئيل: "أن حوالى نصف اللاجئين السوريين فقط يعيشون فى المخيمات، بينما يعثر البقية على اماكن سكن لهم فى المدن الكبرى، خاصة فى عمان، وغيرها من المجن، ويشكل انتشارهم فى الأردن مشكلة اقتصادية لمواطنى المملكة، لأن اللاجئين يسيطرون على اماكن العمل، خاصة العمل البسيط، الذى يعتاش منه الكثير من الأردنيين".
ويعتبر فقدان أماكن العمل نقطة حساسة بشكل خاص، حسب الصحيفة العبرية، لأن المواطنين الأردنيين يتساءلون لماذا يجب أن تمول ضرائبهم استيعاب اللاجئين فى الوقت الذى يسلبونهم فيه لقمة عيشهم.
وأوضحت الصحيفة العبرية أنه من أجل تهدئة الأجواء، تنشر وسائل الاعلام الأردنية، والتى تسيطر الدولة على غالبيتها، عن قيام لاجئين سوريين بتأسيس مصانع جديدة فى منطقة "اربد"، ونقل مصانع من سورية الى الاردن، وتشغيل مواطنين اردنيين فى هذه المصانع. لكن هذه نقطة فى بحر البطالة، ولا تكفى هذه المصانع للتعويض عن فقدان اماكن العمل.
وانضم الى هذا الغضب، الاحتجاج على رفع اسعار الوقود، والتقليص فى الدعم المالى وارتفاع اسعار المواد الأساسية، والتى اخرجت المتظاهرين الى الشوارع فى الكرك، والطفيلة، والسلط ومأدبا.
وأوضحت هاآرتس أن المئات شاركوا فى هذه المظاهرات وليس آلاف، لكنها دلائل على القشة التى يمكن ان تتحول الى حريق اذا لم يجد الملك عبد الله الثانى مصادر لتمويل الهدوء.
وعلى المستوى الأمنى، قالت هاآرتس، إن الأردن يقف أمام خطر انتقال تهديد "داعش" الى داخل المملكة، وتقوم باستثمار الكثير من الجهود لصد تقدم مقاتلى التنظيم الإرهابى فى جنوب سوريا، وفى الشهر الماضى، ولاول مرة منذ فترة طويلة، هاجم الأردن بواسطة طائرات بدون طيار، قواعد لداعش فى محافظة درعا فى جنوب سوريا، ومجمعات لنشطاء جبهة احتلال الشام التابعة للقاعدة، وتم تنفيذ هذا الهجوم بالتوازى مع التنسيق المتعزز مع روسيا، بهدف منع تسلل نشطاء داعش الى الأردن، بعد هزيمتهم فى حلب وفى الهجوم المخطط على الرقة فى شمال سوريا.
ولفتت الصحيفة العبرية إلى أن الأردن يستضيف على اراضيه مركز التنسيق العسكرى الذى يشرف على عمل المتمردين فى جنوب سوريا، والذى يضم السعودية والولايات المتحدة ودول اوروبية، ويضم اسرائيل ايضا، وقد تمكن الأردن، حتى الان، من منع اقتراب داعش من حدوده، لكن الاستخبارات الأردنية تتخوف من اقامة خلايا داخل المملكة، ومن التأثير المحتمل للتنظيم على اللاجئين فى اراضيه.
ويستعين الأردن بالمساعدات الاستخبارية من الدول المجاورة وتقوم طائراته بتنفيذ طلعات على امتداد حدوده الشمالية وفى الاراضى السورية، كما يظهر الأردن قدرات استخبارية جيدة فى تعقب التنظيمات المتآمرة والحركات الإسلامية الراديكالية التى تعمل بشكل قانونى داخل الدولة، لكن هذا النضال وفقا لـ"هاآرتس" لا يضمن صد نشاطات الارهاب بشكل كامل.
وقال مصدر إعلامى أردنى لصحيفة العبرية: "نحن نعيش فى واقع يمكن فيه حدوث عملية كل يوم، ويمكن للمظاهرات ضد الحكومة، أى ضد الملك، ان تندلع من دون سابق انذار، ويمكن للمعارضة ان تجد كل ذريعة من اجل انتقاد الحكومة".
جانب من تقرير هاارتس حول الاردن
واشارت هاآرتس إلى أن المثال الأخير، على زعزعة استقرار المملكة، هو النقاش فى البرلمان حول اتفاق الغاز مع اسرائيل، لافتة إلى أنه فى مصر كانت المعارضة لاتفاق كهذا من بين الشعارات الرئيسية التى ارتفعت فى مظاهرات الثورة التى اسقطت مبارك، ولكن الان يطالب اعضاء البرلمان برؤية نص الاتفاق كاملا، ومن غير المؤكد انهم سيفهمون البنود، لكنه من الواضح ان هذا النقاش سيشكل ارضا خصبة للاحتجاج ضد النظام.
وفى المقابل، قالت مصادر حكومية أردنية رفيعة المستوى على التصريحات التى نُسبت الى السفيرة الاسرائيلية فى عمان قائلة إن السفيرة الإسرائيلية تراجعت عن تصريحاتها التى أوردتها الصحف الاسرائيلية مشيرة الى ان الأردن آمن ومستقر وليس بحاجة لسفيرة إسرائيل لتقدم شهادتها.
فيما أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانًا توضحيًا حول الموضوع اكدت فيه ان ما نسب للسفيرة شلاين من تصريحات حول الاوضاع فى الاردن عار عن الصحة، مؤكدة ان اسرائيل تولى أهمية بالغة للعلاقات السلمية والودية بين البلدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة