تولى سعد زغلول منصب وزير المعارف فى أكتوبر 1906 فأشاد مصطفى كامل، قائلا فى جريدة اللواء يوم 28 أكتوبر 1906: «صفات سعد بك زغلول وهو فى المحاماة أولا، وفى القضاء ثانيا يحملهم جميعا على الارتياح لهذا التعيين الذى صادف مصريا مشهورا بالكفاءة والدراية والعلم الغزير، وحب الإنصاف والعدل».
لكن هذه الإشادة لم تدم طويلا، فبعد نحو أربعة شهور شن «كامل» هجوما على سعد فى مقال بعنوان «فشل وزير» نشره فى صحيفة «الابتندار» يوم 7 مارس «مثل هذا اليوم» 1907، حسب تأكيد «رشاد كامل» فى كتابه «الهانم والزعيم – مشوار حياة سعد زغلول وأم المصريين» «دار نصر للنشر والتوزيع–القاهرة»، فلماذا الهجوم؟ وهل نفهم منه طبيعة الشخصيتين؟
يذكر عبد الرحمن الرافعى فى كتابه «مصطفى كامل – باعث الحركة الوطنية» «دار المعارف - القاهرة): «حين بدأ مصطفى كامل» «مواليد 1874» حياته الوطنية 1890، كان سعد «مواليد 1859» لا يزال المحامى النابه، المنصرف إلى أعماله فى المحاماة، ثم عين سنة 1892 قاضيا فانقطع إلى قضائه بمحكمة الاستئناف».
وفيما كان «كامل» وحتى رحيله فى 10 فبراير 1908 هو قائد الحركة الوطنية التى تطالب برحيل الاحتلال الإنجليزى، جاء «زغلول» وزيرا للمعارف باقتراح من اللورد كرومر المعتمد البريطانى، حسبما يؤكد أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو عباس الثانى فى مذكراته «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة» قائلا: «لم يرتح الخديو لاقتراح كرومر لكثرة اختلاط سعد بالمرحوم الشيخ محمد عبده»، ويضيف شفيق: «كان الفكر السائد بيننا هو أن كرومر يريد تعيين سعد فى نظارة المعارف ليبعده عن الاشتغال بالجامعة «مشروع تأسيس الجامعة» ظنا منه أنه بذلك يقضى عليها، ولهذا أمرنى الخديو بالتوجه مع إسماعيل باشا أباظة لمقابلة سعد، وأن نطلب منه ألا يغفل أمر الجامعة وأن يستمر إشرافه عليها، فلما قابلناه وأبلغناه رسالة الخديو لم يؤكد لنا عزمه صراحة فى تنفيذ هذه الرغبة، ولكنه وعد ألا ينساها، ولما أبلغنا الخديو ذلك لم يسر لتلك الإجابة».
وفيما يرى فاروق القاضى «فى كتابه» فرسان الأمل – تأملات فى الحركة الطلابية المصرية «مركز البحوث العربية–القاهرة»، أن شعارات وخطب مصطفى كامل كانت تلهب المشاعر وتغلب عليها الرومانسية، لكنها لا توحى بعمل شىء محدد أو تدعو إلى القيام بتمرد معين يشعل ثورة»، يؤكد أن الواقعية العقلانية الخارجة من هزيمة الثورة العرابية كانت مجسدة فى سعد زغلول، وأن سعد ومصطفى مدرستان مختلفتان تمام الاختلاف، اختلاف الفلاح الأزهرى «سعد» عن الأفندى ابن المدينة «كامل».
فى هذا السياق نفهم هجوم «كامل» ضد «زغلول» يوم 7 مارس 1907، وقصته حسب «الرافعى»، تبدأ بطلب «الجمعية العمومية» من الحكومة فى مارس 1907 بجعل التعليم فى المدارس الأميرية بـ«العربية»، وكانت بالإنجليزية، فاعترض سعد، وألقى خطبة طويلة قائلا: «إن الحكومة لم تقرر التعليم باللغة الأجنبية لمحض رغبتها أو اتباعا لشهوتها، ولكنها فعلت ذلك مراعاة لمصلحة الأمة، وإذا فرضنا أنه يمكننا أن نجعل التعليم من الآن باللغة العربية، فإننا نكون أسأنا إلى بلادنا وإلى أنفسنا إساءة كبرى، لأنه لا يمكن للذين يتعلمون على هذا النحو أن يتوظفوا فى الجمارك والبوستة والمحاكم المختلطة والمصالح العديدة التابعة للحكومة».
رفضت «الجمعية العمومية» اعتراضات سعد، وأقرت بالأغلبية التعليم بالعربية، وفتح «كامل» النار على سعد قائلا: «لا يوجد ما يدعونا للدهشة بخصوص هذا الرجل الذى تعلم مؤخرا اللغة الفرنسية وهو لا يحسن التحدث بها، وقد نجح فى مهنته بفضل اللغة العربية، ويؤكد تأكيدا جريئا على أنه تلقى العلوم باللغات الأجنبية «ولتكن الإنجليزية» أمرا ضروريا، إننا نستطيع الآن أن ندرك أكثر لماذا اختار اللورد كرومر لوزارة المعارف العمومية صهر رئيس الوزراء «مصطفى فهمى باشا» وأين سر سياسته؟ وأن ندرك أكثر لماذا تضلل الصحف الإنجليزية والمناصرة للإنجليز بقولها إن الوزير الجديد كان وطنيا فى حين أنه كان يبدى فى علاقاته كلها تعاطفا مع السلطة؟ نحن نعلم الآن لأى غرض اختار اللورد كرومر لوزارة المعارف رجلا لم يلتحق أبدا بمدرسة، ولا يعد قط عالم تربية ولم يهتم أبدا بالقضية، إن كل الذين كانوا يقدرون الوزير كقاض يأسفون على حاضره، ويخشون على مستقبله ويفضلون ماضيه، إنه على منحدر خطير حقا، إننى أعلم أنهم يجعلونه يأمل فى تولى رئاسة الوزارة بعد حماه، ولكن هل تساوى حقا «رئاسة الوزارة» كل الخسائر الأخلاقية التى سيتحملها إذا استمر فى الطريق الذى سلكه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة