عاش محمد نسيم، أشهر ضباط المخابرات المصرية «محترفا للصمت، ومات مكفنا به، ثم إنه لا يعرف المستحيل، لو قبل مهمة فلابد أن تنفذ، وقد كان ذلك يشعره بالاكتفاء والامتلاء»، هكذا لخص الكاتب الصحفى عادل حمودة سيرة محمد نسيم، أو«نديم قلب الأسد» فى مقاله «إعلان الحرب وإعلان الحب» «الأهرام- القاهرة- 1 إبريل 2000»، وجاء بعد رحيل «نسيم» يوم 22 مارس «مثل هذا اليوم» عام 2000، على أثر أربع جلطات شرسة سدت شرايين القلب والمخ، وأحدثت وفاته، تذكيرًا ببطولاته الفذة كضابط مخابرات ذكى جدا، عبقرى جدا، لم يحمل السلاح فى حياته «نبيل فاروق- برنامج حكاية وطن- فضائية النهار».
فى سيرته، وكما يذكر هو فى برنامج «شخصيات فى حياتى- فضائية الشارقة- دولة الإمارات»، أن القدر كان له دخل فى معاناته: «توفيت والدتى وعمرى ثلاث سنوات»، وتوفى شقيقى ضابط البوليس وأنا صغير، وتأثرت بوالدى الذى كان أبا وأما لنا، كان فنانا يعمل أستاذا فى كلية الفنون الجميلة، وبطلا للجمهورية فى الملاكمة، فدفعنا دفعا أنا وشقيقى إلى الرياضة، وأصبح أخى بطل مصر فى السباحة، وضمن منتخب مصر فى كرة الماء، وأنا مثلت مصر فى الملاكمة والهوكى، وكنت بطل مصر فى الملاكمة وزن متوسط، وأنا طالب فى شهادة الثانوية عمرى 17 عاما، ولما دخلت الكلية الحربية عام 1949 رقيت إلى «أومباشا» وأنا فى بداية الدراسة، بعد أن شاهدنى «حيدر باشا» وزير الحربية فى مباراة نهائى بطولة الجيش للملاكمة كما منحنى المجانية»، وحسب عادل حمودة: «أصر أن يكمل هذه المباراة رغم إصابته بشرخ فى يده اليمنى، وأغلب الظن أن يوسف السباعى استوحى أحداث هذه المباراة فى فيلم رد قلبى».
تخرج ضابطًا عام 1951، ثم خاض حرب العدوان الثلاثى ضد مصر عام 1956 ضابطًا للمدرعات، وبعد فشل العدوان، تقرر نقله إلى جهاز المخابرات العامة الذى تأسس عام 1954 برئاسة زكريا محيى الدين عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952، ووفقا لـ«نسيم»: «التحقت بجهاز الخدمة السرية برئاسة «حسن بلبل»، السفير فيما بعد، وهو الذى دربنى وأعطانى الثقة، وتولاها بعده شعراوى جمعة «وزير الداخلية الذى سجنه السادات فى قضية 15 مايو 1971»، ويتذكره «نسيم»: «كان شعراوى رجلا بمعنى الكلمة ويثق فى قدراتى، وظللنا صديقين حتى آخر عمره 28 نوفمبر 1988»، ويعتبره نسيم أحد الذين تأثر بهم بالإضافة إلى زكريا محيى الدين والفريق أول محمد فوزى، وزير الحربية بعد نكسة 5 يونيه 1967 وحتى سجنه مع شعراوى جمعة «15 مايو 1971».
انطلق إلى عملياته المخابراتية الاستثنائية، وأشهرها إعادة تأهيل «رفعت الجمال» الشهير إعلاميا باسم «رأفت الهجان»، ويعيد الفضل فى التفكير فى عمليته إلى «زكريا محيى الدين وحسن بلبل»، ثم محسن فايق الذى اكتشفه وأعده، ويصف الجمال: «كان مغامرا، متمردا، طموحا، وأهله غير سعداء به لأنه فاشل فى حياته العملية، لا تستطيع أن تمسكه، وبالتالى كان يملك كل المواصفات للمهمة التى خططت لها المخابرات وهى زرعه فى إسرائيل».
يضيف «نسيم»: «سافر الجمال إلى إسرائيل، وبعد سنة ونصف تقريبا بدأ يقلق فعاد لتمرده، وكان شعراوى جمعة وقتئذ رئيسا للخدمة السرية، وبتكليف منه درست ملفه، ثم قابلته فى روما، وكان تقريرى عنه: «لديه ملكات فطرية أن يكون جاسوسا جيدا لمصر، ولا شبهات عليه»، فكان تقريرى الفيصل فى استمراره، وقمت بإعادة تدريبه، وإنشاء شركة سياحة له، لكنه عاش فى قلق دائم فأصيب بالقرحة العصبية فى معدته»، يضيف نسيم: «كان دمه خفيفا جدا، ولهذا كان ملتقى فى المجتمع الإسرائيلى، وكان سخيا، لكن نبهته ألا يفعل ذلك بشكل لافت، كان يقول لى: وأنا فى إسرائيل أشعر أنك تعيش معى».
فى سجل «نسيم» الرائع كثير من العمليات، كتدمير«الحفار» فى «أبيدجان» بـ«ساحل العاج» وكان فى طريقه إلى سيناء للتنقيب عن البترول، وتعد عمليته من أبرع العمليات المخابراتية العالمية، و كلفه بها جمال عبدالناصر مباشرة: «الحفار يا نسيم»، فرد: «حاضر يا أفندم»، ولما تم تدميره فى مارس 1970 أرسل برقية إلى القاهرة «مبروك الحج»، يتذكر: «كانت هذه آخر عملية فى حياتى، ومنحنى الرئيس عبدالناصر وساما بسببها».
أطيح به فى حركة 15 مايو 1971 رغم سجل بطولاته النادرة: «طلبوا منى أن أترك المخابرات وأختار أى عمل آخر، قلت «عايز أستريح»، فتقرر إحالتى للمعاش وعمرى 42 عاما، استوعبت الموقف وعملت فى الزراعة بأرض زوجتى، وبعد أن تولى اللواء كمال حسن على، رئاسة الجهاز عام 1975 استدعانى قائلا: «لا يمكن أن يقعد محمد نسيم كده»، فانتقلت إلى مجال السياحة، ثم رئاسة هيئة التنشيط السياحى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة