توجه وزير العدل المستشار «عصام حسونة» إلى منزل الرئيس جمال عبدالناصر بـ«منشية البكرى» لحضور مأدبة العشاء المحدودة لتكريم مفتى لبنان الشيخ حسن خالد، وحسب «حسونة» فى مذكراته «23 يوليو وعبدالناصر» عن «مركز الأهرام للترجمة والنشر - القاهرة»، كان حفل العشاء يوم 11 مارس «مثل هذا اليوم» عام 1966، وكان الحاضرون من المصريين هم، الرئيس جمال عبدالناصر، والمشير عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة، وأنور السادات رئيس مجلس الأمة «البرلمان» والمهندس أحمد الشرباصى وزير الأوقاف والشؤون الاجتماعية.
يذكر «حسونة» كيف استقبله «عبدالناصر»، والاستقبال كان موصولاً بما حدث فى جلسة سابقة لمجلس الأمة ناقشت تعديلات فى قانون الأحوال الشخصية، وشمل قضية مهمة اشتد الجدل حولها وهى «إلغاء تنفيذ أحكام الطاعة جبراً»، يقول «حسونة»: «استقبلنى الرئيس عبدالناصر، وعلى قسمات وجهه ابتسامة مترددة قائلاً: «إيه اللى عمله فيك المجلس؟، قلت: «فى الحقيقة يا سيادة الرئيس، إنى سعدت بهذه المعركة الديمقراطية».
تدخل السيد أنور السادات فى الحديث قائلاً حسب حسونة: «قل يا أخ عصام للرئيس، كيف وقفت معك، لقد كانت جيهان «زوجته» وسكينة «أخته» ضمن وفد النساء اللائى وقفن فى الشرفة عند وصولك المجلس وعند إنهاء كلمتك، تكريماً وتأييداً لك»، يضيف حسونة: «قلت للرئيس هذا حصل وأنا شاكر للسيد أنور السادات، ويبدو أن إعرابى عن الشكر لم يعجب المشير عبدالحكيم عامر، الذى وجه كلاماً لا يخلو من الضيق والسخرية إلى أنور السادات قائلاً: يعنى ياسى أنور هو ده الموضوع اللى أعضاء المجلس عملوه فيه رجاله».
يمسك «حسونة» القصة من أولها، قائلاً، إنه منذ أن تم تعيينه وزيرا للعدل فى أول أكتوبر 1965 «وزارة زكريا محيى الدين ثم وزارة صدقى سليمان» وضع غايته فى وضع القوانين الأساسية فى خدمة المجتمع، أن يجعل منها أداة لإشاعة العدل ودعامة لحقوق الإنسان، وكان قانون الأحوال الشخصية فى طليعة تلك القوانين: «كنت أرجو أن استصفى هذا القانون مما يشوبه من أحكام منسوبة ظلما للشريعة الإسلامية، برغم أنها تتجافى مع جوهر الدين، وتتنافى مع التفسير الصحيح لأحكامه، وكان الحكم الخاص بتنفيذ أحكام الطاعة جبرا بقوة الشرطة يؤرقنى أشد الأرق، ويمثل لى إهانة للشريعة، وامتهانا لكرامة المرأة، ولى أيضا كمواطن ووزيرا للعدل، وبرغم أننى قرأت كثيرا فى الشريعة وأنا أراجع هذا الحكم، واسترشدت بآراء رجال الدين وفقهاء القانون والشريعة، فإننى لم أنس للحظة واحدة أننى كوزير للعدل المسئول عن اتخاذ القرار».
أصدر «حسونة» قراره بإلغاء تنفيذ أحكام الطاعة جبرا بقوة الشرطة فى شهر فبراير 1967، مؤكداً: «لم يكن عقلى يقبل أن ينسب هذا الحكم لأحكام الدين»، ويضيف: «لم يغب عن فطنتى وأنا أصدر القرار أنه سيقلى معارضة شديدة من بعض الجامدين من علماء الدين، وبعض القيادات السياسية التى تتصيد المناسبات للاتجار بالدين، ومن بعض رجال الحكومة التى انتسب إليها الذين أغضبهم أننى لم آخذ رأيهم، وانهمرت أسئلة أعضاء المجلس تدين فعلتى، وتصف قرارى بالجريمة، بل أن الحكومة نفسها ممثلة فى وزير مجلس الأمة تبرأت من قرارى»، ويؤكد حسونة: «لم يقف بجانبى غير سيدات مصر على تباين اتجاهاتهم وطبقاتهم، ومعظم صحفيى مصر، ورئيس مجلس الأمة أنور السادات، ورئيس الجمهورية عبدالناصر والمستنيرين من رجال الدين الإسلامى والمسيحى، وبقدر ما كان هجوم الأعضاء أصحاب الأسئلة فى مجلس الأمة على القرار شديدا ومتجاوزا حدود النقد، بقدر ما شعرت بأن أغلبية المجلس تناصرنى، وأن الرأى العام يقف إلى جانبى».
يذكر «حسونة» أنه فى اليوم التالى انعقد مجلس الأمة، فى شكل هيئة برلمانية بدعوة من رئيسه، وأنبأنى رئيس المجلس أنه لام الأعضاء أصحاب الأسئلة على ما حدث منهم فى الجلسة السابقة وقال لهم: «وزير العدل أكلكم، ورغم أن بعضكم تباهى بأنه مناور برلمانى قديم، أثبت الوزير أنه مناور برلمانى أكثر دهاء منكم».
يقول «حسونة» إنه حين أوشكت الجلسة على الانتهاء وأفرغ الناقدون المهاجمون للقرار كل ما فى جعبتهم من سهام، وجه إليهم وإلى المجلس سؤالا محدداً نصه: «هل هناك أحد من السادة الأعضاء يوافق على أن يتم تنفيذ أحكام الطاعة جبرا عن طريق الشرطة ؟»، فكان جواب المجلس: لا، لا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة