أكرم القصاص - علا الشافعي

وائل السمرى

افرش حصيرة وخلى البساط أحمدى

الجمعة، 17 مارس 2017 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هى أغنية للراحل الجميل، «سيد مكاوى»، كتب كلماتها حكيم شعراء العامية المصرية وعظيمهم «فؤاد حداد»، لكنها ليست كالأغانى، وليست كالمواويل، هى ترياق، رحلة للروح والقلب، موجة من موجات الحلم، سكر بلا خمر، وله بلا عشق، حالة فريدة من الاندماج بالكون، لحن مثل المياه العذبة سهل وعميق، كلمات تشبه قطرات الشعور المتقطعة، الفراغ بين معانيها يغريك بالتخيل، فتصير أنت والأغنية كيانًا واحدًا، أنت وخيالك، شاهد ما تريد، أنت ومدى بصيرك، و«على قد بصيرتك مد عنيك».
 
اسمها «باب الخلق» ويبدأها سيد مكاوى بالقول «اللى بيعلا بيعلى.. وقوله القلوب عند بعضها واصلة السما بأرضها» تتساءل من الذى «بيعلا»؟ وماذا سيعليه؟ وحينما تعجز عن إيجاد الإجابة تذهب مجبرًا إلى الافتراض، تتنامى الافتراضات، وتهدأ روحك بالحكمة المرسلة، «قوله القلوب عند بعضها واصلة السماء بأرضها»، تجد نفسك تقول: نعم نعم فالناس للناس، والناس بالناس وشعورك بما فى قلب صديقك الذى تقول له، «القلوب عند بعضها»، يبرز الوحدة الربانية بينكما، فيتحقق مراد الله من البشر، ويتحقق الاتصال بين الأرض والسماء.
 
يقول مكاوى «وقبل الناس ما تكتر السنين كانت كتيرة.. افرش حصيرة وخلى البساط أحمدى.. الليل بساط يا مصادفنى من آخر السكة قرب من الناحية دى» دائمًا ما أتخيل «سيد مكاوى» وهو يمسك بعوده ويشدو بتلك الأغنية على «مصطبة» أمام بيت قديم فى سهرة سمر صيفية، يشدو «مكاوى» «مليش خيال إلا أن رمتنى بنور هادى ورميت عليا السلام»، حينما يمر أحد أحبائه عليه وهو جالس فى فى الصيف، يترنم ويقول «والقمر لون الحنان الصيفى والماضى الصغير»، فـأسأل: ما هو ذلك «الحنان الصيفى» الذى يذوب فيه سيد مكاوى عشقًا، ويشبه القمر به؟ فلا يجيب إلا الخيال؟ ثم أعود وأسأل: كيف رأى «فؤاد حداد» شكلًا لـ«الماضى الصغير»؟ فلا يجيب إلا الخيال أيضًا، فأتعجب: كيف صنع هذان الحالمان من الحلم عالمًا حقيقيًا، وكيف صنعا من الشعر والألحان بناءً خياليًا مكتملًا، حتى تكاد تشعر من فرط اكتماله بأنه حقيقة واضحة.
 
كيف اكتفيا من هذا المجاز، تقول لنا الأغنية: لا، فالقمر الذى يشهب الحنان الصيفى، والقمر الذى يشبه «الماضى الصغير» هو أيضًا «زى اللى خجلان شوية من بهجته وحسنه»، لكنه برغم هذا الخجل، «ميال لكل الدنيا مالى الدنيا» يشرق فى محمد على، يعانق الترام فى شارع الخليج المصرى، فوق العباسية وبعد الزيتون، فوق «النجع» وفوق «الكوم» وعلى مزلقان الجيزة وعلى كل محطات السكة الحديد، ليصل إسكندرية بباب الخلق، ويرمى السلام، لتلتقط أنفاسك أخيرة بعد هذه رحلة الروح.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة