"بعد ما شاب ودوه الكتاب".. لم يعد لهذا المثل الشعبى قيمة بعد الآن، بعدما قررت مسنة تخطت الستين من عمرها كسر هذا المثل الأسطورة الذى يدعو للتكاسل ويشجع الجهل والأمية، وقررت تحقيق حلم راودها طيلة 40 عامًا تمثل فى استكمال الدراسات العليا، التى بدأتها العام الماضى وحصلت على دبلومة تربوية وفى طريقها العام الجارى للحصول على دبلومة خاصة، تمهيدًا لاستكمال دراستها فى الحصول على درجة الماجستير والدكتوراه، لخدمة التلاميذ من ذوى الاحتياجات الخاصة.
"اليوم السابع" عايش اليوم الدراسي لسكينة سعد محمد، التى تبلغ من العمر 63 عامًا، بعد قراراها باستكمال دراستها والتحاقها بقسم الدراسات العليا فى كلية التربية بجامعة العريش.
يبدأ يوم سكينة بعد صلاتها الفجر، وتجهيز متطلبات منزلها، ثم استذكار دروسها فى منزلها لوقت يتراوح ما بين ساعتين لـ4 ساعات، وإطعام الطيور والأغنام وتنظيف حديقة المنزل، وقبل موعد المحاضرة بنحو ساعة تبدأ رحلتها بالسير على قدميها لمسافة 400 متر وصولا للشارع الرئيسى لتستقل مواصلة عامة تصل بها لموقف سيارات العريش وسط المدينة، ومنه تستقل مواصلة عامة أخرى للجامعة، وتنتظر مع زملائها موعد محاضراتها المقررة.
تحقيق الحلم
تقول "سكينة" إنها أم لثلاثة أبناء، وزوجها يعمل مدرسًا على المعاش، ولا يشكل لها برنامج الدراسات العليا أى غرابة فهى طالبة مجتهدة فى الدراسة منذ أن كانت فى المرحلة الابتدائية فى كفر الشيخ ثم حصولها على الترتيب الأول فى الثانوية العامة على مستوى إدارة دسوق واستكمالها الدراسة الجامعية فى كلية التجارة بجامعة الإسكندرية، وما تقوم به هو تحقيق لأمنية قديمة بالحصول على درجة الدكتوراه والذى حالت ظروفها دون تحقيقها وكان تحررها من قيود الوظيفة بالخروج للمعاش وانتهائها من تعليم وزواج أبنائها هو المحرك لتحقيق الحلم الذى أحياه فيها مشهد مؤثر لأم ترعى 5 معاقين ولا تستطع تدبير نفقات علاجهم فكان قرارها حاسمًا أن تستكمل دراستها العليا فى مجال يخدم فئة ذوى الاحتياجات الخاصة.
بداية التعليم
وتؤكد "سكينة " أنها طوال حياتها الدراسية لم تحصل على درس خصوصى إلا فى الصف السادس الابتدائى وكانت رغبة والدها وهو عامل بسيط فى السكة الحديد، كافح لتعليمها هى وأشقاؤها الأربعة وأنها كانت تطمح دخول كلية الإعلام أو الاقتصاد والعلوم السياسية ولكن ظروف الأسرة حالت دون ذلك ولعبت المصادفة دورًا فى التعرف على زوجها رمضان حسين أبو درب، القادم من سيناء لكفر الشيخ، أثناء فترة احتلال إسرائيل لسيناء، وكان طالبًا فى جامعة القاهرة يحضر بين الحين والآخر لزيارة خاله المقيم فى منطقتهم، وبعد انتهاء الدراسة الجامعية تزوجا وقررا العودة والإقامة فى العريش التى كانت خاضعة للاحتلال.
وتابعت: عملت معلمة لغة إنجليزية، فى المدرسة الثانوية ثم محاسبة فى التربية والتعليم، ومع عودة سيناء وتحريرها، انتقلت للعمل فى مديرية المالية كمحاسبة، حتى إحالتى للمعاش قبل 3 سنوات، مؤكدة أنها كانت حريصة على تعليم أبنائها، وبالفعل حصلت ابنتاها "إيناس" و" رندا" على ليسانس تربية، وتزوجتا، وابنها إسلام حصل على بكالوريوس تجارة وعمل موظفًا فى الرى وتزوج ويقيم معهم فى المنزل.
طالبة علم بعد الستين
وتشير سكينة إلى أنها بعد إحالتها للتقاعد وجدت وقت فراغ مناسب لتبدأ من جديد الدراسة وطرحت الفكرة على أسرتها من بينهم من عارضها وآخرون أيدوها، وقررت خوضها بالحصول على الدبلومة وكان موقف الموظفين فى جامعة العريش مشجعًا لها وحافزًا بدأ يتنامى بعد تشجيع أكثر من الأستاذة فى المحاضرات.
ولا تنكر "سكينة" أنها تلقت ردود أفعال على خطواتها محبطة مثل قول بعض من حولها "إنتى عايزه بالشهادة ايه، انتى بتتعبى نفسك على الفاضى"، وهى عبارات تعتبرها محبطة لإيمانها أن الشهادة العلمية قيمة وليست ورقة، وأن ديننا أوصانا أن نطلب العلم من المهد إلى اللحد، ومع ذلك تسعد بعبارات تشجيع من هم أصغر منها من زملائها الطلبة، وقولهم لها إن وجودها بينهم يشجعها على المواصلة والاستمرار، مؤكدة أنها لن تتوقف عن الدراسة طوال عمرها.
وصيتها للشباب
وقالت سكينة: "أوصى الشباب بعدم الاستهتار بالدراسة الجامعية، فهى فرصة العمر لتكوين شخصية المستقبل، وعدم التوقف عندها وخوض غمار الأعلى والمزيد منها ليس لتحسين مستوى الوظيفة ولكن لطرق أبواب علم جديد ومن لم يستطع فليعوض ذلك فى أبنائه ومن حوله.
زملاء "سكينة"
تقول بيسان عبد السلام، زميلة سكينة فى الكلية، إنها تعتبر سكينة نموذجًا مشرفًا للسيدة المصرية المكافحة الصابرة المثابرة، فيما يشير مختار عبد العظيم، مدرس لغة مدرس لغة فرنسية، إلى أن سكينة غيرت نظرتهم للتعليم فى الدراسات العليا ليس للحصول على شهادة ولكن لفتح أفق أوسع فى بحور العلم، وتابعت زميلتها نورهان حسن أنهم كزملاء يتناقشون فى أمور تخص الدراسة والأبحاث ويقفون فى غرابة شديدة من قوة وشدة تركيز زميلتهم بعد كل هذا العمر.
ويقول الدكتور عادل سرايا، عميد كلية التربية، إنه فوجئ بسكينة بين الطلاب أثناء اختيارها لمادة فى قسم المناهج وتكنولوجيا التعليم فى أول لقاء له بالطلبة الدراسين، كان يظنها حضرت لاستكمال أوراق أحد أبنائها، وتبين أنها دراسة جديدة، على المعاش، مؤكدًا أن موقفها كان لافتًا للنظر، خاصة أن الدراسة ليست سهلة، وأنها اختارت أصعب مقرر وهو تكنولوجيا التعليم الذى يحتاج لمهارة عملية فى أجهزة حديثة هى لا تجيدها ولديها إصرار على تعلمها، ويعتبر وجودها فخرًا لهم وأنه اعتبرها نموذجًا للطالب المجتهد وقدمها للطلبة الدارسين فى الكلية وطلبة الدراسات العليا كقدوة لهم.
ويؤكد الدكتور كمال طاهر، أستاذ مناهج اللغة العربية، أنه فوجئ أنها حريصة على تقديم أبحاث علمية متكاملة بالطريقة التقليدية القديمة من حيث الحصول على المعلومة من مصدرها بالبحث فى الكتب، وحرصها على مناقشة بحثها، فيما يشير الدكتور رفعت عزوز، وكيل كلية التربية لشئون الطلاب، إلى أنه أثناء تدريسه لها وزملائها لمس حضورها القوى حتى أنه نعتها بلقب أستاذ مساعد تقديرًا لها، واعتبرها الدكتور علام محمد، مدرس فى مناهج التدريس، وهو استاذ لها، أنه وزملاؤه من أعضاء هيئة التدريس الشباب فى الجامعة يعتبرونها نموذجًا لهم، وأمنيتهم أنهم فى المستقبل يصبح لديهم الحرص على العلم والاستزادة منه كما هى حريصة.
سكينة طالبة ما بعد الستين
مع محرر اليوم السابع
تتحدث لمحرر اليوم السابع
مع أغنامها
مع أغنامها
تجمع الليمون فى حديقة منزلها
فى طريقها للجامعة
فى مطبخها
أثناء المذاكرة
مع أحفادها
مع ابنها وأحفادها
فى الحرم الجامعى
فى الجامعة
على مقعد الدراسة
الدكتور رفعت عزور وكيل طلبة تربية العريش
الدكتور كمال طاهر
أثناء نقاش دراسى
بين زملائها
مع عميد تربية العريش فى مناقشات علمية
حريصة على العلم
الدكتور علام محمد
جدية الدراسة
فى منزلها
مع كتبها
متابعة وإصرار
تجهز حديقة منزلها
الدكتور عادل سرايا عميد تربية جامعة العريش
الطالبة "سكينة "
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة